توقفت الحرب الإسرائيلية على غزة بعد 15 شهراً، تخللتها جولات عديدة من المفاوضات التي لم تفضِ إلى اتفاق، لكن مع فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة في نوفمبر الماضي، تغيَّر الوضع، إذ أعلن رغبته في إنهاء الحرب بأقصى سرعة، وقال لاحقاً: “إذا لم يُطلق سراحهم (المحتجزين الإسرائيليين) قبل دخولي البيت الأبيض فإن جحيماً سيندلع في الشرق الأوسط”.
الرئيس الأميركي السابق جو بايدن (خلال فترة رئاسته)، أرجع الفضل في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إلى جهود إدارته، خاصة أنه تقدم بمبادرة في مايو الماضي، كانت أساساً للاتفاق المبرم في يناير الجاري، لكنه لم يغفل مشاركة مبعوث الرئيس الجمهوري في الأيام الأخيرة التي سبقت التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة “حماس”.
واتخذ ترمب خطوات فعلية في هذا الشأن من خلال إرسال مبعوثه للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، حاملاً رسالة “صارمة” إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم بعض الاعتراضات في تل أبيب، حيث طالب فيها بإبرام الاتفاق وقبول وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن باقي المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
وبتوجيه من الرئيس الأميركي، دخل ويتكوف، وهو مطور عقاري يعرف ترمب منذ عقود، في مفاوضات من أجل التوصل إلى الاتفاق، لينضم إلى فريق الرئيس السابق جو بايدن الذي عمل على تحقيق ذلك منذ أكثر من عام.
ورفض مبعوث ترمب الكشف عن تفاصيل لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي جرى في 11 يناير الجاري، والذي وصفه مسؤولون مطلعون بأنه كان “حاسماً” في إبرام الاتفاق.
لكنه أوضح أن ترمب “أعطاني التوجيه لدعم الصفقة في حال كانت قابلة للتحقق. وكان علينا صنع الحوافز للطرفين لإتمامها”.
ووفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أبلغ نتنياهو شركاءه في الائتلاف الحاكم، أن هذه الحوافز تشمل ضمانات أميركية بالسماح لإسرائيل باستئناف الحرب بعد المرحلة الأولى من الاتفاق الذي يتضمن 3 مراحل، وهو ما قد يبدو “خرقاً” لشروط الاتفاق.
وفي منتصف الشهر الجاري، خرج بايدن في مؤتمر صحافي، للإعلان عن التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحركة “حماس”، معتبراً إياه “الإنجاز الأبرز في السياسة الخارجية” خلال فترة رئاسته.
وأكد أن الاتفاق تم تطويره والتفاوض عليه من قِبَل فريقه، وسيتم تنفيذه، إلى حد كبير، من قِبَل الإدارة المقبلة، في إشارة إلى إدارة ترمب.
وقبل أن يغادر المؤتمر برفقة نائبته كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، سُئل بايدن عمن يعود إليه الفضل في إتمام الاتفاق، هو أم ترمب، رد مبتسماً: “هل هذه مزحة؟”.
في المقابل قال ترمب عبر شبكته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”، إن “هذا الاتفاق التاريخي لوقف إطلاق النار لم يكن ليحدث إلا نتيجة لانتصارنا التاريخي في نوفمبر (الفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية)، حيث كان إشارة للعالم بأسره بأن إدارتي ستسعى لتحقيق السلام والتفاوض على صفقات تضمن أمن جميع الأميركيين وحلفائنا”.
من بايدن إلى ترمب
اعتبر محللون وخبراء تحدَّثوا إلى “الشرق”، أن الفضل يعود إلى ترمب فقط في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مرجحين أن نتنياهو وافق على الاتفاق أخيراً “بناء على تفاهمات غير معلنة مع ترمب بشأن مستقبل إسرائيل في ظل إدارته”.
واستنكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة “سنترال أوكلاهوما”، حسام محمد، أن يُنسب أي فضل لبايدن في التوصل إلى الاتفاق، قائلاً في حديثه مع “الشرق” إنه “لا ينبغي للتاريخ أن يكافئ إدارة بايدن التي أعطت غطاء دبلوماسياً ومادياً وعسكرياً للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين لمدة 15 شهراً”.
وأشار محمد، إلى أن إدارة بايدن كانت تُلقي باللوم دائماً على حركة “حماس”، وليس إسرائيل، في فشل المفاوضات المطروحة منذ عدة أشهر، لافتاً إلى أن “شركاء بايدن ومساعديه أرادوا لإسرائيل تحقيق ما سماه نتنياهو بالانتصار المطلق في غزة”.
