كانت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الزعيمة الأوروبية الوحيدة في حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الاثنين، وهو ما جاء بعد أسبوعين فقط من سفرها إلى فلوريدا لمقابلته في منتجعه في مار إيه لاجو، ما يجعلها مرشحة لتصبح الحليف الجديد المفضل لواشنطن في أوروبا، كما تقول وكالة “رويترز”.
وقال نائب وزير الخارجية الإيطالي إدموندو سيريلي، وهو عضو في حزب ميلوني “إخوان إيطاليا”، للوكالة: “لقد اختارها ترمب لمصداقيتها وموثوقيتها واستقرار حكومتنا كمحاور مفضل في الاتحاد الأوروبي. وهذا مفيد لإيطاليا وسيكون مفيداً أيضاً للاتحاد الأوروبي”.
وفي الواقع، من الناحية النظرية، من الممكن أن تستفيد ميلوني كثيراً من محافظتها على علاقات طيبة مع ترمب، إذ إن إيطاليا، العضو في حلف شمال الأطلسي، لديها فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة وميزانية دفاعية منخفضة، مما يضعها في مسار تصادمي مع الإدارة الجديدة، ما لم تتمكن من الاستفادة من علاقاتها مع الرئيس لصرف الانتباه عن هذا.
ولكن التحالف بشكل وثيق مع الرئيس الأميركي “المتقلب” يحمل أيضاً مخاطر محتملة، حسب “رويترز”، إذ عملت ميلوني بجد لإقناع بروكسل بأنها شريك موثوق به وقد تقوض مكانتها إذا روجت بشكل علني للمصالح الإيطالية على حساب بقية التكتل الأوروبي.
وقال فرانشيسكو جاليتي، مؤسس شركة المخاطر السياسية Policy Sonar: “ميلوني في موقف حرج للغاية.. إنها تأمل أن يساعدها قربها من ترمب، لكنها تخاطر بعزل نفسها في أوروبا، في حين لا يوجد لديها أي ضمانات بأنها تستطيع حماية إيطاليا من التعريفات الجمركية الأميركية أو ردود الفعل السلبية لمستوى الإنفاق الدفاعي المخيب للآمال”.
وفي أقل من عشر سنوات، تحولت ميلوني من زعيمة لحزب قومي متطرف مهمش، إلى رئيسة لواحدة من أكثر الحكومات استقراراً في تاريخ إيطاليا بعد الحرب، إذ تعمل كحلقة وصل بين الفصائل اليمينية المتطرفة، والفصائل المحافظة في أوروبا.
وقالت ميلوني، في بيان، بعد أداء ترمب اليمين: “ستظل إيطاليا ملتزمة دائماً بتعزيز الحوار بين الولايات المتحدة وأوروبا، باعتباره ركيزة أساسية لاستقرار ونمو مجتمعاتنا”.
وعلى الرغم من تحرك ميلوني بعيداً عن جذورها اليمينية المتطرفة، يعتقد بعض المحللين في روما الذين تابعوا صعودها السريع، أن غرائزها المتأصلة المتشككة في أوروبا، سوف تسود.
وقالت ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية في إيطاليا: “إن الاعتقاد بأنها ستفعل أشياء لصالح أوروبا وستكون وسيطاً مع ترمب هو اعتقاد ساذج تماماً”.
رهانات ميلوني
وأصرت ميلوني، من جانبها، على أن الرئيس الأميركي المنتخب سيدافع عن المصالح الغربية، وقالت إن مهاراته الجيوسياسية قد تجبر الزعيم الروسي فلاديمير بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل الصراع في أوكرانيا، مضيفة بعد رحلتها إلى فلوريدا: “ترمب لديه القدرة على الموازنة بين الدبلوماسية والردع”.
ومن المحتمل أن تخسر إيطاليا الكثير من رئاسة ترمب، وخاصة من تهديده بعكس العجز التجاري الأميركي مع الاتحاد الأوروبي، ربما من خلال زيادة الرسوم الجمركية.
