يعكف مستشارون للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على وضع خطط لتنفيذ تعهده بـ”ترحيل جماعي” للمهاجرين بصفة غير قانونية، تشمل مناقشة سبل دفع تكاليفها ومناقشة إعلان حالة طوارئ وطنية، والتي ستسمح للإدارة الجمهورية الجديدة بإعادة توظيف موارد عسكرية لاحتجاز وإبعاد مهاجرين، وفق ما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتشمل المناقشات خلف الكواليس، التي بدأت قبل أشهر من الانتخابات وتسارعت وتيرتها خلال الأيام التي تلت فوز ترمب، “تغييرات في السياسات المطلوبة لزيادة عمليات الترحيل”، وفقاً لما نقلته الصحيفة الأميركية عن أشخاص يعملون في الفريق الانتقالي الرئاسي، وأعضاء في الكونجرس، وآخرين مقربين من الرئيس المنتخب.
ووفق الصحيفة، تشمل التغييرات “إلغاء سياسة إدارة الرئيس جو بايدن، التي كانت توجه إدارة الهجرة والجمارك الأميركية بعدم ملاحقة المهاجرين الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني، الذين لم يرتكبوا جرائم أخرى، وإجراء تغييرات في نظام محاكم الهجرة لتسريع وتيرة القضايا”.
وقال حلفاء لترمب إنهم يخططون أولاً للتركيز على المهاجرين الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني، الذين تلقوا أوامر نهائية بالترحيل من محكمة الهجرة، والذين يبلغ عددهم نحو 1.3 مليون شخص، بالإضافة إلى أولئك الذين لديهم إدانات أو تهم جنائية أخرى.
وذكر مستشارون للرئيس المنتخب، أن خطط ترمب المرتقبة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين “لا تزال في طور التعديل”.
وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم الفريق الانتقالي لترمب: “الشعب الأميركي أعاد انتخاب الرئيس ترمب بهامش ساحق، مانحاً إياه تفويضاً لتنفيذ الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية. وسيفي بوعوده”.
وجادل ترمب بأن جهود الترحيل المكثفة ضرورية لإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح، بعد دخول ما يقدر بثمانية ملايين مهاجر إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني خلال إدارة بايدن.
ملايين المهاجرين
ولا يُعرف على وجه التحديد عدد الأشخاص الذين يعيشون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. وقدرت وزارة الأمن الداخلي عددهم بنحو 11 مليون شخص في عام 2022، على الرغم من أن العدد ارتفع على الأرجح منذ ذلك الحين. وقال ترمب إنه سيستهدف ما يصل إلى 20 مليون شخص.
وكخطوة أولى، يناقش مستشارو ترمب إصدار إعلان حالة طوارئ وطنية على الحدود في أول يوم له في منصبه، وهو ما يعتقد فريقه أنه سيسمح له بنقل الأموال من وزارة الدفاع “البنتاجون”، لتغطية تكاليف بناء الجدار، والمساعدة في احتجاز المهاجرين وترحيلهم.
ولكن شرعية مثل هذه الخطوة غير واضحة. ويعتقد مستشارو ترمب أن حالة الطوارئ الوطنية من شأنها أيضاً أن تفتح المجال لاستخدام قواعد عسكرية، لاحتجاز المهاجرين وطائرات عسكرية للمساعدة في تنفيذ عمليات الترحيل.
وإذا نجح ترمب في تحقيق حتى جزء بسيط من رؤيته، إذ تعهد بتنفيذ أكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة، فإنه قد يتسبب في صدمات كبيرة للاقتصاد، ويقلب حياة ملايين المهاجرين، وعائلاتهم الذين اعتبروا الولايات المتحدة وطناً لهم طيلة سنوات.
والأولوية الحاسمة في المدى القريب هي العثور على الأموال اللازمة لتمويل ذلك. وقدّر “مجلس الهجرة الأميركي”، وهو مجموعة ليبرالية متخصصة في قضايا الهجرة، أن عملية ترحيل العدد الكامل للأشخاص الذين يعيشون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني ربما تكلف 968 مليار دولار على مدار أكثر من عقد، أي ما يقارب 88 مليار دولار سنوياً.
وتتطلب أي عملية ترحيل موارد ضخمة لتوظيف المزيد من الوكلاء الفيدراليين لتحديد مكان المهاجرين واحتجازهم، والتعاقد على أماكن لاحتجازهم، وتوفير طائرات لنقلهم إلى دولهم.
ترمب: ليس لدينا خيار
مع ذلك، قلل ترمب من أهمية التكلفة المتوقعة لخطة الترحيل. وقال في مقابلة مع شبكة NBC News الأسبوع الماضي، إن “الأمر ليس مسألة تكلفة.. ليس لدينا خيار آخر”، مضيفاً: “عندما يقتل الناس ويذبحون، وعندما يدمر أباطرة المخدرات دولاً، الآن سيعودون إلى تلك البلدان لأنهم لن يبقوا هنا”.
وكتب مسؤولون من إدارة ترمب الأولى مسودات لقرارات تنفيذية لاستئناف بناء الجدار الحدودي ومراجعة القيود الحالية، التي فرضها الرئيس بايدن على طلبات اللجوء عند الحدود الجنوبية لإلغاء الاستثناءات الإنسانية. كما يخططون للدخول في مفاوضات مكثفة مع المكسيك لإحياء سياسة “البقاء في المكسيك”، وفق شخص يعمل في فريق ترمب الانتقالي، وهم أيضاً بصدد تحديد دول ثالثة آمنة، يمكن إرسال طالبي اللجوء إليها.
