يدرس الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عدة مرشحين لقيادة وزارة الخزانة، وهو المنصب الذي يتطلب قيادة جهود خفض الضرائب في الكونجرس، وإدارة المفاوضات التجارية مع الصين، والإشراف على سوق السندات الأميركية التي تبلغ قيمتها 30 تريليون دولار.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير، الثلاثاء، إن ترمب لا يبحث عن شخص معارض، بل عن وزير خزانة مستعد لتنفيذ خططه غير التقليدية، مع الحفاظ في الوقت ذاته على مصداقية كافية لطمأنة الأسواق، وهذا المزيج من الصفات ليس من السهل إيجادها.
وقال لورانس إتش سامرز، وزير الخزانة في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون: “أعتقد أن ترمب يواجه مشكلة تتمثل في رغبته في تحقيق أمرين متناقضين، إذ يريد شخصاً يكون موالياً بشدة، وفي الوقت نفسه يريد شخصاً يبعث الطمأنينة في الأسواق. ونظراً لقلق الأسواق من أجندة الرسوم الجمركية، يصعب تحقيق كلا الأمرين”.
ودرس ترمب خلال الأيام الأخيرة، عدة مرشحين لهذا المنصب، حيث ترتفع وتنخفض فرصهم بين ساعة وأخرى، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر مطلعة على المناقشات.
والشخصان الأوفر حظاً حالياً لتولي منصب وزير الخزانة هما سكوت بيسنت، الملياردير مدير صندوق التحوط، وكيفن وورش، العضو السابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
كما يُعتبر مارك روان، الرئيس التنفيذي لشركة “أبولو جلوبال مانجمنت”، أحد المرشحين لهذا المنصب، بحسب “نيويورك تايمز” التي قالت إنه يبدو أن هوارد لوتنيك، الرئيس المشارك للفريق الانتقالي لترمب، والرئيس التنفيذي لشركة “كانتور فيتزجيرالد”، فقد حظوظه لتولي المنصب، بعد إعلانه وزيراً للتجارة.
واتخذ ترمب اختيارات غير تقليدية لبعض المناصب الوزارية، لكن اختيار وزير للخزانة يُنظر إليه على أنه “غير جدي” قد يؤدي لزعزعة الأسواق وإعاقة قدرت الرئيس المنتخب على تحقيق وعوده الاقتصادية.
ويحتاج ترمب إلى وزير يحظى بالاحترام في أوساط الشركات الأميركية، ويمكنه تحقيق التوازن بين دعم الرسوم الجمركية، وعدم الظهور كمن يسعى لإشعال حرب تجارية واسعة قد تؤدي لانهيار الاقتصاد العالمي.
أبرز التحديات
وعلى الرغم من أن وزير الخزانة لا يدير السياسة التجارية أو يفرض الرسوم الجمركية، إلا أن يُعتبر الوجه الاقتصادي للإدارة، ويعمل على تعزيز الثقة في الاقتصاد الأميركي.
كما يعمل وزير الخزانة على شرح سياسات أميركا الاقتصادية للشركات والمستثمرين حول العالم، بهدف ضمان تدفق الاستثمارات إلى الولايات المتحدة، واستمرار رؤية المستثمرين لديونها كاستثمار آمن.
وتشغل وزارة الخزانة موقعاً محورياً في الحكومة الفيدرالية، حيث تصدر الديون لتمويل عمليات الحكومة وسداد فواتيرها، بما في ذلك دفع مستحقات الضمان الاجتماعي ومزايا المحاربين القدامى.
ورغم أن الاقتصاد الأميركي هو الأقوى في العالم، إلا أن الدين العام يقترب من 36 تريليون دولار، فيما لا تزال الأسعار مرتفعة بعد عامين من الوصول لمستويات تضخم قياسية.
وقال مارك سوبل، المسؤول السابق البارز في وزارة الخزانة، إن “الوزير القادم سيواجه تحديات هائلة، من بينها الدفاع عن تخفيضات ضريبية كبيرة ستؤدي إلى انفجار كبير في الديون والعجز، والتعامل مع الاحتياطي الفيدرالي نيابة عن الرئيس، وربما بشكل تصادمي”.
وأضاف أن “الوزير سيواجه أيضاً صراعات بشأن سياسات الدولار وسعر الصرف مع فرق البيت الأبيض التجارية المزعجة التي تدعو لخفض قيمة العملة”.