واستشهد برغبة ترمب في إنهاء الحرب قبل عودته للبيت الأبيض، قائلاً إن هذا هو ما ساهم في زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لتصبح أكثر جدية بشأن التوصل إلى اتفاق، معللاً ذلك برغبة الرئيس الأميركي في “تحقيق نجاح سياسي شخصي مع بداية ولايته الثانية”.
من جانبه، ذكر المؤرخ في جامعة “ميشيجان”، ديريك أيدي، أن اتفاق وقف إطلاق النار سيُنظر إليه على أنه “إنجاز دبلوماسي كبير لإدارة ترمب”.
وقال أيدي لـ”الشرق”، إن “ويتكوف أرغم نتنياهو على عقد اجتماع يوم السبت (عطلة دينية أسبوعية في إسرائيل) ولم يكترث لمحاولات الأخير تغيير موعد الاجتماع”، موضحاً أن هذا يشير بوضوح إلى أن “إدارة ترمب لن تسمح لإسرائيل بفرض شروطها عليها”.
وقارن بين تعامل بايدن وترمب مع إسرائيل، لافتاً إلى أنه “خلال ولاية الرئيس الديمقراطي، كانت إسرائيل هي التي تُملي الشروط على الإدارة الأميركية، وليس العكس، في حين مع الرئيس الجمهوري كان الوضع مختلفاً”، على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته، انتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة “سان فرانسيسكو”، ستيفن زونس، موقف بايدن، قائلاً إنه كان يمتلك القدرة نفسها على ممارسة الضغط على إسرائيل لقبول الاتفاق، لكنه اختار عدم استخدامها.
ويرى زونس في حديثه مع “الشرق”، أن “بايدن لم يكن مجبراً على دعم إسرائيل، بل كان بإمكانه تبنّي نهج مختلف لو أراد ذلك. القرار بدعم إسرائيل دون ضغوط حقيقية كان خياره الشخصي”.
وقدمت إدارة بايدن مساعدات عسكرية لإسرائيل بلغت قيمتها نحو 17.9 مليار دولار خلال عام واحد، بدأت منذ 7 أكتوبر 2023.
ورجّح زونس أن “ترمب فضَّل بدء ولايته الرئاسية الثانية دون أن تكون حرب غزة مصدر إلهاء، لذا مارس ضغوطاً على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار الذي سبق أن وافقت عليه حماس بشكل مبدئي في يوليو الماضي، أو ربما قبل ذلك”.
اتفاق قديم أم جديد
أستاذ الدبلوماسية والاستخبارات الإسرائيلية في مركز “شوسترمان للدراسات الإسرائيلية”، أور هونيج، استبعد خلال تصريحات لـ”الشرق”، أي تشابه بين الاتفاق الحالي، وأي مسودات اتفاق سابقة خلال جولات المفاوضات بشأن غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين.
ورجَّح هونيج، وهو أيضاً باحث زائر في “معهد إسرائيل” في حديثه مع “الشرق”، أن تكون تفاصيل الاتفاق الحالي تتضمن اختلافات كبيرة عن مسودات الاتفاق السابقة، وفي مقدمتها قائمة أسماء الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والمحتجزين الإسرائيليين لدى “حماس” الذين سيُطلق سراحهم.
ويرى هونيج، أن “نتنياهو تعمَّد تأجيل الاتفاق حتى يحصل على دعم ترمب، على أمل أن يستخدم الأخير نفوذه للضغط من أجل تحقيق اتفاق أفضل لإسرائيل”.
ونوَّه إلى أن “نتنياهو يرغب بشكل أساسي في الحفاظ على علاقة جيدة مع ترمب، إذ يدرك تماماً أن من يفضّله الرئيس الأميركي سيُكافأ في المستقبل”.
مكافآت ترمب
في يومه الأول كرئيس للولايات المتحدة، وقَّع ترمب أمراً تنفيذياً يقضي برفع العقوبات التي فرضها سلفه بايدن على مستوطنين إسرائيليين متورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
إذ كان بايدن، وقع أمراً تنفيذياً يقضي بفرض عقوبات على أفراد وكيانات متورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين وفي بناء مستوطنات غير قانونية، وجمّد أصولهم في الولايات المتحدة، في فبراير 2024. وجاءت هذه الخطوة نتيجة للإحباط المتزايد في واشنطن من عدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على “كبح جماح المستوطنين”.