كما أنهم يعتزمون سحب الحماية من الترحيل عن ملايين المهاجرين الذين منحوا شكلاً من الحماية الإنسانية يعرف بالوضع المحمي المؤقت، الذي يشمل مئات الآلاف من الهايتيين والفنزويليين، أو الذين دخلوا البلاد بموجب وضع شبه قانوني يسمى “الإفراج الإنساني”.
وأوضحت “وول ستريت جونال”، أن هذا العدد يشمل ملايين الأشخاص الذين دخلوا عبر ترتيبات حكومية عند الحدود الجنوبية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الأفغان الذين تم إجلاؤهم بعد سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان، ومئات الآلاف من الأوكرانيين الذين سمح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة بعد الغزو الروسي.
من جانبه، قال النائب الجمهوري من ولاية تكساس تشيب روي، وهو من المتشددين المناهضين للهجرة غير القانونية، إنه يعتقد أنه يجب على إدارة ترمب تجاهل تلك الحمايات من الترحيل لأنها، في رأيه، صدرت بشكل غير قانوني.
“فرصة” للمغادرة
وبدلاً من ترحيل جميع المهاجرين بالقوة، يأمل مستشارو ترمب في أن يتمكنوا من إقناع بعضهم بالمغادرة طواعية، وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة.
وناقش مستشارون منح المهاجرين الذين يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، أو الذين دخلوا بموجب إفراج إنساني عبر برامج إدارة بايدن، فرصة للمغادرة دون عقوبات، حتى يتمكنوا من العودة بتأشيرة إذا كانوا مؤهلين. وفي الظروف العادية، عندما يجري ترحيل شخص ما، يُمنع من العودة بتأشيرة لمدة 10 سنوات.
ويخطط المشرعون الجمهوريون، الذين يعززون مكاسبهم الانتخابية، لاستخدام عملية تسمى “المصالحة” لتقديم تشريعات تمول مقترحات ترمب المتعلقة بالهجرة إلى جانب أولوياته في مجالات الطاقة والضرائب.
وبموجب القواعد المعقدة للمصالحة، يمكن الموافقة على التشريعات بأغلبية بسيطة، بدلاً من 60 صوتاً يتطلبها عادةً تمرير معظم مشاريع القوانين في مجلس الشيوخ، طالما أن التغييرات التي أُجريت تتعلق بالميزانية بشكل أساسي بدلاً من تغييرات في السياسات.
واستعاد الجمهوريون بالفعل السيطرة على مجلس الشيوخ، وهم مستعدون للحفاظ على السيطرة على مجلس النواب. ومع الأغلبية في كلا المجلسين، يمكنهم تمرير مشروع المصالحة دون دعم من الديمقراطيين.
وقال زعيم الأغلبية في مجلس النواب، النائب الجمهوري من لويزيانا، ستيف سكاليس، في رسالة وزعها على المشرعين الجمهوريين هذا الأسبوع، إن تشريع المصالحة “سيخصص موارد كبيرة للحدود الجنوبية لبناء جدار ترمب الحدودي، والحصول على تقنيات جديدة للكشف، وتعزيز دوريات الحدود، ووقف تدفق الهجرة غير القانونية”.
تحديات مالية
ولتجنب زيادة العجز الفيدرالي، اقترح بعض أعضاء الكونجرس إضافة رسوم جديدة على خطوات مختلفة في عملية الهجرة، مثل تقديم طلبات اللجوء، أو حتى الظهور في المحكمة الخاصة بالهجرة، للمساعدة في تمويل عمليات الترحيل.
ويجري تمويل نظام الهجرة الأميركي إلى حد كبير من الرسوم المرتبطة بتقديم طلبات الجنسية والتأشيرات، رغم أن البرامج الإنسانية، وإجراءات المحاكم مجانية.
واعتبر ترمب أن “المهاجرين الجدد عكروا صفو المجتمع الأميركي، بارتكاب مستويات أعلى من الجرائم، وأخذ الوظائف من الأميركيين وزادوا تكلفة الإسكان”، رغم أن البيانات المتاحة تظهر أن المهاجرين يرتكبون الجرائم بمعدلات أقل من المواطنين الأميركيين.
وقال محللون، إن المهاجرين غالباً ما يشغلون وظائف منخفضة الأجر، والتي لا يميل الأميركيون إلى شغلها.
وواجه ترمب صعوبة خلال ولايته الأولى في ترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين، خاصة أولئك الذين يعيشون في “الولايات الزرقاء” (التي يرأسها أعضاء من الحزب الديمقراطي)، والتي قطعت التعاون مع الحكومة الفيدرالية.
وبالإضافة إلى ضخ قدر كبير من الأموال، فإن عمليات الترحيل الجماعي تتطلب تنسيقاً غير مسبوق بين مسؤولين فيدراليين ومسؤولي الولايات ومسؤولين محليين.
ومع اقتراب يوم التنصيب، بدأ فريق ترمب للهجرة في التبلور. ومن المتوقع أن يتم تعيين توم هومان، الذي شغل منصب المدير بالإنابة لوكالة الهجرة والجمارك الأميركية خلال ولاية ترمب الأولى، في دور رفيع في البيت الأبيض للإشراف على الحدود الجنوبية والهجرة، وفق أشخاص مطلعين.
كما يُنظر إلى ستيفن ميلر، مهندس أجندة ترمب للهجرة في ولايته الأولى، على نطاق واسع من قبل حلفاء ترمب على أنه سيعود إلى البيت الأبيض في وظيفة عالية المستوى. بينما يُعد تشاد وولف، وزير الأمن الداخلي بالوكالة السابق لترمب، وتشاد ميزيل، المستشار العام السابق بالوكالة، من بين المرشحين لتولي قيادة وزارة الأمن الداخلي، وفقاً للمصادر.