انتهت مغامرة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات الرئاسة الأميركية، بهزيمة أمام الجمهوري دونالد ترمب، ليسدل الستار على محاولة نسائية جديدة في حلم حكم البيت الأبيض، بعدما سبقتها هيلاري كلينتون في خوض المسار ذاته، والخسارة أمام نفس المرشح في 2016.
وقبل عدة أشهر لم تكن طموحات كامالا هاريس ربما تتعدى استمرارها في منصب نائبة الرئيس الأميركي لـ4 سنوات لاحقة، لكن انسحاب جو بايدن من السباق الانتخابي، مدفوعاً بضغط حزبي سبَّبه تفاقم علامات تقدمه في السن، جعلها تتصدر المشهد، وتترشح عن الحزب الديمقراطي، وأطلقت حملتها في يوليو الماضي، آملة في تحقيق حلم “أول رئيسة سوداء”.
رغم الهزيمة تظل كامالا هاريس، تملك رحلة سياسية امتلأت بالمخاطر بالتحديات، بدأتها مدعية عامة لمقاطعة فمدينة ثم ولاية، مروراً بعضوية مجلس الشيوخ، والإخفاق في الترشح لانتخابات 2020 الرئاسية، قبل أن يختارها بايدن نائبة له.
إليكم نظرة على النشأة والمسيرة المهنية والأحداث التي شكّلت حياة كامالا هاريس:
“زهرة اللوتس”.. ابنة مهاجرين
في مطلع الستينيات، كانت الولايات المتحدة وجهة الطبيبة شيامالا جوبالان، قادمة من الهند للحصول على الدكتوراه في تخصص الغدد الصماء من جامعة كاليفورنيا بيركلي، ودونالد هاريس القادم من جامايكا لدراسة الاقتصاد في الجامعة ذاتها، والذي سيصبح عالماً في مجاله، حيث التقى الشابان ووقعا في الحب، وعقدا قرانهما.
رُزق الزوجان بابنتهما الأولى في 20 أكتوبر 1964، وأطلقا عليها اسم كامالا، وهو مشتق من اللغة الهندية، ويعني “زهرة اللوتس” ثم ولدت مايا في 30 يناير 1967، والتي ستكون في العقود اللاحقة مستشارةً لشقيقتها الكبرى، بعد أن نمت وأزهرت في المشهد السياسي الأميركي.
وهكذا، ولدت الابنتان في كنف أبوين مهاجرين، ناشطين في حركة الحقوق المدنية ضد التمييز العنصري، وحالمين بحياة ومستقبل أفضل، لكن لم يدم ذلك الزواج طويلاً، فعندما كانت هاريس في الخامسة من عمرها، انفصل والداها عن بعضهما، وفي المراحل اللاحقة كان حضور الأب في حياتها نادراً، لتنشأ وشقيقتها على يد والدتهما.
تتحدث هاريس كثيراً عن الدروس التي منحتها لها والدتها، وقالت عنها خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي الأخير: “كانت قوية وشجاعة ورائدة في النضال من أجل المرأة. لقد علمتنا ألا نشكو أبداً من الظلم، بل أن نفعل شيئاً حيال ذلك”، واستذكرت أيضاً اصطحاب والدتها شيامالا لها إلى الاحتجاجات، وكيف ألهمتها هذه التجارب المبكرة لجعل محاربة الظلم عمل حياتها.
أثناء طفولتها في أوكلاند، لم تكن هاريس بعيدة عن الثقافة الهندية الإفريقية. كانت والدتها تأخذها لقضاء بعض الوقت مع أجدادها في الهند خلال الصيف، وحرصت في الوقت نفسه على صلات ابنتيها بجذورهن الأميركية الإفريقية.
أشارت هاريس في سيرتها الذاتية (The Truths We Hold: An American Journey): “لقد أدركت والدتي جيداً أنها تربي ابنتين ذوات بشرة سمراء.. كانت تعلم أن وطنها الجديد سيرانا أنا ومايا كفتاتين سمراوين، وكانت عازمة على التأكد من أننا سنكبر لنصبح نساءً واثقات وفخورات”.
وهكذا، كان لنشأة هاريس وسط عائلة من أصول مهاجرة، ذات وعي وتعليم عال، ومتمسكة بجذورها، وتؤمن بالحقوق المدنية وتناضل في سبيلها، الأثر الكبير في تكوين شخصية امرأة سيسطع نجمها في الحياة السياسية الأميركية.
