قدم المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بولر في لقاءاته مع قادة حركة “حماس” بالعاصمة القطرية الدوحة، مؤخراً، مطلبين من أجل إنهاء الحرب بصورة نهائية في قطاع غزة وبدء إعادة الإعمار، وهما إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، ونزع السلاح.
ووافقت “حماس” على مطلب إطلاق سراح جميع المحتجزين دفعة واحدة مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكنها عرضت على المبعوث الأميركي فكرة أخرى لمعالجة مطلب “نزع السلاح”، وهي الهدنة طويلة الأمد التي تمتد من 5 إلى 10 سنوات، وربما أكثر إن رغبت إسرائيل.
“حماس” أيضاً أبلغت بولر أن مشكلة السلاح تعتبر “محلولة” حال موافقة إسرائيل على الهدنة الطويلة، مبدية استعدادها لمناقشة العديد من الاقتراحات في هذا الشأن.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ”الشرق”، إن استعداد “حماس” لمناقشة هذا الموضوع يفتح الطريق أمام إنهاء الحرب، مشيرة إلى أن السلاح الهجومي الذي تمتلكه الحركة هو سلاح بسيط يتكون مما تبقى من صواريخ وقذائف “هاون”، ولا يحتوي على أسلحة ثقيلة من دبابات، ومدفعية، وطائرات وغيرها الأمر الذي يجعل التوصل إلى تفاهمات بشأنه أمراً سهلاً.
وتابعت المصادر أن القوة العسكرية الحقيقية لحركة “حماس” تكمن في قوات “النخبة” المدربة جيداً، والتي تمكنت من اجتياح بلدات وقري في جنوب إسرائيل بأدوات عسكرية متواضعة، وهو ما يمكن معالجته في شروط الهدنة مثل تجميد التدريب العسكري وصناعة الصواريخ أثناء الهدنة.
وأضافت أن ما يهم الولايات المتحدة هي النتائج، خاصة التوصل إلى اتفاق يؤدي لاطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ووقف التهديد العسكري من غزة، وذلك بخلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تحركه عوامل عدة منها الحفاظ على استقرار حكومته، وعدم فتح تحقيق بشأن إخفاقات الحكومة في مواجهة 7 أكتوبر، ومواصلة محاكمته في ملفات الفساد الثلاث وغيرها.
“طريق عملي لإنهاء الحرب”
وترى المصادر أن الإدارة الأميركية تفضل شق طريق عملي لإنهاء الحرب، من أجل تحقيق الأهداف الفعلية، وليس الشخصية والحزبية لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
من جانبها، تبدي حركة “حماس” نوعاً من الارتياح لتوجهات الإدارة الأميركية العملية، وترى أن استمرار هذه التوجهات يشكل أرضية مناسبة لاتفاق ينهي الحرب على نحو لائق، وليس على النحو الذي يريده نتنياهو.
وعلمت “الشرق”، أن مسؤولي الحركة عرضوا على المبعوث الأميركي مراقبة التزامها بشروط الهدنة من قبل دول تثق بها الولايات المتحدة، مثل مصر، وتركيا، وقطر.
وقالت مصادر في الحركة إن المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، قدم أكثر من إشارة إيجابية على نية إدارة الرئيس دونالد ترمب إنهاء الحرب على غزة، وهو ما جعل الاتفاق السابق ذي المراحل الثلاث ممكناً، وهو الاتفاق الذي اكتفت إسرائيل بتطبيق المرحلة الأولى منه.
وذكرت المصادر أن “حماس قدمت المرونة اللازمة للتوصل إلى الاتفاق المذكور بعد تلقيها رسالة واضحة من ويتكوف بنية ترمب وقف الحرب”.
وأضافت أن “الهدف المركزي للحركة هو وقف الحرب، ولذلك فإنها أبدت وما زالت تبدي استعداداً لتقديم المرونة اللازمة للتوصل إلى اتفاق ينهي هذه الحرب”.
لكن الحركة تؤكد في ذات الوقت رفضها لشروط نتنياهو لإنهاء الحرب مثل نزع السلاح وإبعاد من تبقى من قادة الحركة للخارج، وتقول إنها مستعدة، وقد استعدت بالفعل، لمواجهة أي استئناف للحرب.
“ورقتان في يد حماس”
وذكرت المصادر أن “في يد حماس ورقتين هامتين الأولى هي المحتجزين الإسرائيليين الذين ستكون حياتهم في خطر في حال استئناف الحرب، والثانية هي مفتاح الأمن في غزة”.
وتشير كثير من التقديرات إلى أن “حماس” هي الجهة الوحيدة القادرة على حفظ الأمن في غزة لسنوات وربما لعقود، وأن مطلب إسرائيل حل الجهاز العسكري للحركة قد يفتح الطريق، في حال تحقيقه، إلى شيوع حالة من فوضى السلاح الذي لا يمكن لأي جهة أن تضبطه ما يشكل تهديداً دائماً لإسرائيل.
ويبدو أن هذا العامل قد يشكل عنصراً مشجعاً للإدارة الأميركية للتوصل إلى اتفاق مع الحركة يضمن تحقيق الأمن لفترة طويلة، خاصة أن إسرائيل تمتلك اليد العسكرية العليا في المنطقة، وقادرة على مراقبه أية تحركات لـ”حماس” قد ترى فيها خرقاً لشروط الهدنة.
وقال دبلوماسي غربي لـ”الشرق”، إن “الاتفاق من هذا النوع يجعل حماس قوية بما يكفي لضمان الأمن في غزة، وضعيفة بما يكفي لعدم التفكير بمهاجمة إسرائيل مرة أخرى”.
وأضاف: “في حال التوصل إلى هذا الاتفاق يمكن لإسرائيل أن تعلن النصر، ويمكن لحماس أن تعلن عدم الهزيمة وفتح صفحة جديدة في العمل السياسي”.
ويرى الكثير من المراقبين أن الاتفاق لن يكون ممكناً دون ضغط أميركي على رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيما يشير مراقبون في إسرائيل إلى أن الإدارة الأميركية لديها قدرات أكثر بكثير من الإدارة السابقة للضغط على نتنياهو.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور قال لـ”الشرق”: “قدم ترمب لنتنياهو كل ما كان يشكو منه من إدارة (الرئيس السابق جو) بايدن، حيث أعطاه السلاح الذي منع عنه، والضوء الأخضر لفتح باب جهنم، وإمكانية فرض حصار وتجويع القطاع، ومنع الدول العربية من الضغط عليه، وقدم له خطة الترحيل (..) ومع ذلك لم يفعل نتنياهو شيء”.
وأضاف: “توازنات نتنياهو الداخلية، واعتبارات إسرائيل المعقدة ليست بالبسيطة، فكل قرار سيكون له تداعيات على الائتلاف والاقتصاد ومنظومة الأمن والرأي العام والجيش والدول المجاورة وغيرها من القيود التي تجعل نتنياهو يفضل الانتظار أو المضي فقط عندما لا يكون هناك خيار آخر”.