ويُعد تراجع ترمب عن هذا الإجراء الذي اتخذته الإدارة الأميركية السابقة، وسط حضور قادة لحركة الاستيطان حفل تنصيبه، الاثنين (20 يناير الجاري)، بمثابة “أولى المكافآت والحوافز” التي يمنحها لرئيس الوزراء الإسرائيلي في مقابل موافقته على وقف إطلاق النار بعد 15 شهراً من الحرب.
واعتبرت الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز السياسة الدولية، نانسي عقيل، أن نتنياهو تعمَّد عرقلة التوصل إلى اتفاق بشأن غزة حتى اقتراب عودة ترمب إلى البيت الأبيض.
وقالت في تصريحات لـ”الشرق”، إن قبول نتنياهو للاتفاق أخيراً قبل أيام قليلة من عودة ترمب إلى المكتب البيضاوي، ؤكد ما كان يردده العديد من المسؤولين، بمن فيهم بعض المشاركين في المفاوضات أن “نتنياهو عرقل وأخَّر وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين لتعزيز مصالحه السياسية الشخصية”.
واتفق حسام محمد، المختص أيضاً في سياسة الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع نانسي عقل في هذا الطرح.
وتابع بالقول إن “نتنياهو يهدف من خلال قبول الاتفاق بضغط من ترمب للحصول على مكافأة لإسرائيل في قضايا أخرى أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، مثل ضم الضفة الغربية المحتلة، ومواجهة إيران وإنهاء طموحاتها النووية”.
ومضى محمد يقول إن “الفارق الرئيسي بين بايدن وترمب يكمن في أن الأخير معروف بكونه غير متوقع ومدفوع بمصالحه الشخصية، بينما كان بايدن أكثر أيديولوجية في دعمه المطلق لإسرائيل”.
لكنه نبَّه إلى أن “ترمب، الذي لا يُعرف عنه الالتزام الثابت بأيديولوجية سياسية محددة، غالباً ما تتشكل قراراته بناء على علاقاته الشخصية ومصالحه الخاصة”.
سياسات متشددة في دعم إسرائيل
وأشار إلى أن هذا التوجه “قد يكون له عواقب غير متوقعة في سياسته تجاه إسرائيل والفلسطينيين، خاصة وأنه بدأ بالفعل في تعيين شخصيات سياسية معروفة بعدائها الشديد للفلسطينيين، ما يشير إلى أن سياسته في الشرق الأوسط قد تكون أكثر انحيازاً لإسرائيل وأقل انفتاحاً على أي حلول دبلوماسية عادلة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”.
وبينما أشاد ستيفن زونس بنجاح ترمب في وقف الحرب على غزة، وفق الاتفاق بين إسرائيل وحركة “حماس”، حذَّر في الوقت ذاته من سياساته التي وصفها بـ”المتشددة لصالح إسرائيل”.
واستدرك بالقول إن “الاحتمال الأقوى الذي ساهم في إتمام الاتفاق هو أن ترمب، بدلاً من الضغط على الإسرائيليين بالتهديد بعواقب معينة إذا لم يوافقوا عليه، عرض عليهم حوافز للقبول، مثل دعم ضم إسرائيل لجزء من الضفة الغربية، أو رفع العقوبات التي فرضها بايدن على المستوطنين الإسرائيليين من أقصى اليمين، أو حتى دعم إسرائيل إذا قررت انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار”، على حد قوله.
ويرى زونس، أنه “إذا كان وقف إطلاق النار في غزة سيمنح الفلسطينيين بعض الراحة المؤقتة، فإن فلسطينيي الضفة الغربية والقدس قد يواجهون تصعيداً أكبر في الاستيطان، وعمليات التهجير القسري، والقمع العسكري المتزايد”.
وذكر أن “سياسات ترمب التي تميل إلى إعطاء إسرائيل ضوءاً أخضر لفعل ما تشاء، قد تؤدي إلى تفاقم معاناة الفلسطينيين في هذه المناطق، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً على المدى الطويل”.
وتأكيداً لهذه المخاوف، أعلن نتنياهو، إطلاق عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، تبدأ من جنين وتمتد إلى باقي مناطق الضفة الغربية.
وأثارت هذه التحركات قلقاً لدى الكثير من الفلسطينيين من تكرار سيناريو الحرب على غزة في الضفة الغربية، والتي شملت عمليات قتل جماعي وهدم تجمعات سكانية، وتشريد وتجويع أهلها.