سهام النقد
أبدت هاريس اهتماماً مبكراً بقضايا الشأن العام، ونالت درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة هوارد في العاصمة واشنطن، وهي إحدى الجامعات التاريخية للأميركيين من أصل إفريقي، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في القانون من كلية هايستينجز بجامعة كاليفورنيا، وكثيراً ما تحدثت خلال ترشحها للرئاسة عن مدى تأثير الجامعتين في تشكيل هويتها وآرائها حول الصراع العرقي، والعدالة في الولايات المتحدة.
مدفوعة بطموحاتها ورغبتها في إثبات جدارتها كامرأة ومواطنة أميركية من خلفية مهاجرة، حصلت هاريس على أول وظيفة لها في النيابة العامة عام 1990، لتعمل مدة 8 سنوات في مكتب المدعي العام لمقاطعة ألاميدا، وترأست قسم الجرائم المهنية، وخدمات الأسرة والأطفال، ثم أصبحت المدعية العامة لمدينة سان فرانسيسكو عام 2003.
إلا أن تلك التجربة لم تخل من المصاعب، فبعد أقل من 4 أشهر من توليها منصبها لقي ضابط شرطة يدعى إسحاق إسبينوزا مصرعه على يد مسلح من البشرة السمراء، يبلغ 21 عاماً، يدعى ديفيد هيل في بيبي هانتر بوينت، وهو حي معظم سكانه من الأميركيين من أصل إفريقي ينتمون إلى الطبقة العاملة.
أثارت الجريمة الغضب، ودعت الشرطة وأفراد المجتمع والزعماء المحليون إلى عقوبة الإعدام، إلا أن هاريس رفضت ذلك، وأعلنت أنها ستسعى إلى حكم بالسجن مدى الحياة من دون إمكانية الإفراج، جعل ذلك الموقف سهام الانتقادات تنطلق نحوها، من ضباط الشرطة وعائلة الضحية ومشرعين في الولاية.
“العودة إلى المسار الصحيح”
كانت إحدى مبادرات هاريس المميزة في سان فرانسيسكو برنامجاً يسمى “العودة إلى المسار الصحيح”، أطلقته بهدف مكافحة عودة المجرمين غير العنيفين إلى ارتكاب الجريمة.
وللانضمام للبرنامج، كان على المتهمين الاعتراف بالذنب. وللتخرج، كان عليهم الحصول على شهادة الثانوية العامة، والحصول على وظيفة، وأداء الخدمة المجتمعية، وسداد أي نفقة أطفال مستحقة، والبقاء خالين من المخدرات. وإذا نجحوا، فسيتم مسح الإقرار من سجلاتهم. وإذا فشلوا، فسوف يظل الأمر عالقاً.
وباعتبارها المدعية العامة، راهنت هاريس على برنامجها الذي طُبِّق في أماكن أخرى من الولاية، لكنها واجهت انتقادات بسبب قبول المهاجرين غير المسجَّلين، الذين ليس لديهم حق قانوني في العمل، إذ انكشفت المشكلة بعد أن ارتكب أحد المشاركين غير الموثَّقين في البرنامج جريمة عنيفة، واعترفت هاريس آنذاك أن قبول المتهمين غير الموثَّقين كان خطئاً، ليتم إصلاحه على الفور.
كما شاركت هاريس في المفاوضات بين المدعين العمومين في الولايات المختلفة، ومؤسسات الرهن العقاري الكبرى بشأن ممارسات الحجز “غير اللائقة” في نظرها، أثناء انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة خلال العقد الأول من الألفية الحالية، والذي أدى إلى تشريد الكثير من الأسر في جميع أنحاء البلاد، وبعد فترة وجيزة انسحبت متهمة البنوك بتقديم تعويضات قليلة للغاية لسكان كاليفورنيا.
لكن في نهاية المطاف، نجحت هاريس وأثمرت ضغوطها، إذ وافقت البنوك على زيادة عرضها بشكل كبير، من أقل من 4 مليارات دولار إلى حوالي 20 مليار دولار.
في وقت لاحق، وبصفتها مدعية عامة لولاية كاليفورنيا، تعرضت هاريس لانتقادات شديدة من اليسار عندما دافعت عن تطبيق عقوبة الإعدام، ووُصف قرارها بأنه “منافق” بالنظر إلى موقفها في “قضية إسبينوزا”، لكنها ردت بأنه كان من واجبها كمدعٍ عام.
“المدعي العام التقدمي”
بعد 7 سنوات، سترتقي هاريس إلى منصب المدعية العامة لكاليفورنيا، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة، كأول امرأة ملونة تصل إلى هذا المركز المرموق.
في سيرتها الذاتية “The Truths We Hold” (الحقائق التي نتمسك بها) التي صدرت عام 2019، اعترفت هاريس بـ”التاريخ العميق والمظلم” للولايات المتحدة، نظراً إلى “تاريخ السلطة القضائية التي تم استخدامها كأداة للظلم”، وتقول إن المنتقدين تساءلوا: “كيف يمكنني، كامرأة سمراء، أن أقبل أن أكون جزءاً من الآلة القضائية التي تضع المزيد من الشباب الملونين خلف القضبان”.
حاولت هاريس التوفيق بين هذه المواقف وفكرة “المدعي العام التقدمي”، الذي يُحمّل المجرمين الخطيرين المسؤولية، لكنه يفهم أن منع الجريمة، وليس مجرد معاقبة مرتكبيها هو ما يساعد في خلق مجتمعات آمنة.
وأضافت في كتابها أن “وظيفة المدعي العام التقدمي هي البحث عن المهمشين، والتحدث نيابة عن أولئك الذين لا يتم سماع أصواتهم، ورؤية ومعالجة أسباب الجريمة، وليس فقط عواقبها، وتسليط الضوء على عدم المساواة والظلم اللذين يؤديان إلى ممارسة الظلم”.
لكن حتى مع ذلك، تعتقد هاريس أن الجرائم الخطيرة تستحق عواقب وخيمة. وتُشير في كتابها إلى أنه “لا يمكننا أن نتجاهل ألم تلك الأم، أو موت ذلك الطفل، أو ذلك القاتل الذي لا يزال يسير في الشوارع”.
وفي عام 2013، بدأت هاريس تحقيقاً في كلية كورينثيان بولاية كاليفورنيا والشركات التابعة لها، زاعمة أن الكلية الهادفة للربح تورطت في إعلانات كاذبة وخادعة، واحتيال في الأوراق المالية، وتحريف برامجها ومعدلات نجاح الطلاب. وبعد 3 أعوام، أعلنت أن مكتبها حصل على حكم بقيمة 1.1 مليار دولار ضد الكلية، وفي عام 2022، سدّدت وزارة التعليم الأميركية ديون 560 ألف طالب اقترض للدراسة في كورينثيان، بإجمالي حوالي 5.8 مليار دولار.
مع ذلك، لم يخل سجلها كمدعية عامة من محطات واجهت فيها انتقادات شديدة، منها مثلاً عندما انتهجت سياسة جديدة للحد من التغيب المدرسي بين أطفال المدارس على مستوى الولاية، ما جعل بعض الآباء في كاليفورنيا يواجهون عقوبة السجن، وفي كتابها، تأسف هاريس لأن المنتقدين لم يقدّروا نواياها الطيبة: “لقد افترضوا أن دافعي كان حبس الآباء، بينما لم يكن هذا هو الهدف بالطبع”.
إلا أن السياسات لا يتم الحكم عليها فقط من خلال النوايا، بل أيضاً من خلال النتائج، كما يقول منتقدوها الذين اعتبروا كذلك أنها لم تبذل جهداً كافياً للتحقيق في حوادث إطلاق الشرطة للنار، والقضايا التي أُدين فيها متهمون بالخطأ.
وفي إطار الهجوم الذي طال مسيرتها كمدعية عامة، اتهمتها حملة ترمب أنها كانت “ليّنة مع القتلة ومجرمي الأسلحة وتجار المخدرات، وساعدت في تدمير كاليفورنيا”، لكن وفق ما نقلت صحيفة “Los Angeles Times” عن أشخاص عرفوا هاريس كمدعية عامة، وبعضهم عمل معها أو أسهم في توليها ذلك المنصب أو ترشح ضدها، فإن مثل هذه الادعاءات “لا أساس لها من الصحة”.
