نجح فريق من العلماء، لأول مرة، في التقاط صورة مقربة لأحد النجوم وهو يحتضر في مجرّة خارج مجرتنا “درب التبانة”، حيث كوكب الأرض.
ويقع النجم، المعروف باسم WOH G64، في “سحابة ماجلان الكبرى” وهي مجرة قزمة غير منتظمة تُعتبر من أقرب جيران مجرتنا، ورغم حجمها الصغير نسبياً مقارنة بدرب التبانة، إلا أنها تُعد مختبراً كونياً لدراسة تَشكُّل النجوم وتفاعل المادة والإشعاع في الكون القريب.
وتقع “سحابة ماجلان الكبرى” في كوكبة “أبو سيف”، وتُقدَّر المسافة بينها وبين الأرض بنحو 163 ألف سنة ضوئية، ما يجعلها ثالث أقرب مجرة إلى درب التبانة بعد مجرّتَي “الرامي القزمة” و”كانيس ميجور”.
وتُظهر الصورة بيئة النجم بشكل غير مسبوق، حيث يظهر في مركزها غلاف سميك من الغبار يُحيط بالنجم، يُشبه شرنقة لامعة تحجب الكثير من الضوء المنبعث من النجم نفسه.
وبالإضافة إلى ذلك، يظهر في الصورة حلقة إهليلجية باهتة تحيط بالغلاف المركزي، ويُعتقد أن هذه الحلقة قد تكون الحافة الداخلية لـ”طورس” (Torus) غباري، إلا أن تأكيد هذا الأمر يتطلب المزيد من الملاحظات.
والطورس مصطلح يُستخدم لوصف هيكل ثلاثي الأبعاد على شكل حلقة أو إطار دائري مفرغ، يشبه إلى حد كبير شكل “الأنبوبة الدائرية” أو “الإطار المطاطي”. ويظهر هذا الشكل بشكل متكرر في العديد من الظواهر والأنظمة الكونية.
وأظهرت الصور أيضاً أن النجم محاط بغلاف غباري كبير على شكل بيضة، ويُشكّل هذا الغلاف حاجزاً يحجب بعض الضوء المنبعث من النجم.
نجم WOH G64 أكبر من الشمس بـ1540 مرة
وقال المؤلف الدراسة للدراسة “كيتشي أوناكا” أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة “أندريس بيلو” في تشيلي، إنهم اكتشفوا “شرنقة بيضاوية الشكل” تحيط بالنجم، مضيفاً: “هذا الاكتشاف قد يرتبط بعملية الطرد العنيف للمواد التي تسبق انفجار النجم”.
ويُعرف هذا النجم باسم النجم العملاق، إذ يبلغ نصف قطره نحو 1540 ضعف نصف قطر الشمس.
وإذا وُضع هذا النجم في مركز النظام الشمسي، فإن غلافه الضوئي سيصل إلى مدار كوكب المشتري، أما بالنسبة للمعانه، فيُقدّر بنحو 282 ألف ضعف لمعان الشمس، ما يجعله واحداً من ألمع النجوم العملاقة الحمراء المكتشفة.
ويساهم الغلاف الغباري المحيط بالنجم في فهم تكوين العناصر الثقيلة وانتشارها في المجرات القريبة وهذه العملية تُعتبر أساسية لدراسة تطور الكون.
ويتميز هذا النجم بخصائصه الفريدة، إذ يُعد أحد أكبر النجوم المعروفة ذات نصف قطر محدد، بالإضافة إلى كونه واحداً من أكثر النجوم لمعاناً وكتلة في فئته.
وتمت مراقبة هذا النجم لمدة عقود، ولم يتم الحصول على صورة واضحة له سوى الآن بفضل التطور التكنولوجي، ولاحظ الفريق العلمي تغيُّراً لافتاً في سطوع النجم خلال العقد الأخير، حيث أصبح أقل لمعاناً.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة “جيرد فيجلت” أستاذ الفلك بمعهد “ماكس بلانك” إن “التغيرات التي رصدناها توفر فرصة نادرة لمتابعة حياة نجم في الزمن الحقيقي”.
مرحلة نهائية شاقة في حياة النجوم
وأشار العلماء إلى أن النجم WOH G64 يمر بمرحلة نهائية شاقة، إذ يطرد طبقاته الخارجية من الغاز والغبار في عملية تستمر لآلاف السنين.
من جهته، أوضح المؤلف المشارك في الدراسة “جاكو فان لون” مدير “مرصد كيل” في المملكة المتحدة أن “هذا النجم من أكثر النجوم تطرفاً، وأي تغيُّر دراماتيكي قد يشير إلى اقترابه من انفجاره النهائي”.
ورصد الفريق أن شرنقة الغبار المحيطة بالنجم تتمتع بشكل بيضاوي غير متوقع، وهو ما أثار حيرة العلماء، إذ يُعتقد أن الشكل قد يكون نتيجة إما لعملية طرد المواد من النجم أو لتأثير نجم مرافق لم يتم اكتشافه بعد.
ومع تزايد خفوت النجم، أصبحت مراقبته أكثر صعوبة، لكن التحديثات المستقبلية الجديدة لأدوات الرصد قد تفتح آفاقاً جديدة لمراقبته بشكل أكثر تفصيلاً.
ويشكل هذا الرصد خطوة كبيرة في فهم مراحل نهاية حياة النجوم العملاقة خارج مجرتنا، وتعطي هذه الدراسات صورة أوضح عن المراحل النهائية للنجم قبل تحوله إلى مستعر أعظم، مما يساهم في تعميق فهمنا للكون وآليات تطوره.