مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية، يدخل الرئيس الأميركي جو بايدن رسمياً مرحلة “البطة العرجاء” lame duck، وهي الفترة الانتقالية التي تستمر من تاريخ إعلان النتائج إلى يوم تسليم السلطة، وهي فترة يكون فيها الرئيس بدون صلاحيات قوية، لكنها قد تشكل فرصة لإنقاذ إرثه، و”إنهاء الأعمال غير المكتملة”، خاصة تلك التي تنطوي على تحركات قد لا تحظى بـ”شعبية سياسية”.
ويأتي فوز ترمب الانتخابي في الوقت الذي تلوح فيه سلسلة من قضايا السياسة الخارجية الرئيسية في الأفق، إذ تواجه إدارة بايدن دبلوماسية صعبة وتهديدات بالتصعيد في الشرق الأوسط وأوكرانيا والصين.
ولم يشر بايدن صراحةً إلى أي تحركات رئيسية يخطط للقيام بها خلال الأسابيع العشرة المقبلة، حتى موعد تنصيب الرئيس الجديد، ولكن هناك عدداً من القضايا غير المستقرة التي قد يشعر أنه يتمتع بحرية أكبر في التصرف بشأنها، خاصة في ما يتعلق بإصلاح العدالة الجنائية، والتوسط في السلام العالمي، وحماية المهاجرين، واتخاذ إجراءات مناخية.
وخلال الأسابيع العشرة المتبقية للرئيس بايدن في منصبه، سيتعين على زعماء العالم أن يقرروا ما إذا كانوا سيوافقون على خططه السياسية، أو يرفضون التعامل معه، باعتباره “بطة عرجاء”، وينتظرون ما يتوقعون أن يكون معاملة أفضل من ترمب.
صلاحيات وحرية أكبر في اتخاذ القرارات
على نطاق أوسع، ينطبق وصف “البطة العرجاء” على أي سياسي منتهية ولايته، مثل الرؤساء الذين يقضون أشهرهم الأخيرة في مناصبهم والمشرعين الحاليين الذين لم يفوزوا بإعادة انتخابهم أو يتقاعدون.
وغالباً ما يُنظر إلى السياسي المنتهية ولايته على أنه يتمتع بنفوذ أقل مع السياسيين الآخرين بسبب الوقت المحدود المتبقي له في منصبه. وعلى العكس من ذلك، فإن “البطة العرجاء” حرة في اتخاذ القرارات مع القليل من الخوف من العواقب، مثل إصدار الأوامر التنفيذية أو العفو أو المراسيم المثيرة للجدل الأخرى.
وعلى الرغم من أن التعبير شائع الآن في السياسة الأميركية، إلا أن أصوله تأتي من أبعد من ذلك. في بريطانيا في القرن الثامن عشر، كان سماسرة البورصة الذين لم يتمكنوا من سداد ديونهم يُوصَمون بالبط العرجاء.
وفي الولايات المتحدة، هناك أمثلة عديدة لقرارات اتخذها الرؤساء الأميركيين خلال فترة “البطة العرجاء”.
قبل سبعة عشر يوماً من مغادرته البيت الأبيض، في عام 1960، قطع الرئيس أيزنهاور العلاقات مع كوبا، مما أدى إلى انضمامها للمحور الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي. ووقع الرئيس جيمي كارتر قانون حماية البيئة خلال مرحلة البطة العرجاء في عام 1980. ووافق الرئيس جورج دبليو بوش على مساعدات مالية طارئة لإنقاذ شركة جنرال موتورز وشركة كرايسلر بواقع 17.5 مليار دولار في عام 2008.
إجراءات تنفيذية قد يتخذها بايدن
كان الرئيس جو بايدن رئيساً “ضعيفاً” منذ انسحابه من السباق الرئاسي لعام 2024. ولكن الآن بعد انتهاء الانتخابات، وانتخاب دونالد ترمب، لم يعد بايدن مضطراً للقلق بشأن ما إذا كانت قراراته ستضر بفرص المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الفوز.
وبشأن الاجراءات التنفيذية التي قد يتخذها بايدن خلال الأيام الأخيرة في البيت الأبيض “خفض المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا لم تتحسن الظروف الإنسانية في غزة”. يقول كلايتون ألين، مدير مجموعة أوراسيا في الولايات المتحدة، إن مثل هذه الخطوة “مطروحة على الطاولة” ولكنها “ستواجه ردود فعل سياسية عنيفة في الولايات المتحدة”، حسبما نقلته شبكة gzeromedia.
ويمكن لبايدن أيضاً اتخاذ إجراءات أخرى مثل رفض استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي تسعى إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها في غزة. وكانت إدارة بايدن رفضت استخدام حق النقض ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في مارس الماضي، مما أثار غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقد تكون الخطوة الأخرى الموافقة على استخدام أوكرانيا للأسلحة بعيدة المدى على أهداف في الأراضي الروسية، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة قيوداً حتى الآن. يقول ألين إن هذا “تحول محتمل أكثر ترجيحاً” من اتخاذ بايدن أي خطوات كبيرة لتحدي إسرائيل، مشيراً إلى أن الإدارة كانت تفكر بالفعل في خطوة كهذه حتى قبل فوز ترمب.