وبينما رجَّح زونس، أن تكون إحدى المكافآت التي سيحصل عليها نتنياهو مقابل “اتفاق غزة” هي موافقة ترمب على ضم إسرائيل للضفة الغربية التي بُنيت عليها مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، فإن أستاذ الدراسات الشرق أوسطية واليهودية في جامعة “برانديز”، يهودا ميرسكي، استبعد أن يكون هناك اتفاق على خطوة كبيرة مثل ضم الضفة.
وقال ميرسكي في تصريحات لـ”الشرق”، إنه “رغم وجود دعم كبير للضم داخل الحكومة الإسرائيلية، فإن موقف نتنياهو الشخصي من الضم الكامل غير واضح”.
وأضاف ميرسكي، الذي عمل أيضاً مستشاراً خاصاً في مكتب حقوق الإنسان التابع للخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، أنه “رغم تعاطف ترمب مع الحكومة الإسرائيلية واليمين الإسرائيلي، فإنه قد لا يدعم الضم الكامل، “خاصة أن مثل هذه الخطوة قد تعيق طموحاته لعقد اتفاقات سلام إقليمية كبرى”.
واتفق معه هونيج في أن “نتنياهو رغم حديثه عن كونه يمينياً، فإنه ليس أيديولوجياً وبالتالي لن يقوم بضم الضفة الغربية”، موضحاً أن “الضفة ليست مثل هضبة الجولان السورية التي يعيش فيها الدروز، إذ ينضم بعضهم للجيش الإسرائيلي”.
ويعيش أكثر من 20 ألف درزي في مرتفعات الجولان التي استولت عليها إسرائيل من سوريا خلال حرب 1967، قبل أن تضمها إليها في عام 1981 (وهو إجراء لم تعترف به الأمم المتحدة التي استمرت في اعتبارها أرضاً سورية محتلة).
وفي هذا السياق، قالت النائبة إليز ستيفانيك، المرشحة لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إنها تؤيد المزاعم التي يرددها اليمين المتطرف في إسرائيل بشأن “حق توراتي لليهود” يخول لهم الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
وعقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جلسة استماع لبحث التصديق على تعيين النائبة الجمهورية عن نيويورك، إليز ستيفانيك، التي رشحها ترمب للعمل كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
وجاءت العبارة المثيرة للجدل على لسان ستيفانيك خلال استجوابها من جانب السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولن، بعد أن حاولت التهرب من الإجابة المباشرة على أسئلته عدة مرات.
صانع صفقات
تحدَّث خبراء ومحللون عن تعمُّد نتنياهو إظهار تفضيله لترمب على حساب بايدن في تعامله مع “اتفاق غزة”، إذ بادر بالاتصال بالرئيس الجمهوري أولاً ليشكره بشكل واضح، ثم ذكر الرئيس الديمقراطي بشكل مقتضب لاحقاً.
ويرى الباحث في الشأن الأميركي والرئيس المشارك لفرع حركة “التخلي عن بايدن” سابقاً في ولاية ميشيجان، خالد توراني، أن نتنياهو يدرك الفرق بين بايدن وترمب، منبهاً إلى أن “بايدن رغم انتقاداته الشكلية لحكومة نتنياهو ظل يقدم دعماً غير مشروط لإسرائيل، ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي واثقاً من استمرار هذا الدعم بغض النظر عن تصرفاته”.
وأضاف توراني في تصريحات لـ”الشرق”، أنه “مع ترمب، ليس هناك ضمانات مماثلة، إذ أن سياساته قائمة على المقايضات وقد تكون أكثر تقلباً، مما دفع نتنياهو لمحاولة توطيد العلاقة معه مسبقاً. تصرف رئيس الوزراء الإسرائيلي يعكس رغبته في تأمين دعم أقوى في المستقبل”.
واعتبر أن “نجاح الفصائل الفلسطينية في تلك الحرب، رغم الخسائر في الأرواح والممتلكات هي الدافع لقبول إسرائيل الصفقة. لو كانت إسرائيل حققت انتصاراً على الأرض ما كانت قبلت بالاتفاق”.
من جانبه، وصف مؤسس الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية CRL في مدينة ديربورن بولاية ميشيجان، نبيه عياد، ترمب بأنه “صانع صفقات جيد”، موضحاً أن “رغبته في أن يكون معروفاً بتلك الصفة جعلته يُصر على إنهاء الحرب كما تعهَّد سابقاً”.