أحد هؤلاء هو المدعي العام لمدينة سان فرانسيسكو ديفيد تشيو، حيث قال: “عندما بدأت العمل كنائب المدعي العام خلال فترة هاريس، حثني زملائي على مشاهدتها في المحكمة، قيل لي إنه إذا كنت أريد أن أتعلم الحرفة، فيجب أن أذهب لمشاهدة المرافعات الختامية لمدعية عامة عظيمة، ومن الواضح أنها كانت كذلك.. رأيت تألقها، وقوتها، وقدرتها على القتال، ولكن مع الدفء الحقيقي والرحمة”.
“الصرامة والرحمة، هو المزيج نفسه الذي جعل هاريس الشخص المثالي” للإشراف على قضايا إساءة معاملة الأطفال، بحسب شهادة المدعية العامة السابقة لمدينة سان فرانسيسكو لويز رين، والتي أضافت: “كنت أبحث عن شخص يُمكنه أن يكون صارماً في التعامل مع القانون، لأنه يجب أن تكون صارماً، ومع ذلك يجب أن تملك قدراً عالياً من التعاطف”.
بصفتها المدعية العامة لكاليفورنيا ستوصف هاريس لاحقاً، بأنها كانت “لينة وصارمة” في التعامل مع الجريمة، وفي نظر البعض سيدة تقدمية ومعتدلة، أما هي، فكثيراً ما دافعت عن سجلها كمدعية عامة في ولاية كاليفورنيا، مؤكدة أنها عملت طوال مسيرتها “لإصلاح نظام العدالة الجنائية، إدراكاً منها أنه مَعيب بشدة، وبحاجة إلى إصلاح”.
هاريس في مجلس الشيوخ
في العام 2016، حققت المدعية العامة لولاية كاليفورنيا، إنجازا تاريخياً عندما أصبحت ثاني أميركية من أصول إفريقية وجنوب آسيوية يتم انتخابها لمجلس الشيوخ، وهو المنصب الذي ستكتسب منه ضجة بأسلوبها الحازم خلال جلسات الاستماع.
أثناء وجودها في مجلس الشيوخ، خدمت هاريس في لجنتين قويتين: الاستخبارات والقضاء، وبينما تعاملت مع قضايا مهمة، على غرار التحقيق في النفوذ الروسي والتدخل في انتخابات عام 2016، والتعيينات القضائية في المحكمة العليا، أصبحت معروفة كمستجوبة “حادة وعدوانية” يمكنها إزعاج الشهود المعارضين.
وحول كونها سيناتورة مختلفة في مجلس سيطر عليه البيض في التاريخ الأميركي، تحدثت هاريس عن كيفية عدم اضطرار السياسيين إلى الالتزام بقوانين معينة بسبب لون بشرتهم أو خلفيتهم، قائلة: “كانت وجهة نظري: أنا من أنا. أنا بخير مع ذلك”.
كما استفادت هاريس من خبرتها السابقة كمدعية عامة، فأظهرت براعة في توجيه الأسئلة خلال جلسات الاستجواب.
“فضيحة كامبريدج أناليتيكا”
في العام 2018، استجوبت هاريس، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، المدير التنفيذي ومؤسس “فيسبوك” مارك زوكربرج، بشأن قضية تسريب بيانات 87 مليون مستخدم للمنصة من دون موافقتهم، وهي القضية التي عُرفت باسم “فضيحة كامبريدج أناليتيكا”، في إشارة إلى شركة الاستشارات البريطانية التي استخدمت تلك البيانات في تقديم خدمات تحليلية لحملات سياسية، منها حملة دونالد ترمب الرئاسية عام 2016.
وخلال توجيه الأسئلة إلى زوكربرج، الذي كان يبلغ آنذاك 34 عاماً، بدت هاريس حازمة ومباشرة، وركزت على سياسات الخصوصية، وكيفية حماية خصوصية مستخدمي “فيسبوك”، مبدية قلقها بشأن مدى تقدير المنصة للثقة والشفافية.
وأثناء جلسة التصديق على تعيين القاضية المحافظة إيمي كوني في المحكمة العليا عام 2020، كانت هاريس حاسمة وصارمة في استجوابها، مستخدمة نهجاً نقدياً لتسليط الضوء على السياسيات المستقبلية للمحكمة العليا، تجاه قضايا مثل حقوق الإجهاض والرعاية الصحية.
