كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “نيتشر كومينيكيشن” (Nature Communications) عن تقنية بيولوجية جديدة للتحكم في الآفات تُعرف بـ”الذكر السام” قد تُحدث ثورة في مكافحة الحشرات الضارة مثل البعوض الناقل للملاريا القاتلة، من خلال تقليل عمر الإناث بشكل كبير وتقديم نتائج أسرع وأكثر فاعلية من الطرق الحالية.
وتعتمد التقنية على تعديل جيني للذكور من الحشرات لتصنيع بروتينات سامة موجهة خصيصاً للإناث، وعند تزاوج الذكور المعدلة مع الإناث، تنتقل هذه البروتينات عبر السائل المنوي، مما يؤدي إلى تقليل عمر الإناث بشكل كبير.
ويهدف التعديل الجيني إلى تقليص قدرة الإناث على التكاثر ونقل الأمراض، مثل الملاريا وحمى الضنك.
وتبدأ آلية عمل التقنية بتعديل الذكور جينياً لإنتاج بروتينات سامة تعمل فقط عند دخولها إلى جسم الإناث من النوع نفسه.
وتصنع هذه البروتينات في الجهاز التناسلي للذكور، ما يضمن أن تأثيرها يقتصر على الإناث التي تتزاوج معها، وعند حدوث هذه العملية، تنتقل البروتينات السامة إلى الإناث، وتؤثر على أعضائهن الحيوية، ما يؤدي إلى تقليل فترة حياتهن.
ويظهر التأثير المباشر لتقنية “الذكر السام” في تقليل أعداد الإناث الناقلة للأمراض بشكل سريع، فبمجرد تقصير عمر الإناث، ينخفض عدد الحشرات القادرة على نقل الأمراض بسرعة، حيث تقل فرصهن في التكاثر ونقل الأمراض، ما يجعل النتائج أكثر سرعة وفاعلية مقارنة بالتقنيات التقليدية.
مكافحة الحشرات
تُعتبر الحشرات الضارة تهديداً متزايداً للصحة العامة والزراعة عالمياً، حيث تتسبب في مئات الآلاف من الوفيات وملايين الإصابات سنوياً، إلى جانب خسائر بمليارات الدولارات في مجال الرعاية الصحية والزراعة.
وفي أنواع البعوض مثل “الزاعجة المصرية” تكون الإناث هي الوحيدة التي تلدغ وتنقل أمراضاً مثل الملاريا، وحمى الضنك، وزيكا، ومرض شيكونجونيا، والحمى الصفراء.
وتواجه المبيدات التقليدية تراجعاً في فاعليتها بسبب مقاومة الحشرات وتسبب أضراراً للأنواع غير المستهدفة والنظم البيئية.
وتُعتبر المبيدات الكيميائية الطريقة التقليدية الأكثر شيوعاً لمكافحة الحشرات، وتعمل هذه المواد على قتل الحشرات أو منعها من التكاثر.
فيما تستخدم تقنية “الحشرات العقيمة” في مكافحة الحشرات الضارة عن طريق إطلاق أعداد كبيرة من الذكور العقيمة إلى البيئة، إذ تتزاوج هذه الذكور مع الإناث، ولكن لا ينتج عن هذا التزاوج أي نسل، مما يؤدي إلى انخفاض تدريجي في أعداد الحشرات؛ وتُستخدم هذه التقنية بشكل خاص ضد ذباب الفاكهة وبعض أنواع البعوض.
وتتضمن طرق المكافحة البيولوجية استخدام كائنات حية طبيعية مثل الطفيليات، والحيوانات المفترسة، أو مسببات الأمراض (مثل البكتيريا والفيروسات) لمكافحة الآفات الحشرية، ويُعتبر هذا النهج مستداماً بيئياً لأنه يحد من الحاجة إلى المبيدات الكيميائية.
تقنية “الذكر السام”
بحسب الدراسة؛ تتفوق تقنية “الذكر السام” على الطرق الجينية الأخرى، مثل تقنية الحشرات العقيمة والحشرات الحاملة للجينات المميتة، إذ تعمل على تقليل عدد الإناث الناقلات للأمراض فوراً بعد التزاوج مع الذكور المعدلين.
ومن بين الفوائد المهمة لهذه التقنية هو تقليل الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية، بتقليل أعداد الإناث الناقلة للأمراض مباشرة، فتقل الحاجة لاستخدام هذه المبيدات التي غالباً ما تكون ضارة بالبيئة والأنواع الأخرى غير المستهدفة.
كما توفر هذه التقنية طريقة مستدامة وفاعلة لمكافحة الآفات، مما يساهم في الحفاظ على التوازن البيئي وتقليل الأضرار الناجمة عن استخدام المبيدات.
وفي التجارب المخبرية باستخدام ذباب الفاكهة تبيّن أن الإناث التي تزاوجت مع الذكور المعدلين بتقنية “الذكر السام” قد انخفض عمرها بنسبة تتراوح بين 37 و64% مقارنة بالإناث التي تزاوجت مع الذكور غير المعدلين.
وقال الباحثون إن السلامة والسلامة البيئية تشكلان الركيزة الأساسية لتقنية “الذكر السام”، إذ تعتمد على استخدام بروتينات سامة موجهة خصيصاً للحشرات الضارة دون التأثير على الكائنات الحية الأخرى.
وخضعت البروتينات المستخدمة في تلك التقنية للاختبار بعناية فائقة لضمان أنها تستهدف اللافقاريات فقط، ما يجعلها غير سامة للثدييات وغير ضارة للحشرات المفيدة، نظراً لانخفاض سمّية هذه البروتينات عند استهلاكها عن طريق الفم.
وتقدم الدراسة الحالية دليلاً قاطعاً على فاعلية هذا النهج المبتكر في قمع أعداد الأنواع الضارة، إلا أن الباحثين يؤكدون على ضرورة إجراء اختبارات سلامة دقيقة على هذه التقنية عند تطبيقها على البعوض للتأكد من عدم وجود أي مخاطر على البشر أو الأنواع الأخرى غير المستهدفة، مما يعزز من الثقة في تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع.