بعد وقت قصير من إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا عبد الله أوجلان رسالته التي وصفت “بالتاريخية”، والتي دعا فيها إلى حل الحزب، وإلقاء السلاح، والتحول إلى النضال السياسي، تردد صدى الرسالة لدى المكونات الكردية في سوريا، خاصة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، التي يهيمن عليها المقاتلون الأكراد، وتتهمها تركيا بأنها ذراع لحزب العمال الكردستاني، على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا، وجزء من محافظة دير الزور في شرق سوريا، وخصوصاً الضفة الشرقية لنهر الفرات.
موقف “قسد” من رسالة أوجلان
“قسد” سارعت بالنأي بنفسها عن رسالة أوجلان، خاصة أنه لم يأت على ذكرها أو ذكر الملف السوري، كما أنها ترى أن استمرار هجمات فصائل مسلحة مدعومة من تركيا على قواتها في محيط منبج لا يؤسس لفكرة إلقاء السلاح قبل وجود ضمانات بإنهاء هذه الهجمات.
وقال القائد العام لقوات “قسد” مظلوم عبدي في تصريحات صحافية إن “أوجلان أرسل لنا رسالة قبل إصدار إعلانه تؤكد على خيار السلام”، معتبراً أن “دعوة أوجلان لإلقاء السلاح لا علاقة لنا بها في سوريا”، واصفاً الدعوة بأنها “إيجابية لإنهاء ذرائع تركيا لمهاجمتنا”.
سيادة الأراضي السورية
وقال عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، وهو الحزب الذي يقود “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا” لـ”الشرق” إنهم “يرون الإعلان إيجابياً؛ لأنه يدعو للسلام، لكننا في سوريا غير معنيين به، على اعتبار أن حزب العمال الكردستاني في تركيا، ونشاطه يتعلق بتركيا”.
وأضاف: “أي تقدم في ملف السلام في تركيا، سيؤثر في نشر السلام في كافة أرجاء المنطقة، ويكون له تأثيراته الإيجابية في سوريا، لكونه سينزع ذريعة تركيا، باتهامنا بالإرهاب، والتبعية لحزب العمال، الذي يفترض أنها ستوقع معاهدة سلام معه”.
وأكد مسلم لـ”الشرق” أنه “ليس من المنطق أن نفكر في إلقاء السلاح، ومناطقنا تهاجم بشكل يومي من الفصائل المدعومة من تركيا”.
ودعا الحكومة السورية الجديدة إلى منع ما وصفه بـ”انتهاك تركيا لسيادة الأراضي السورية في سد تشرين، وريف حلب”، معتبراً أن “هذا الملف مرتبط بالسيادة الوطنية التي من المفترض أنها تشمل كافة الأراضي السورية”.
ورأى عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي أن “محاولات نشر السلام في المنطقة مهمة، لكونه عاملاً مهماً في حل القضية الكردية”.
مفاوضات حقيقية
بدوره كشف مستشار الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية رياض درار لـ”الشرق” أن “الرسالة التي وصلتهم من أوجلان قبل عدة أيام تطرقت إلى الشأن السوري في بعض تفاصيلها، إلا أن رسالة اليوم لم تأت على ذكر سوريا بالمطلق”، مشيراً إلى أنه كان من المفترض أن تشمل الرسالة الدول الأربعة التي ينتشر فيها الأكراد وهي: تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا، ولكن هذا لم يحدث.
وأوضح درار أن “مسار السلام بالنسبة لنا في سوريا هدف رئيسي، وإلقاء السلاح يحتاج لآلية تفاوض حقيقية، لأننا لا زلنا في معارك جارية في سد تشرين، ودير حافر، وجسر قرقوزاق في ريف حلب، والذي يشهد هجمات يومية على مناطقنا بأوامر تركية، ولم يتوقف ذلك”.
وحمل مستشار الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية، الحكومة السورية الجديدة مسؤولية التفاوض لوقف الهجمات، معتبراً أنها “مسؤولة عن استمرار القتال، وعدم توقفه حتى الآن”.
ورأى أنه “إذا توقف القتال، وبدأ التفاوض من أجل آلية يمكن أن يتم فيها التواجد ضمن وزارة الدفاع، سيكون هناك مقاربات كثيرة، تحل مشكلة السلاح ومشكلة قسد ومستقبلها في سوريا”.
وفي يناير الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن قوات سوريا الديمقراطية بين خيارين “إما إلقاء السلاح، وإلا سنقوم بالقضاء عليها”، مشيراً إلى أنه “سيتخذ قريباً خطوات لحل هذه المشكلة جذرياً”.
وشدد أردوغان على أن “تركيا لن تتهاون على الإطلاق تجاه تنظيم وحدات الشعب الكردية الذي يحتل ثلث مساحة سوريا، وستتخذ قريباً خطوات لحل هذه المشكلة جذرياً”.
وعلى مدى سنوات، هاجمت جماعات مسلحة مدعومة من تركيا إلى جانب الطائرات التركية مواقع توجد فيها قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، في محاولة لإنشاء منطقة عازلة خالية من المجموعة على طول الحدود المشتركة الكبيرة.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، اشتدت الاشتباكات بين “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، والفصائل المدعومة من تركيا في منبج، والمناطق المحيطة بها.
معضلة دمج “قسد” بالجيش السوري
وتأسست قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، في أكتوبر عام 2015، وكان هدفها الرئيسي مكافحة تنظيم “داعش” الذي كان يسيطر في ذلك الوقت على مساحات واسعة من سوريا، والعراق.
وتحظى “قسد” بدعم كبير من الولايات المتحدة التي تقدم لها عتاداً عسكرياً وشحنات من الأسلحة في إطار التعاون في “مكافحة الإرهاب”.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، حرصت الحكومة السورية الجديدة على تشجيع جميع الفصائل المسلحة على حل نفسها وإلقاء سلاحها ودمجها في الجيش السوري الجديد، وهو ما تحقق بالفعل مع كثير من الفصائل باستثناء قوات سوريا الديمقراطية، التي ترفض حتى الآن إلقاء السلاح.
ويضع مسؤولو “قسد” شروطاً عدة لوضع السلاح جانباً من بينها توفير الأمن والاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرتها بموجب اتفاق شامل لوقف إطلاق النار مع تركيا والفصائل التي تدعمها.
ولفت مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، في وقت سابق، إلى أن المشاورات والاجتماعات السابقة مع الرئيس السوري أحمد الشرع للاندماج في الجيش السوري كانت إيجابية من حيث الاتفاق على الخطوط العريضة المتعلقة بوحدة الأراضي السورية، والحفاظ على الأمن والاستقرار، والحفاظ على تماسك المؤسسات بشكل عام.
وشكلت “قسد” لجنة عسكرية لدراسة كيفية الربط مع وزارة الدفاع السورية، دون التوصل إلى قرار حتى الآن.