وبعد أن قضى جورج فلويد، الأميركي من أصل إفريقي، خنقاً تحت ركبة شرطة منيابوليس في مايو من نفس العام، ما فجّر احتجاجات واسعة حينها، برزت هاريس باعتبارها المرأة الوحيدة ذات البشرة السمراء في مجلس الشيوخ ممثلة عن ولاية كاليفورنيا، كصوت مسموع في قضايا العدالة العرقية وإصلاح الشرطة، وسارت مع المحتجين في شوارع واشنطن.
أول نائبة لرئيس أميركي
في العام 2020، تطلعت هاريس لأن تصبح أول امرأة تشغل مقعد الرئاسة في الولايات المتحدة، عندما نافست بايدن وغيره على ترشيح الحزب الديمقراطي، وأطلقت حملتها الانتخابية آنذاك، مدفوعة ببرنامج يُركز على ميولها اليسارية بشأن الهجرة ومغايري الهوية الجنسية وقضايا أخرى، إذ واجهت هجمات متكررة بسبب ماضيها في الادعاء العام.
لكن محاولتها، التي بدأت بحشود كبيرة وجدالات سياسية، سرعان ما باءت بالفشل، ومع ذلك لم تبتعد هاريس كثيراً عن المشهد السياسي الأميركي، فقد أعادها بايدن إلى دائرة الضوء بترشيحها لمنصب نائب الرئيس، متجاهلاً الكلمات القاسية التي وصفته بها خلال سعيها للفوز بترشيح الحزب، ولم يخب ظن بايدن برفيقة رئاسته، إذ استطاعت هاريس استمالة النساء والتقدميين والناخبين الملونين الذين كان لهم أهمية بالغة في الفوز بالانتخابات.
وفي 7 نوفمبر 2020، شاهد ملايين الأميركيين والناس حول العالم ردة فعل هاريس بعد إعلان فوز بايدن على خصمه ترمب في السباق إلى البيت الأبيض، إذ سارعت في مشاركته الفرحة بضحكة صاخبة خلال اتصال نشرته بالفيديو عبر حساباتها في مواقع التواصل: “لقد فعلناها، لقد فعلناها يا جو.. ستكون الرئيس القادم للولايات المتحدة!”، لتدخل التاريخ الأميركي كأول امرأة تتولى منصب نائبة الرئيس.
وفي مساء اليوم ذاته، وقفت هاريس على منصة خارجية في ويلمنجتون بولاية ديلاوير مسقط رأس بايدن، مرتدية بدلة بيضاء، وتوجهت إلى حشد من الأميركيين، قائلة: “قد أكون أول امرأة في هذا المنصب، إلا أنني لن أكون الأخيرة، لأن كل فتاة صغيرة تُشاهدنا الليلة ترى أن هذه أمة مليئة بالإمكانيات”.
واستعادت هاريس ذكرى والدتها، التي توفيت عام 2009 بعد معاناة من سرطان القولون: “عندما جاءت والدتي من الهند في سن الـ19 ربما لم تتخيل هذه اللحظة تماماً، لكنها كانت تؤمن بشدة بأميركا حيث تكون لحظة مثل هذه ممكنة. لذلك، أفكر فيها وفي أجيال النساء السود والآسيويات والبيض واللاتينيات والأميركيات الأصليات اللاتي مهّدن الطريق، وقاتلن، وضحّين كثيراً من أجل المساواة والحرية والعدالة للجميع، وغالباً ما أثبتن أنهن العمود الفقري لديمقراطيتنا”.
أدّت هاريس اليمين كنائبة للرئيس، في 20 يناير 2021، وأصبحت أول أميركية سمراء ومن أصل جنوب آسيوي يتم انتخابها لهذا المنصب، وشرعت طيلة ولاية بايدن في رحلات خارجية شملت ما يزيد على 21 دولة، واجتمعت مع أكثر من 150 من زعماء العالم، أبرزهم الرئيس الصيني شي جين بينج.
انسحاب بايدن
وحتى 20 يوليو الماضي، كان لا يزال بايدن (81 عاماً) مرشح الحزب الديمقراطي، إلا أن تراجع صحته، وهفواته خلال إطلالاته وخطاباته أثارت الشكوك حول قدرته على المضي قدماً في السباق إلى البيت الأبيض، وشكّلت قلقاً كبيراً في أوساط حزبه، لا سيما أن ظهور علامات التقدم بالسن عليه، جعله هدفاً لانتقادات وسخرية ترمب وفريقه والتشكيك بأهليته للحكم، وهكذا تحت هذه الضغوط القاهرة، اضطر بايدن وعلى خلاف رغبته السابقة إلى الانسحاب من الانتخابات، وإعلان ترشيح نائبته بديلاً له.
