يعرقل الرئيس الأميركي دونالد ترمب عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID من خلال تحركاته الأخيرة، وقد يكون في طريقه إلى تهميشها أو حتى إغلاقها فعلياً، وفقاً لمجلة “بوليتيكو”.
ونقلت المجلة عن اثنين من مسؤولي إدارة ترمب المطلعين على هذه المسألة قولهما إن “فريق الرئيس يدرس ضم الوكالة إلى وزارة الخارجية”.
وتتبع الوكالة، لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، وهي مسؤولة في المقام الأول عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين.
وقال خمسة مقربين من الإدارة إنهم “ليسوا على علم بخطط محددة، ولكن استقلالية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية غير مضمونة بالتأكيد”، وتحدثت المصادر جميعها دون الكشف عن هويتها؛ لأنها غير مخولة بالحديث عن هذه المسألة.
وجمّد ترمب بالفعل مليارات الدولارات من أموال المساعدات الخارجية، ما أثر على عدد كبير من برامج الوكالة، كما وضع نحو 60 من كبار مسؤولي USAID في إجازة، وأقال أو أوقف عمل مئات المتعاقدين، بالإضافة إلى ذلك، لم يعين حتى الآن مديراً للوكالة، ما سمح لمسؤول في وزارة الخارجية بالإشراف عليها فعلياً، ما زاد من حالة الاضطراب داخلها.
ونفى متحدث باسم الوكالة وجود خطط لدى الإدارة لدمج الوكالة ضمن وزارة الخارجية، واصفاً الأمر بأنه “مجرد تكهنات بحتة”.
وأضاف الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، قائلاً: “هذا ادعاء خاطئ تماماً، ولا يمكننا التعليق على أي مداولات؛ لأنها لم تحدث أساساً”.
والخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن تشير، على أقل تقدير، إلى أن الوكالة تتجه نحو نسخة أصغر وأضعف، وحتى لو لم يتم إلغاؤها رسمياً، وهو ما يتطلب على الأرجح موافقة الكونجرس، فقد تصبح أقل استقلالية وأكثر تسييساً، مع تقييد قدرتها على تحديد أولوياتها، بحسب “بوليتيكو”.
ويؤثر هذا التغيير المحتمل أيضاً على أجزاء أخرى من الحكومة الفيدرالية، التي يسعى ترمب إلى تقليص حجمها.
تقليص المساعدات الأميركية
وفي هذا السياق، قال النائب الديمقراطي جريجوري ميكس، كبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: “أشعر بالقلق من أن إعادة هيكلة الوكالة قد تُستخدم كذريعة لتقليص المساعدات الخارجية الأميركية بشكل أكبر”.
وأضاف: “إذا كان الهدف هو تعزيز المصالح الأميركية، على زملائي الجمهوريين، الذين يتحدثون كثيراً عن التفوق على الصين واستثماراتها العالمية، أن يوضحوا كيف يمكن لهذه الخطوة إلا أن تكون بمثابة إطلاق النار على أنفسنا”.
ويحذر مسؤولون ومحللون من أن أي تغيير في USAID قد يقوض الجهود الإنسانية العالمية، ويضر بسمعة الولايات المتحدة، خاصة في ظل التنافس مع دول مثل الصين.
وتقدم الوكالة مساعدات منقذة للحياة في مناطق النزاع، كما تساعد الدول النامية في مجالات عدة، من توفير الأدوية إلى تدريب المزارعين، ويقوم بتنفيذ هذه المهام خبراء متخصصون يتمتعون بمعرفة تتجاوز بكثير تلك التي يمتلكها الدبلوماسيون التقليديون في وزارة الخارجية، ويسعون للعمل بمعزل عن الأجندات السياسية.
مؤشرات إضافية
وظهرت مؤشرات إضافية على احتمال حدوث تغييرات كبيرة، إذ ذكر مسؤول حالي وآخر سابق في الوكالة أن USAID تدرس إمكانية نقل نظامها المالي لإدارة المنح، المعروف باسم برنامج “فينيكس”، إلى وزارة الخارجية بهدف تنسيق العمل بين المؤسستين في مجال المساعدات الخارجية، غير أن المتحدث باسم الوكالة نفى أن يكون هناك أي خطوات جارية بهذا الاتجاه.
وفي هذا السياق، قال مساعد ديمقراطي في الكونجرس، طلب عدم الكشف عن هويته: “إذا نظرنا إلى مجمل الإجراءات المتخذة، فإنها ترسم صورة واضحة لمحاولة تهميش الوكالة”.
من جانبه، صرح مسؤول سابق في USAID، تحدث أيضاً دون الكشف عن اسمه، بأن العديد من الخبراء يتساءلون عما إذا كانت الوكالة بمثابة “حقل اختبار لكيفية قيام الإدارة بتفكيك وكالات حكومية أخرى”.
رغم ذلك، قد تحظى إعادة هيكلة الوكالة بدعم من الجمهوريين، الذين يرون أن الفكرة ليست جديدة، ولا تقتصر على توجه حزبي معين.
