توفي جان ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا، الثلاثاء، عن عمر ناهز 96 عاماً، حسبما ذكرت وسائل إعلام فرنسية، الثلاثاء.
وأكد زعيم التجمع الوطني جوردان بارديلا وفاة لوبان على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”.
ومزج لوبان، السياسي الشرس، بين الشعبوية والبلاغة والكاريزما، وساعد في إعادة كتابة معالم السياسة الفرنسية عبر مسيرة امتدت 40 عاماً، ومهدت بشكل ما لصعود تجارب مماثلة مثل دونالد ترمب، من خلال تسخير استياء الناخبين بشأن الهجرة والأمن الوظيفي.
وقضى جان ماري لوبان حياته وهو يقاتل، سواءً كجندي في الحروب الاستعمارية الفرنسية، أو كمؤسس لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الذي خاض معه خمس انتخابات رئاسية، أو في نزاعات قضائية مع بناته وزوجته السابقة، والتي غالباً ما كانت تتسم بالعنف.
وهز لوبان المؤسسة السياسية الفرنسية عندما وصل بشكل غير متوقع إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية ضد جاك شيراك في عام 2002.
وكان لوبان قومياً إلى حد بعيد، ومناهضاً للاتحاد الأوروبي الذي اعتبره مشروعاً “فوق وطني” يقوم على حساب سلطات الدول القومية، مستغلاً الدوافع نفسها التي دفعت بريطانيا إلى التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ومنذ تأسيس الحزب عام 1972، لاحقت اتهامات العنصرية الجبهة الوطنية ومعها لوبان.
وخلفته ابنته مارين لوبان في رئاسة الحزب، والتي ترشحت منذ ذلك الحين للرئاسة ثلاث مرات وحولت الحزب، الذي أصبح الآن يسمى التجمع الوطني، إلى واحدة من القوى السياسية الرئيسية في البلاد.
نائب برلماني عن عمر 26 عاماً
وجذبت الحياة العسكرية جان ماري لوبان منذ صغره، وحاول وهو في السادسة عشرة من عمره، بحسب ليكسبريس، الالتحاق بقوات وزارة الداخلية الفرنسية آنذاك، دون أن ينجح في ذلك بسبب صغر سنه. وفي عام 1954، عندما كان عمره 26 عاماً، شارك لوبان في حرب الهند الصينية كجندي مظلي.
وعندما وصل لوبان إلى أرض المعركة، كانت ديان بيان فو قد سقطت بالفعل، وانتهت الحرب بسرعة بعدها، وتمكنت فيتنام من الحصول على استقلالها. وبدا انسحاب القوات الفرنسية بمثابة إذلال للوبان. وعند عودته، انخرط في السياسة ضمن حركة بيير بوجاد للدفاع عن التجار والحرفيين.
وأعطت الانتخابات التشريعية المبكرة لعام 1956 الفرصة لهذه الحركة المناهضة للمؤسسات التجارية الكبرى للقيام بحملات انتخابية. وقرر لوبان في ذلك الوقت أن يطلق على نفسه اسم جان ماري، وبدأ بالقيام بجولات في مختلف أنحاء فرنسا. داعياً إلى “طرد جميع القادة الفاسدين والعاجزين”.
وخلال الاقتراع، فاز “البوجاديون” بأكثر من 11% من الأصوات، وحصلوا على 52 مقعداً في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)، بينهم لوبان.
التعذيب في الجزائر
وتقول صحيفة “لوموند” الفرنسية، التي شاركت في تأليف كتاب “لوبان والتعذيب. الجزائر 1957، قصة ضد النسيان”، لصاحبه فابريس رايسبوتي، إنه لا أحد يشك جدياً في ممارسة الملازم لوبان للتعذيب خلال حرب الجزائر. كما أن جان ماري نفسه لم ينكر ذلك.
وتنقل الصحيفة عن لوبان قوله في مايو 1957 خلال معركة في الجزائر العاصمة: “لقد تلقينا مهمة وأنجزناها وفق الضرورة التي تتطلب وسائل غير قانونية.. إذا كان من الضروري استخدام العنف لاكتشاف موقع زرع القنابل، وإذا كان من الضروري تعذيب رجل واحد لإنقاذ مائة، فإن التعذيب أمر لا مفر منه، وبالتالي، في الظروف غير الطبيعية التي يُطلب منا التصرف فيها، فهو عادل”.
وعاد لوبان مرة أخرى ليعترف، وكان حينها نائباً عن “البوجاديين” في 9 من نوفمبر 1962، بعده انتهت الحرب وضمن الإفلات من أي نوع من العقاب بموجب عفو، عندما قال لصحيفة “كومبات” (المعركة): “ليس لدي ما أخفيه. لقد عذبت لأنني اضطررت إلى ذلك”، وفق قوله.
وفاز زعيم الجبهة الوطنية آنذاك في جميع قضايا التشهير التي رفعها حتى عام 2000، لكن مع مرور السنوات، تراكمت القصص والشهادات.
وفي يوليو 1984، قام لويس ماري هورو، من صحيفة “لو كانارد أونشينيه” بجمع قصص من الضحايا، ثم نشرت صحيفة “ليبراسيون” تقريراً على صفحتها الأولى في 12 فبراير 1985 بعنوان: “تعذيب على يد لوبان”.
كما نشر ليونيل دوروي وجويل ستولز رواية مفصلة تحكي عن خمسة ضحايا ومحنتهم، ويروي أحدهم عملية إعدام لسجين نفذها الملازم لوبان أمام عينيه.
توديع السياسة
وبعد خروجه من البرلمان الأوروبي عام 2019، أصبح جان ماري لوبان أكثر تحفظاً، ويكتفي بالتعليق من وقت لآخر على الأخبار السياسية، كما فعل بعد النتائج التي حققها التجمع الوطني في فرنسا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وظهر اسم جان ماري لوبان بشكل منتظم في الصحافة الفرنسية، خصوصاً مع تواتر التقارير التي تتحدث عن تراجع وضعيته الصحية إلى جانب متاعبه القانونية وزواجه مؤخراً عام 2021 للمرة الثانية.
وفي خريف عام 2024، غاب لوبان عن محاكمة المساعدين البرلمانيين لحزب التجمع الوطني، بعدما اعتبر الخبراء القانونيون أن حالته الصحية لا تسمح بحضوره الجلسة.
ومن المرتقب أن يُدفن جان ماري لوبان، إلى جانب والده، في مقبرة ترينيتي سور مير، حيث تمتلك عائلته قطعة أرض. وبحسب تصريحات أدلى بها لصحيفة “ليكسبريس” الفرنسية عام 2018، فإن لوبان سيكون له شاهد قبر لن يظهر عليه سوى “جان ماري”.