وقال عياد في تصريحات لـ”الشرق”، إن الفرق بين ترمب وبايدن “كبير”، لافتاً إلى أن “الخوف من ترمب هو ما دفع نتنياهو لقبول الصفقة أخيراً”.
جوهرة التاج
في العام الأخير من ولايته الأولى، قاد ترمب سلسلة اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية ضمن “اتفاقيات أبراهام”.
وفي 15 سبتمبر 2020، استضافت واشنطن توقيع اتفاقية للسلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
ويسعى ترمب أيضاً إلى التوسط في اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهي الصفقة التي ستكون بمثابة تتويج لـ”اتفاقات أبراهام”، وتعتبرها إسرائيل خطوة استراتيجية كبرى لها، لكن المملكة اشترطت إقامة دولة فلسطينية، وهو ما سيكون بمثابة نقيض لحركة الاستيطان التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية.
وفي مقابلة سابقة مع شبكة Fox News الأميركية، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عند سؤاله عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “تسعى لتحقيق ذلك”، لكنه أضاف: “بالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية، ويجب الوصول لحل بشأنها، لدينا مفاوضات جيدة، ولا تزال مستمرة حتى الآن، سنرى إلى أين سنصل”.
المدير الإقليمي للمعهد الجمهوري الدولي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أوين كيربي، قال إن ترمب يتمتع بشعبية كبيرة في إسرائيل بسبب مواقفه الداعمة لها خلال فترة رئاسته الأولى.
وأضاف كيربي في تصريحات لـ”الشرق”، أن “مواقف ترمب كدعمه اتفاقيات أبراهام التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، بالإضافة إلى قراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، منحته نفوذاً إضافياً في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية وتشجيعها على المشاركة بفاعلية في هذه المبادرات ووقف إطلاق النار”.
وتابع كيربي، الذي انضم إلى إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وعمل مستشاراً في الخارجية الأميركية آنذاك، إن توسيع اتفاقيات أبراهام يُعتبر أولوية واضحة للإدارة الجديدة، وتعتبرها إسرائيل “جوهرة التاج”.
نظرية “الضفدع المغلي”
المؤرخ في جامعة “ميشيجان”، ديريك أيدي، أشار إلى أن هناك العديد من التكهنات بشأن ما قد يقدمه ترمب لإسرائيل مقابل اتفاق غزة، لكن الوضع يشير إلى أن تل أبيب قبلت وقف إطلاق النار بعد 15 شهراً من الحرب “لأنها أعادت ترتيب المشهد الجيوسياسي في المنطقة لصالحها”.
واستدل أيدي بنظرية “الضفدع المغلي” التي كانت تفترض أن ما يُعرف بـ”محور المقاومة بقيادة إيران” سيدفع إسرائيل للاستنزاف، حيث كانت الأخيرة بمثابة “الضفدع في القدر”، لكن التطورات والمتغيرات قلبت المعادلة.
“الضفدع المغلي” هو مصطلح يشير إلى أثر التغيرات البطيئة والتدريجية مقارنة بالتغيرات المفاجئة والسريعة، ويعود هذا المصطلح لقصة شائعة تقول إن “الضفدع سيقفز فوراً عند وضعه في ماء ساخن، لكن إذا وُضِع في ماء معتدل الحرارة ثم تم تسخينه ببطء فإن الضفدع لن يقفز وسيبقى في الماء حتى بعدما يصير حاراً جداً لأنه لن يشعر بالخطر التدريجي الحاصل وبذلك يموت عندما تبلغ درجة حرارة الماء قدراً مميتاً”.
لكن أيدي أشار إلى أنه “منذ ذلك الحين، حدثت تحولات دراماتيكية، ليس فقط باغتيال قادة رئيسيين مثل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في إيران، وزعيم الحركة في غزة يحيى السنوار، والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في لبنان، ولكن أيضاً من خلال عمليات، مثل حادثة جهاز النداء البِيبجر، وغيرها”، مذكّراً بأنه “مع سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر، تم قطع الجسر البري الذي يربط إيران بحزب الله”.
أما المتغير الأخير، على حد قول أيدى، يتمثَّل في أنه “بعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحيته، استحوذ تيار تصالحي داخل إيران على المشهد السياسي. وأصبحت طهران الآن تواجه واقعاً حيث حلفاؤها في جميع أنحاء المنطقة باتوا ضعفاء بشكل كبير، سواء بقرار منها أو بسبب عدم قدرتها على دعمهم والإبقاء على قدراتهم”.
