وصل الخلاف الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا مستوىٍ جديداً من التصعيد، بعد تصريحات وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو التي اتهم فيها الجزائر بـ”محاولة إذلال فرنسا”، فيما نفت الخارجية الجزائرية هذا الاتهام، معتبرة أن اليمين المتطرف الفرنسي يقود “حملة تضليل”.
وأطلقت الداخلية الفرنسية في الأيام الأخيرة حملة ضد “مؤثرين جزائريين” ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعي ويقيمون على أراضيها، وأوقفت بعضهم بزعم “التحريض على العنف والقتل ضد معارضين في الجزائر وفرنسا”.
ولكن حدة التوترات بين البلدين بلغت فصلاً جديداً بعد قرار باريس ترحيل “المؤثر” بوعلام نعمان (59 عاماً) إلى الجزائر، ورفض السلطات الجزائرية استقباله بسبب ما وصفته بـ”الطرد التعسفي الذي يحرمه من الدفاع عن نفسه في فرنسا”، وإرساله إلى باريس مرة أخرى على متن نفس الطائرة.
وقال وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو للصحافيين بنبرة غاضبة إن “رفض استقبال بوعلام نعمان في الجزائر أمر غير مسبوق”، وشدد على ضرورة “الرد بحسم” ضد الحكومة الجزائرية، وهي دعوة تشارك فيها العديد من وجوه اليمين الفرنسي المتطرف، على غرار جوردان بارديلا رئيس حزب “التجمع الوطني”، وأيضاً إريك سيوتي رئيس حزب “الجمهوريين” المتحالف مع اليمين المتطرف.
ودعا رئيس الوزراء الفرنسي السابق جابرييل أتال، في مقال نشره بصحيفة “لوفيجارو”، إلى إلغاء الاتفاق الثنائي لعام 1968، الذي يحكم قواعد الإقامة المطبقة على الجزائريين.
وتناول أتال هنا مطلباً متكرراً من اليمين الفرنسي في السنوات الأخيرة، والذي يميل إلى جعل الهجرة “قضية مركزية” في العلاقة بين باريس والجزائر.
وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن اعتبر أن اتفاقية 1968 “تم إفراغها من محتواها”، ووصفها بـ”فزاعة يسير وراءها المتطرفون في فرنسا”.
“لا خيار سوى الرد”
بدوره قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن فرنسا لن يكون لديها “خيار آخر سوى الرد” إذا “واصل الجزائريون هذا الموقف التصعيدي”، ولكنه أبدى مرونة أكبر من زميله روتايو، بعدما أبدى رغبته في زيارة الجزائر لبدء حوار جاد لحل كل الخلافات العالقة ببن البلدين.
وقال بارو لقناة LCI: “إذا تمت دعوتي من قبل السلطات الجزائرية فإنني مستعد للذهاب وبحث كل الملفات، كل هذه المشاكل، واحدة تلو الأخرى، بكل صراحة وصرامة”.
وأفادت صحيفة “لوموند”، نقلاً عن مصدر حكومي فرنسي، بأن اجتماعاً عقد ظهر الجمعة، بين وزارتي الداخلية والخارجية وقصر الإليزيه، مضيفة أن باريس “تدرس اتخاذ تدابير انتقامية قد تتعلق، على سبيل المثال، بتجميد الأصول، ووقف التأشيرات الدبلوماسية، وفرض ضرائب على التحويلات النقدية”.
ويقول المسؤولون الفرنسيون إن نحو 6 ملايين فرنسي من أصول جزائرية يعيشون في فرنسا، فيما يشير “المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية” إلى أن 900 ألف جزائري يستفيدون من الإقامة الدائمة، ما يجعل الجزائريين الجالية الأجنبية الأولى في فرنسا.
الجزائر: لا نسعى لتصعيد أو إذلال
وردت الخارجية الجزائرية على التصريحات الفرنسية في قضية إعادة “المؤثر” الجزائري الذي جرى ترحيله، واتهمت اليمين المتطرف الفرنسي بـ”الانخراط في خطاب الكراهية والنزعة الانتقامية، عبر أنصاره داخل الحكومة الفرنسية، في حملة تضليل وتشويه ضد الجزائر”.
ونفت الخارجية انخراط الجزائر “في منطق التصعيد أو المزايدة أو الإذلال”، رداً على تصريحات روتايو، وقالت إنّ “اليمين المتطرف ومُمثليه هم الذين يريدون أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية-الفرنسية ضغائنهم المليئة بالوعيد والتهديد، وهي الضغائن التي يفصحون عنها علناً ودون أدنى تحفظ أو قيد”.
وبشأن الخلاف حول ترحيل المؤثر بوعلام نعمان، قالت الخارجية الجزائرية إن “المواطن الجزائري الذي صدر في حقه قرار الطرد التعسفي، يعيش في فرنسا منذ 36 عاماً، ويحوز فيها بطاقة إقامة منذ 15 عاماً، كما أنه أب لطفلين وُلدا من زواجه من مواطنة فرنسية، فضلاً على أنه مُندمج اجتماعياً ويمارس عملاً مستقراً لمدة 15 عاماً”.
وأضافت وزارة الخارجية الجزائرية أن قرار الطرد “التعسفي والمثير للجدل” كان سيحرم نعمان من الدفاع عن حقوقه خلال المحاكمة المقررة في 24 فبراير من هذا العام، مشيرة إلى أنه “لم تُتح له فرصة الاستفادة من محاكمة قضائية سليمة تحميه من التعسف في استخدام السلطة”.
واتهمت الجزائر السلطات الفرنسية بـ”انتهاك الاتفاقية القنصلية” الموقعة بين البلدين في 25 مايو 1974، وعدم إبلاغ الطرف الجزائري “لا بتوقيف هذا المواطن، ولا اعتقاله، ولا احتجازه، ولا حتى قرار طرده”.
تصريحات ماكرون
وزادت حدة الخلاف بين الجزائر وباريس بعد تصريحات أدلى بها ماكرون مؤخراً، بشأن الكاتب الجزائري الذي يحمل الجنسية الفرنسية بوعلام صنصال الموقوف في الجزائر.
واعتبر ماكرون خلال لقائه في باريس مع سفراء بلاده الأسبوع الماضي، أن “الجزائر التي نحبها كثيراً ونشترك معها في الكثير من التاريخ، تسيء لسمعتها، بعد منع رجل مريض من العلاج”، مضيفاً: “نحن الذين نحب الشعب الجزائري نطالب حكومتها بإطلاق سراح بوعلام صنصال”.
ووصف البرلمان الجزائري تصريحات ماكرون بأنها “تهور وتصرف خطير للغاية”، و”جُرم سياسي” و”عمل عدائي”.
وفي منتصف نوفمبر، أوقفت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال (مسؤول سابق في وزارة الصناعة الجزائرية) في مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، عند وصوله من فرنسا، بسبب اتهامات بـ”المساس بأمن الدولة”، وفق وسائل إعلام محلية. وصنصال كاتب معروف بقربه من اليمين المتطرف الفرنسي.
وتدهورت العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا بشكل كبير بعد تأييد باريس لخطة المغرب بشأن الصحراء، إذ استدعت سفيرها من باريس في 30 يوليو الماضي.
كما استدعت الخارجية الجزائرية في ديسمبر الماضي، السفير الفرنسي ستيفان روماتيه بسبب ما قالت وسائل إعلام رسمية إنه “تورط المخابرات الفرنسية في مخططات تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر”.