هيكلة وكالة USAID
وقال السيناتور جيم ريش (جمهوري من أيداهو)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: “تم طرح هذه الفكرة من قبل.. كل إدارة تقريباً منذ أنشأ الكونجرس وكالة USAID في عام 1998.. أنا أؤيد الجهود الرامية إلى إصلاح وإعادة هيكلة الوكالة بطريقة تخدم المصالح الأمنية الوطنية للولايات المتحدة بشكل أفضل، وسأسعى لإيجاد سبل لتحقيق ذلك”.
وتصف USAID نفسها بأنها “وكالة مستقلة تتلقى التوجيهات السياسية من وزير الخارجية الأميركي. ويعمل بها أكثر من 9 آلاف موظف في أكثر من 100 دولة حول العالم”.
ورغم أن الوزير يملك سلطة الإشراف على تمويل الوكالة، إلا أنها عادة ما تعمل دون تدخل مباشر من وزارة الخارجية، التي تضم نحو 75 ألف موظف، بما في ذلك العاملون المحليون في مختلف البلدان.
وعلى مر السنوات، فكرت إدارات ديمقراطية وجمهورية في دمج USAID ضمن وزارة الخارجية، إلا أن هذه الخطط لم تُنفذ قط، إذ دافع داعمو الوكالة في الكونجرس عن استقلالها، مؤكدين أن لديها مهمة مختلفة كلياً عن وزارة الخارجية، إذ تركز على حل مشكلات التنمية، بينما تتولى الوزارة ملف الدبلوماسية.
ومع ذلك، لطالما كانت هناك توترات بين الجهتين حول إدارة مليارات الدولارات المخصصة للمساعدات الخارجية، بغض النظر عن الحزب الحاكم.
معارضة حزبية لخطط ترمب
وكانت إدارة ترمب الأولى قد وضعت في عام 2017 خططاً لدمج USAID ضمن وزارة الخارجية، إلا أن هذه الجهود أُجهضت بسبب المعارضة الحزبية الواسعة داخل الكونجرس.
ويرى بعض مسؤولي USAID أن إدارة ترمب تتعمد الإبقاء على الغموض هذه المرة، إذ قد يتطلب أي دمج رسمي بين الوكالتين أو إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي موافقة الكونجرس، أو على الأقل إخطار المشرعين بسلسلة من الإشعارات الرسمية.
لكن التمهيد لهذه الخطوة دون إعلان رسمي يسمح بتجاوز هذه العقبة السياسية في الوقت الحالي. كما أن ترمب، الذي يتهمه منتقدوه بتجاهل القوانين المكتوبة في أكثر من مناسبة، قد يختار تمرير عملية الدمج بشكل غير رسمي.
ويثير هذا الأمر قلق الديمقراطيين، إذ يشير بعضهم إلى أن العمل في USAID يتطلب خبرة فنية متخصصة.
وقال مساعد ديمقراطي في الكونجرس: “هذه وكالة مستقلة لسبب وجيه.. هؤلاء محترفون يعرفون كيفية القيام بعملهم وتقديم المساعدات المنقذة للحياة يوميا، وهم الأكثر تأهيلا لهذه المهمة، ولذلك من منظورنا، هذا مصدر قلق كبير، وسنكون مستعدين لمواجهته”.
غضب ديمقراطي
وأعرب مشرعون ديمقراطيون عن غضبهم الشديد من هذا التوجه المحتمل، وقال السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من كونيتيكت): “ترمب جمّد عملياً جميع المساعدات الخارجية لدينا.. ما الذي يجعل أحداً يعتقد أنه يكترث بوكالة USAID إنها فكرة كارثية أن يتم تفكيك إحدى أكثر أدوات القوة الناعمة فعالية لدينا”.
وبحسب “بوليتكيو”، هناك عدة طرق يمكن من خلالها تمكين وزارة الخارجية من فرض سيطرة أكبر على USAID دون إلغائها رسمياً، وأحد الخيارات التي قد تتبعها الإدارة هو “تعيين مدير USAID ليشغل أيضاً منصب مدير المساعدات الخارجية في وزارة الخارجية”.
وتقليدياً، كان من يشغل هذا المنصب يعمل عن كثب مع USAID، وسبق أن طُرحت فكرة الدمج أو ازدواجية المنصب في تقرير “مشروع 2025” الصادر عن مؤسسة هيريتيج المحافظة، والذي ساهم في إعداده العديد ممن يعملون الآن مع ترمب.
تقليص حجم الوكالة
وبما أن الإدارة تبدو مصممة على تقليص حجم USAID إلى جانب وكالات حكومية أخرى، فقد تعيد توجيه مكتب المساعدات الخارجية، المعروف بـ “مكتب F”، ليكون المسؤول الفعلي عن إدارة USAID.
واحد من الشخصيات البارزة في توجيه نهج الإدارة تجاه المساعدات الخارجية هو بيت ماروكو، الذي يشغل منصباً رفيعاً في وزارة الخارجية يشرف من خلاله على “مكتب F”.
وشغل ماروكو عدة مناصب في إدارة ترمب الأولى، بما في ذلك في USAID، حيث أثار انتقادات واسعة؛ بسبب محاولته إعادة هيكلة مكتب منع النزاعات والاستقرار داخل الوكالة، حتى إن إجراءاته دفعت موظفين في USAID إلى تقديم مذكرة اعتراض رسمية، وقد تم إبعاده عن منصبه بعد 3 أشهر فقط من توليه المهمة.
ولم يرد ماروكو على طلبات من “بوليتيكو” للتعليق.