في تلك الأثناء كانت كل الأنظار متوجهة نحو كامالا هاريس، المرأة الطموحة ، التي سرعان ما قبلت التحدي، رغم مخاطر الترشح خلال أشهر قليلة قبل بدء الاقتراع، لتطلق حملة انتخابية مكثفة، حاولت من خلالها أن تظهر كمرشحة مختلفة، لديها برنامجها الخاص الذي يعكس شخصيتها ورؤيتها، لا أن تكون نسخة مكررة من بايدن أو مجرد بديل يدور في عباءته.
نجحت هاريس في حشد الدعم، وتصدرت في مراحل معينة استطلاعات الرأي الأميركية، ولو بفارق ضئيل عن دونالد ترمب، وقدمت نفسها سيّدة جادة ترتدي ملابس ذات طابع رسمي، في الغالب غامقة وذات ألوان واحدة، ما يمنحها هيبة زعيمة من جهة، وهيئة مسؤولة قادرة على منافسة الرجال من جهة أخرى، إذ ربما لم يغب عن بال المرشحة الديمقراطية، أنه حتى ولو كانت القوانين الأميركية توازن بين الجنسين، إلا أن هذه البلاد لم تحكمها من قبل امرأة، وقد يكون لهذا الأمر تأثير على شريحة من الناخبين الأميركيين أكثر ميلاً إلى القيادة الذكورية.
وفي المناظرة الأولى بين هاريس وترمب يوم 10 سبتمبر، عمدت المرشحة الديمقراطية إلى الاقتراب منه ومصافحته باليد، في حركة ما كان سيبادر إليها المرشح الجمهوري، ما فسّره البعض بأن هاريس أرادت أن تظهر أنها تُفضّل الوحدة على الانقسام الذي تتهم ترمب بترسيخه بين الأميركيين، إلى جانب ما يعكسه تصرفها من لباقة اجتماعية، يفتقد إليها منافسها، في اعتقادها.
ثمّة أمر لم تستطع هاريس، في ما يبدو السيطرة، عليه أو ربما لم تجده ذا بال، وهو ضحكاتها العفوية الصاخبة خلال الظهور التلفزيوني، ما أثار استياء بعض الأميركيين لتعارض الضحك أحياناً مع جدية الموضوع الذي تتحدث عنه، أو لما يظهر عليه من مبالغة أحياناً، حتى أن ترمب نفسه سخر من طريقة ضحك هاريس واعتبرها مؤشراً على “خفة وعدم جدية”.
“مومالا.. زوجة الأب الرائعة”
تركت تجربة انفصال والديها أثراً عميقاً في نفس هاريس، ما جعلها تُكرس حياتها للعمل والسياسة، إذ تزوجت عام 2014 عندما كانت في نهاية الأربعينيات من عمرها من المحامي اليهودي دوج إيمهوف، وكان مطلقاً، ولديه طفلان من زواجه السابق، والذي وُلد في نيويورك ونشأ في نيوجيرسي، لوالد مصمم أحذية، ووالدة ربة منزل.
ارتبط إيمهوف وهاريس، التي كانت تشغل منصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا، بعد قصة حب بدأت في الموعد الأول المرتب مسبقاً.
وبعد نحو عام من التعارف، تقدم لخطبة هاريس، وتزوجا خلال 4 أشهر، وعلى النقيض من علاقة والديها التي تدمرت بعد الطلاق، سمحت العلاقة القوية بين زوجها وطليقته بتقرب الأخيرة منها، ومساندتها لها في حملة الترشح عن الحزب الديمقراطي عام 2020 وفي 2024.
نجحت هاريس في كسر الصورة النمطية لعلاقة الأبناء بزوجة الأب، إذ جمعتها مع كول وإيلا إيمهوف علاقة قوية، حتى أنهما اختارا أن ينادياها بلقب “مومالا”، وهو مزيج من نهاية اسم كامالا ووالدتها شيامالا، بدلاً عن “زوجة الأب” التقليدي، وعند تنصيبها وتأديتها اليمين الدستورية كنائبة للرئيس عام 2021، قالت إيلا آنذاك في مقطع فيديو: “بالنسبة لي ولأخي، ستظلين دائماً مومالاً، أعظم زوجة أب في العالم”.