إيران وإسرائيل
أحد السيناريوهات المحتملة للتفاهم بين ترمب ونتنياهو، في رأي هونيج، يتعلق بالتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، متوقعاً أن تتعاون إسرائيل والولايات المتحدة في تنفيذ عمل عسكري مشترك ضد المنشآت النووية الإيرانية، لافتاً إلى أن هذا التعاون قد يكون إما من خلال تنفيذ العملية بشكل مشترك، أو أن تقدم واشنطن دعماً لتل أبيب يمكنّها من تنفيذ الهجوم بشكل مستقل.
وبينما يعتقد هونيج أستاذ الدبلوماسية والاستخبارات الإسرائيلية في مركز “شوسترمان للدراسات الإسرائيلية”، أن هذا العمل “خيار استراتيجي وارد”، فإنه يرى أن “نتنياهو يتسم بالحذر والتحفظ عندما يتعلق الأمر بشن عمليات عسكرية خارج حدود إسرائيل”، مستثنياً من ذلك العمليات التي ينفذّها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، “حيث تكون المخاطر فيها منخفضة مقارنة بالعمليات العسكرية في الخارج”، وفق تعبيره.
ويأخذ التعاون العسكري في اتفاق ترمب “المزمع” مع نتنياهو شكلاً آخر، إذ قال السفير الإسرائيلي المنتهية ولايته لدى الولايات المتحدة مايكل هيرتسوج، إن “إسرائيل تتوقع أن يرفع ترمب حظر إدارة بايدن على توريد القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل في أيامه الأولى في منصبه”.
وقال هيرتسوج لموقع “أكسيوس” الأميركي، إنه قد تمت مناقشة بعض هذه الإجراءات بين المسؤولين الإسرائيليين وفريق ترمب “في سياق موافقة إسرائيل على تقديم المزيد من التنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة”.
أزمة المحكمة الجنائية الدولية
أعاد ترمب منذ اليوم الأول لتنصيبه فرْض العقوبات على مسؤولي المحكمة “الذين يستهدفون الأميركيين والإسرائيليين”، على حد قوله، بموجب أمر تنفيذي.
كان ترمب، في ولايته الأولى، فرض عقوبات اقتصادية وقيود سفر ضد المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا وأحد كبار مسؤوليها العاملين في المحكمة، بسبب جهود المحكمة للتحقيق مع القوات الأميركية ومسؤولي الاستخبارات بشأن “جرائم حرب محتملة في أفغانستان”. وعندما تولَّى بايدن السلطة ألغى هذه العقوبات.
وعلى مدار أشهر سابقة، طلبت إسرائيل من ترمب فرْض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب مذكرات الاعتقال التي أصدرتها ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت.
واعتبر يهودا ميرسكي، أن “التزامات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل فيما يتعلق بالجنائية الدولية يتماشى مع الموقف النقدي العام لهذه الإدارة تجاه المنتديات القانونية الدولية”.
وبرر ميرسكي تشكيك إدارة ترمب وانتقادها لهذه المؤسسات، بالقول إن “قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في لاهاي”، كانت أمام محكمة العدل الدولية، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية هي التي أصدرت مذكرات التوقيف، لافتاً إلى أن “المحكمة الجنائية الدولية تعتمد على معاهدة، ولا تُعد إسرائيل ولا الولايات المتحدة ملزمة بها لأنهما ليستا طرفين فيها، رغم أن العديد من الدول فعلت ذلك”.
واتفق الجمهوري جيزي مع ميرسكي، وقال: “لا أشك للحظة أن ترمب جاد بشأن مساعدته لإسرائيل وفرْض عقوبات جادة على الجنائية الدولية كخطوة أولى لدعمها بعد قبول الاتفاق”.
يتأرجح اتفاق غزة الذي لا يزال قيد اختبار التنفيذ في أولى مراحله، بين إدارتي بايدن الذي لم يدخر جهداً في دعم تل أبيب طوال الحرب التي أودت بحياة قرابة نحو 50 ألف فلسطيني، وترمب الذي يرغب في التخلص من “إلهاء” حرب غزة، والتركيز على أجندته السياسية الداخلية، والملفات الدولية الأخرى التي تمثل أولوية كبرى لإدارته الجديدة، لكنه ربما وعد نتنياهو بـ”مكافآت استراتيجية” كانت دافعاً وراء إقراره الاتفاق.