وسجلت الدولة العضو في مجموعة السبع فائضاً تجارياً بقيمة 42.1 مليار يورو (43.6 مليار دولار) مع الولايات المتحدة في عام 2023، وفقاً لمكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي، وهو ثاني أعلى فائض في الكتلة بعد ألمانيا، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للرسوم الجمركية.
وقالت الصحف الإيطالية إن ميلوني ستسعى إلى استخدام تحالفها مع ترمب لإبعاد الزيادات الضريبية عن الشركات المحلية، مثل منتجي الأغذية. ورفض مكتب ميلوني التعليق على مثل هذه التكهنات، لكن المحللين يقولون إن إيطاليا ستظل تعاني، حتى لو وجه ترمب غضبه إلى مكان آخر.
وقال أرتورو فارفيللي، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما: “الاقتصاد الإيطالي مرتبط بالاقتصاد الأوروبي لدرجة أن التفكير في أن الرسوم الجمركية يمكن أن تعاقب فرنسا أو ألمانيا فقط دون أن تؤذينا، هو وهم”.
وأضاف: “تعرف ميلوني هذا، لذا، سواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ، فسوف يتعين عليها تمثيل مصالح أوروبا أمام ترمب”.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه لم يتضح بعد ما إذا كان ترمب يريد بناء أي جسور مع أوروبا، مع ميلوني أو بدونها.
وقال مسؤول آخر إن صداقة ميلوني مع ترمب ستكون قيِّمة إذا تمكنت من إقناعه بالتمسك بأوكرانيا في حربها مع روسيا.
ولم يستجب البيت الأبيض على الفور لطلب من “رويترز” للتعليق على العلاقات بين ترمب وميلوني.
قرب من إيلون ماسك
وتربط ميلوني علاقات ودية أيضاً من الملياردير إيلون ماسك، الذي ظهر كمحرك رئيسي في الدائرة الداخلية للرئيس ترمب، وقد انخرط الثنائي في موجة من الثناء.
وصف ماسك ميلوني بأنها “شخصية أكثر جمالًا من الداخل” في حدث رسمي في نيويورك في سبتمبر من العام الماضي، مما دفع الزعيمة الإيطالية إلى الرد بأن رائد الأعمال “عبقري ثمين”.
ودخلت حكومة ميلوني في محادثات لتوقيع عقد محتمل لمدة خمس سنوات مع “ستارلينك”، وهي جزء من إمبراطورية ماسك، بقيمة 1.5 مليار يورو.
ويقول المسؤولون الإيطاليون إن الجيش والدبلوماسيين في البلاد يحتاجون إلى شبكة اتصالات أقمار صناعية آمنة من النوع الذي توفره “ستارلينك” ولا يمكنهم الانتظار حتى عام 2030، عندما من المتوقع أن يبدأ تشغيل نظام أوروبي منافس IRIS2.
ومن شأن عقد “ستارلينك” أن يوفر دفعة صغيرة للإنفاق الدفاعي الإيطالي، ولكن ليس بما يكفي لإرضاء واشنطن.
وفي حين قال حلف شمال الأطلسي إن الميزانية العسكرية للدول الأعضاء يجب أن تبلغ 2% من الناتج الوطني، دعا ترمب إلى زيادة هذه النسبة إلى 5%.
وفي إيطاليا، يتراوح الإنفاق عند نسبة 1.5%، إذ تمنع الديون الضخمة البلاد من تخصيص أي إنفاق إضافي.
وقال جاليتي من Policy Sonar إنه لا يعتقد أن واشنطن ستقبل هذا النوع من التعهدات الغامضة التي قدمتها روما على مدى العقد الماضي لرفع الإنفاق. وأضاف: “لن نفي بوعودنا، ومجرد كوننا أصدقاء لترمب، لن يساعد ميلوني في هذه القضية”.