وسبق أن أعرب ترمب عن رغبته في رؤية الدولار يضعف من أجل تعزيز الصادرات الأميركية، إذ أن ضعف الدولار يجعل السلع الأميركية أرخص للمشترين في الخارج. ومع ذلك، يتوقع اقتصاديين أن تؤدي خططه بفرض رسوم على الواردات وخفض الضرائب، إلى جانب سياسات أخرى، إلى “نتائج عكسية”.
وأثار فوز ترمب قلقاً بين مستثمري السندات الذين يخشون زيادة الإنفاق الحكومي، وعودة التضخم في ظل الرئيس المنتخب. وأدى ذلك إلى ارتفاع عوائد السندات، ما يعني أن المستثمرين يتوقعون الحصول على فوائد أعلى مقابل إقراض الحكومة.
يشكل ازدهار سوق الأسهم أولوية أخرى لترمب، حيث تعتبر أسعار الأسهم مؤشراً حيوياً على صحة الاقتصاد. ومع ذلك، خلال فترة رئاسته الأولى، تسببت كل جولة من الرسوم التي فرضها على الواردات الصينية في تراجع أسواق الأسهم.
ومن المتوقع أن يتكرر هذا السيناريو، إذ دعا ترمب إلى فرض رسوم جمركية شاملة تصل إلى 50% على الواردات، بل ورسوم أعلى على السلع القادمة من بعض الدول.
وتوقع براد سيتسر، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، أن “تزيد الرسوم من التكاليف على عدد من الشركات الأميركية متعددة الجنسيات”. وقال إن “الحكمة التقليدية تشير إلى أن ذلك سيجعل العديد من العاملين في السوق يشعرون بالقلق”.
ويرى سيتسر، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الخزانة للتحليل الاقتصادي الدولي من 2011 إلى 2015، أن “الرغبة في ارتفاع سوق الأسهم وفرض رسوم أعلى هما هدفان متضاربان إلى حد ما”، وأن وزير الخزانة المقبل “سيتعين عليه التعامل مع هذه التحديات المتقاطعة”.
“الحمائية الاقتصادية”
وبينما يواصل ترمب ومستشاروه دراسة المرشحين لهذا المنصب، أصبح الإيمان بجدوى الرسوم الجمركية أولوية رئيسية. وكان ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأول لترمب، غالباً ما يعارض زيادة الرسوم على الصين، ويحذر من تأثيراتها المحتملة على الأسواق.
وسلط هذا الوضع الضوء على آراء المجموعة الحالية من المرشحين البارزين، حيث دعا المرشح للمنصب وورش في مقال لصحيفة “وول ستريت جورنال”، عام 2011 بالتعاون مع جيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا الذي نافس ترمب في انتخابات 2016، لـ”مقاومة المد المتزايد للحمائية الاقتصادية”.
من ناحية أخرى، أشار المرشح للمنصب بيسنت مؤخراً، إلى أن “تهديدات ترمب بفرض الرسوم هي استراتيجية تفاوضية قصوى تهدف إلى تأمين اتفاقيات تجارة حرة أفضل”، معرباً عن “قلقه من انتهاك قواعد منظمة التجارة العالمية”.
وأدت هذه التصريحات إلى انتقادات من البعض الذين يرون أن بيسنت ليس مؤمناً حقيقياً بسياسات الرسوم الجمركية، أو كما وصفه الملياردير إيلون ماسك، بأنه “اختيار تقليدي”.
وقال ماسك، الذي أعرب عن دعمه لترشيح لوتنيك لهذا المنصب، على وسائل التواصل الاجتماعي، السبت الماضي، إن “النهج التقليدي يدفع أميركا نحو الإفلاس، لذا نحن بحاجة إلى تغيير بطريقة أو بأخرى”.
وبالنسبة لترمب، قد ينتهي القرار في النهاية إلى اختيار الشخص الذي يثق أكثر في ولائه. وقال ستيفن مور، الاقتصادي في مؤسسة هيريتيج والمستشار لحملة ترمب الأولى، إن “ترمب يستفيد من المساعدين الذين يحاولون توجيهه بعيداً عن ارتكاب الأخطاء، لكنه تعلم إعطاء الأولوية لتعيين الأشخاص الذين يؤمنون بسياساته”.
وأضاف مور: “إذا كنت ستعمل مع ترمب، فعليك أن تكون متفقاً تماماً مع أجندته”.