ويضيف ألين، في إشارة إلى مشروع قانون تمويل الدفاع السنوي، أنه قد تكون هناك أيضاً خطوات متخذة لـ”محاولة توثيق نوع من الالتزام الأمني تجاه أوكرانيا من خلال عملية قانون تفويض الدفاع الوطني”، لكن هذا سيعتمد على حشد الدعم في الكونجرس.
ويخطط مسؤولو إدارة بايدن، لشحن أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية إلى كييف، خلال فترة “البطة العرجاء”. ولا يثق مسؤولو بايدن في أن فريق ترمب مهتم بمواصلة الدعم المالي الكبير لحكومة زيلينسكي، وقد أخبروا بالفعل القادة الأوروبيين أنهم من المرجح أن يتحملوا معظم العبء.
ولا يزال بايدن يرفض السماح لأوكرانيا باستخدام أنظمة الصواريخ بعيدة المدى التي قدمتها الولايات المتحدة لضرب عمق الأراضي الروسية، وهو الأمر الذي طالب به الأوكرانيون منذ أشهر لكن البيت الأبيض تجنبه وسط مخاوف من أن الرئيس الروسي فيلادمير بوتين سيصعد الحرب أو يعقد أولويات السياسة الخارجية الأميركية الأخرى.
تقنين الماريجوانا والتطبيع مع كوبا
ويمكن للرئيس بايدن خلال مرحلة “البطة العرجاء” أن يقر قانوناً بشأن تقنين الماريجوانا. في مايو الماضي، بدأ بايدن مراجعة وضع الماريجوانا كمخدر من الجدول الأول، والذي يضم أنواع أخرى من المخدرات مثل الهيروين، وهو ما يمثل تحولاً بعيدا عن معارضته الطويلة الأمد.
وتركز استراتيجية بايدن في إعادة جدولة الماريجوانا من الجدول الأول، إلى الجدول الثالث الأقل صرامة، والذي سيعترف لأول مرة بالفوائد الطبية للماريجوانا على المستوى الفيدرالي، وفق مجلة thenation الأميركية.
كما قد يتوجه بايدن إلى تطبيع العلاقات مع كوبا، وهذا يعني استعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، وإزالة الجزيرة من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واحترام الاتفاقيات الثنائية الـ 22 التي تم توقيعها خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قبل أن يُلغيها ترمب.
وهذا يعني أيضاً رفع العقوبات التي غذت الأزمة الاقتصادية المستمرة في كوبا، وتقديم مساعدات قوية للأشخاص الذين يعانون من نقص حاد في الوقود وتقنين الغذاء.
وذكرت مجلة Thenation أن ترمب سيسعى بكل تأكيد إلى عكس أي إجراءات تنفيذية بشأن كوبا، إلا أن بايدن قد يجعل ذلك معقداً سياسياً من خلال فتح الاستثمار في القطاع الخاص هناك.
وداخلياً، قد يتخذ بايدن خطوات ملموسة لصد التهديدات التي تشكلها فترة ولاية ترمب الثانية، ولهذا السبب فإن ملء جميع المناصب القضائية الشاغرة البالغ عددها 46 بقضاة سيحافظون على سيادة القانون أمر غير قابل للتفاوض، وفق المجلة الأميركية.
حماية المهاجرين
وبينما يبذل بايدن جهوده الأخيرة للحد من الأزمات الإنسانية في غزة، فقد يحاول أيضا تجنب أزمة مستقبلية على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. فقد هدد ترمب بمضاعفة سياسات الهجرة القاسية التي انتهجها في ولايته الأولى من خلال “ترسانة هائلة من السلطات الفيدرالية”، وفق thenation.
وقد يشمل ذلك الترحيل الجماعي لـ11 مليون مهاجر غير قانوني، فضلاً عن استئناف سياسة فصل العائلات على الحدود. ويمكن للرئيس بايدن أن يحاول إحباط ذلك من خلال تسريع طلبات الحصول على الجنسية، وإلغاء أمر تنفيذي يقيد اللجوء، وتوسيع تصاريح العمل للمهاجرين غير الموثقين. وقد تغير هذه الإصلاحات بشكل عميق التوقعات لكثير من الناس الذين قد يكونون مهددين في يناير وما بعده.
في غضون ذلك، ومع اضطرار ما لا يقل عن ثلاثة ملايين أميركي بسبب الطقس المتطرف إلى التحول إلى لاجئين مناخيين، فإن بايدن لديه أكثر من سبب كاف لإعلان حالة الطوارئ المناخية.
وهو يزعم أنه فعل ذلك “عملياً”، ولكن القيام بذلك في الواقع سيمكنه من التحايل على الكونجرس لتخصيص تمويل إضافي للمناخ. ثم، يمكنه تنفيذ مجموعة من الأوامر التنفيذية المتأخرة، من إصلاحات أكثر تخصصا ولكنها ذات عواقب مثل إزالة الكربون من الصناعة البحرية، إلى التغييرات الشاملة (والموعودة) مثل حظر الحفر البحري.
مثل هذا الإجراء من شأنه أن يعزز إرث بايدن باعتباره الرئيس الأكثر احتراماً للبيئة في التاريخ الحديث.