نجح باحثون في توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل عينات بول للمرضى، والتنبؤ بوقت حدوث نوبات تفاقم أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن.
توفر هذه النتائج، المنشورة في دورية ERJ Open Research، إمكانات كبيرة لتحسين طرق العلاج والوقاية للمرضى الذين يعانون من هذا المرض المزمن، وخلال الدراسة، أجرى المرضى اختباراً يومياً بسيطاً باستخدام شرائط اختبار البول، ثم أرسلوا نتائجهم عبر هواتفهم المحمولة إلى الباحثين.
وباستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات، تمكن الباحثون من التنبؤ بتدهور الأعراض قبل أسبوع من حدوثها، مما يتيح اتخاذ خطوات استباقية، مثل تعديل العلاج لتقليل أو منع تفاقم الأعراض.
والانسداد الرئوي المزمن من الأمراض الرئوية الخطيرة وطويلة الأمد، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُعتبر مرض الانسداد الرئوي المزمن ثالث أكبر سبب للوفاة عالمياً، ويشمل تفاقم الأعراض صعوبة في التنفس والسعال.
الانسداد الرئوي المزمن
تحدث نوبات تفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن عندما يصاب المريض بحالة مرضية شديدة تتطلب علاجاً إضافياً في المنزل، أو في المستشفى، وتعتمد العلاجات الحالية على رد الفعل تجاه المرض الحاد.
ويقول الباحثون إنه “سيكون من الأفضل لو تمكنا من التنبؤ بالنوبة قبل حدوثها، ومن ثم تخصيص العلاج لتجنب النوبة أو تقليل تأثيرها”.
بدأ الباحثون بتحليل عينات بول مجموعة من 55 مصاباً بالانسداد الرئوي المزمن، بهدف تحديد التغيرات في تركيبة البول التي تسبق تفاقم الأعراض، وأسفر ذلك عن تحديد مجموعة من “المؤشرات الحيوية” التي تتغير عادة عند تفاقم المرض.
وقاس الباحثون مستويات مجموعة من المؤشرات الحيوية في عينات البول للمرضى، تشمل مواد مثل البروتينات، أو الجزيئات الكيميائية التي تشير إلى تغييرات في الجسم نتيجة لتفاقم المرض.
وتتضمن هذه المؤشرات NGAL، وهو بروتين يرتبط بالالتهاب، وTIMP1 المثبط البروتيني للإنزيمات المدمرة للأنسجة، والبروتين التفاعلي، والفبرينوجين، وهو بروتين يشارك في تجلط الدم ويزيد في حالات الالتهاب، وCC16، وهو بروتين يتم إفرازه من الخلايا الرئوية، وأحد البروتينات التي تحفز خلايا المناعة، علاوة على المثبط البروتيني للإنزيمات المدمرة للأنسجة-2.
الذكاء الاصطناعي والتشخيص الطبي
استخدم الباحثون نوعاً من الذكاء الاصطناعي يُسمى الشبكة العصبية الاصطناعية لتحليل التغيرات في مستويات المؤشرات الحيوية، وتوقع موعد تفاقم الأعراض.
وأظهرت نتائج التحليل أن الذكاء الاصطناعي قادر على التنبؤ بتفاقم الأعراض قبل حوالي سبعة أيام من ظهور أي علامات سريرية.
ويعد استخدام البول، كوسيلة لجمع المؤشرات الحيوية، أداة فعالة في الدراسات الطبية والبحثية، لما يتضمنه من مزايا عدة.
من أبرز هذه المزايا سهولة جمع العينة، إذ يمكن للمشاركين جمع البول بشكل يومي، دون حاجة إلى تدخل طبي معقد، مما يسهل المتابعة المستمرة خاصة في الأماكن النائية.
كما يحتوي البول على مجموعة واسعة من المركبات الكيميائية والبيولوجية التي يمكن تحليلها للكشف عن تغيرات في الجسم، مثل الهرمونات، والبروتينات، والأحماض الأمينية، مما يوفر معلومات شاملة حول الحالة الصحية للمرضى.
تتبع الوظائف البيولوجية للمرضى
وعملية جمع البول غير مؤلمة مقارنة بالطرق الأخرى مثل جمع العينات الدموية، أو الأنسجة، مما يجعلها أكثر راحة للمشاركين، كما أن البول يوفر إمكانية مراقبة التغيرات الصحية على مدار فترة طويلة، مما يسمح بتقديم صورة دقيقة للتغيرات الفسيولوجية المستمرة.
ويعتبر جمع البول وتحليله أقل تكلفة من بعض الأساليب الأخرى، مثل الفحوصات الطبية المتقدمة، أو التصوير الطبي، مما يجعله خياراً مثالياً في الأبحاث التي تتطلب جمع بيانات من عدد كبير من المشاركين.
ولذلك، يعتبر تحليل عينات البول أداة مثالية في العديد من الدراسات العلمية والطبية التي تتطلب تتبعاً مستمراً للوظائف البيولوجية والفسيولوجية للمشاركين.
والدراسة هي الأولى من نوعها التي تستكشف العديد من المواد في عينات البول من الأشخاص المصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن قبل تفاقم الأعراض، وفي وقت استقرار الحالة.
ووجد الباحثون أن مجموعة صغيرة من هذه المواد يمكن أن تشير إلى بداية النوبة، ثم طوَّروا أداة تنبؤ باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه المواد.
وأشار الباحثون إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحسين خوارزمية الذكاء الاصطناعي، باستخدام بيانات من مجموعة أكبر من المرضى.
كما يأملون أن يسمح هذا بتطوير اختبارات موجهة للمرضى بالانسداد الرئوي المزمن، بحيث تتعلم الخوارزمية ما هو “طبيعي” لكل شخص، وتتنبأ بنوبات التفاقم.