وإلى جانب والدهما، كان كول وإيلا من العناصر الثابتة في المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 2024، حيث صعدا على المسرح للاحتفال بهاريس و”عائلتهما المختلطة الكبيرة والجميلة”، كما يوصفانها دائماً.
حتى أن طليقة إيمهوف كريستين ردت على المشككين بالعلاقة الاستثنائية بين ابنيها وهاريس، وفي حديث لشبكة “CNN”، قالت فيه: “لأكثر من 10 سنوات، منذ أن كان كول وإيلا مراهقين، كانت كامالا والدة مشتركة مع دوج وأنا، إنها محبة بشدة ودائمة الحضور.. أنا أحب عائلتنا المختلطة، وممتنة لوجودها فيها”.
“الأبطال الخارقون في كل مكان”
خلال عقود عمرها الستة، أصدرت هاريس 3 كتب، الأول عام 2009: “اSmart on Crime: A Career Prosecutor’s Plan to Make Us Safer”، يتناول رؤيتها حول كيفية تعزيز الأمن العام من خلال نهج ذكي وفعّال في مكافحة الجريمة، والثاني: “The Truths We Hold: An American Journey”، نشرته بعد 10 سنوات، وهو سيرة ذاتية عن تجاربها الشخصية والمهنية، ويركز على قضايا العدالة الاجتماعية.
أما كتابها الثالث: “Superheroes Are Everywhere” (الأبطال الخارقون)، الذي أصدرته عام 2019، فلم يكن سيرة ذاتية مباشرة، بل مزيجاً من الحكايات العائلية الموجهة للأطفال والممزوجة بدروس صغيرة حول ما يجعل من المرء بطلاً، مستندةً إلى قيمها الشخصية.
لا يركز هذا الكتاب على كامالا نفسها، بل على جميع الأشخاص في حياتها الذين جعلوها تشعر بالتقدير والتمكين في كل مراحل حياتها، على غرار والدتها شيامالا، والناشط في مجال الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج (1929-1968) الحاصل على جائزة نوبل للسلام، والقضاة والمدعين الذين عملت معهم.
تتميز كل صفحة في الكتاب بسمة شخصية بطولية مع مثال موجز من عائلة كامالا. ثم تدعو القصة الأطفال إلى التفكير في أسرهم، والتفكير في الأعضاء الذين قد يجسدون السمات البطولية.
تنتهي القصة بمرآة مؤطرة تعلن أن “الأبطال هم… أنتم!”، مشجعة الأطفال على أن يكونوا لطفاء، وشجعان، ومتعاونين، وعادلين. حتى أن هناك قانوناً للبطل يمكنهم التعهد بالتمسك به، وكل مبدأ مكتوب بعبارات يمكن حتى للأطفال في سن ما قبل المدرسة فهمها.
وتستحضر كامالا هاريس في سيرتها الذاتية تذكير والدتها لها بضرورة اصطحاب الآخرين معها في مسيرتها إلى الأمام: “كانت والدتي تنظر إلي وتقول: قد تكونين أول من يفعل أشياء كثيرة، لكن تأكدي من أنك لست الأخيرة”.
وتقول: “عندما تخترقين سقفاً زجاجياً، سوف تتعرضين للضرب، لكن هذه المُحارِبة السعيدة تبدو مستعدة، حتى لو كان ذلك يعني وضع المشاعر جانباً لخوض المعارك، وتحمّل الحكم الذي ستُصدره الأجيال القادمة”.
وتضيف في ختام كتابها: “لا أريد منا أن نخبرهم بما شعرنا به فحسب.. أريد منا أن نخبرهم بما فعلناه”.
محطات في حياة هاريس
- 1964 وُلدت في أوكلاند بولاية كاليفورنيا
- 1989 حازت الدكتوراه في القانون من كلية “هايستينجز” بجامعة كاليفورنيا
- 1990 انضمت إلى مكتب المدعي العام لمقاطعة ألاميدا
- 2003 انتُخبت مدعية عامة لمدينة سان فرانسيسكو
- 2010 تولت منصب المدعية العامة لولاية كاليفورنيا
- 2014 تزوجت من المحامي اليهودي دوج إيمهوف
- 2017 أدت اليمين الدستورية في مجلس الشيوخ الأميركي
- 20 يناير 2021 أدت اليمين كنائبة للرئيس الأميركي جو بايدن