أظهرت دراسة حديثة أن النشاط البدني المنتظم قبل تشخيص الإصابة بالسرطان قد يقلل بشكل كبير من مخاطر تطور المرض والوفاة.
وأشارت الدراسة التي نُشرت في “دورية الطب الرياضي” البريطانية إلى أن حتى مستويات منخفضة نسبياً من النشاط البدني قد تكون لها فوائد كبيرة حال الإصابة بمرض السرطان.
ويُعد السرطان من الأسباب الرئيسية للوفيات المبكرة على مستوى العالم، وفي عامَي 2019 و2020، تسببت الأورام السرطانية في نحو 10 ملايين حالة وفاة سنوياً على مستوى العالم.
وقادت الدراسة الباحثة “كامران علام” من جامعة “سابينزا” في روما بإيطاليا، بالتعاون مع باحثين آخرين من جامعة “نيد للتكنولوجيا” وجامعة “الملك سعود”، حيث استعرضوا العلاقة بين النشاط البدني ونتائج السرطان.
وأُجري البحث باستخدام بيانات مجهولة من برنامج التأمين الصحي، وهو أكبر برنامج تأمين طبي مفتوح في جنوب إفريقيا، والذي يغطي نحو 2.8 مليون مستفيد.
وقالت الدراسة إنه بالنسبة للأشخاص الذين تم تشخيصهم بالسرطان بالفعل، قد تؤثر العوامل القابلة للتعديل على خطر تقدم المرض والانتكاسة والوفاة.
ورصدت الدراسة وجود دلائل قوية على أن مستويات النشاط البدني المعتدل إلى الشديد تلعب دوراً كبيراً في تقليل معدل الوفيات بسبب السرطان، إذ أظهرت أن ممارسة مستويات عالية من النشاط البدني مقارنة بالمستويات المنخفضة بين مرضى السرطان قبل التشخيص أو بعده يرتبط بتقليص الوفيات الخاصة بالسرطان بنسبة 18%.
تقلل من خطر الوفاة
كما أظهرت مراجعة منهجية أُجريت من قِبَل لجنة الإرشادات الأميركية للنشاط البدني في 2018، أن ممارسة النشاط البدني بمستويات عالية قد تقلل من خطر الوفاة بنسبة 40 إلى 50% في حالات سرطان الثدي، والقولون، والبروستاتا.
وحلل الفريق البحثي للدراسة الجديدة بيانات النشاط البدني لـ28 ألفاً و248 من المشاركين الذين تم تشخيصهم بسرطان المرحلة الأولى في الفترة بين 2007 و2022.
وتم تصنيف مستويات النشاط البدني في العام الذي سبق التشخيص إلى 3 فئات هي “عدم وجود نشاط مسجل، نشاط منخفض (60 دقيقة أو أقل من النشاط البدني المعتدل أسبوعياً)، ونشاط معتدل إلى مرتفع (60 دقيقة أو أكثر من النشاط البدني المعتدل أسبوعياً)”.
وبيّنت نتائج الدراسة أنه بعد أخْذ العديد من العوامل المؤثرة في الاعتبار، مثل العمر عند التشخيص، والجنس، والمستوى الاقتصادي والاجتماعي، وحالات الأمراض المصاحبة، فإن معدلات تَقدُّم السرطان والوفاة من أي سبب كانت أقل بين الأشخاص الذين مارسوا النشاط البدني في العام الذي سبق التشخيص.
وكانت احتمالات تَقدُّم المرض أقل بنسبة 16% لدى الذين مارسوا مستويات منخفضة من النشاط البدني مقارنة بمن لم يمارسوا أي نشاط بدني، كما كانت الاحتمالات أقل بنسبة 27% لأولئك الذين مارسوا مستويات معتدلة إلى مرتفعة من النشاط.
وبالمثل، كانت احتمالات الوفاة من أي سبب أقل بنسبة 33% بين الذين مارسوا النشاط البدني المنخفض، وبنسبة 47% لأولئك الذين مارسوا النشاط المعتدل إلى المرتفع.
وبعد مرور عامين من التشخيص، كانت احتمالات عدم تَقدُّم المرض 74% لأولئك الذين لم يمارسوا أي نشاط بدني، مقارنة بـ 78% و80% على التوالي لأولئك الذين مارسوا النشاط المنخفض والمعتدل إلى المرتفع.
ومع مرور الوقت، استمرت الفروق في فرص تقدم المرض بين المجموعات، حيث كانت الاحتمالات أقل لأولئك الذين مارسوا النشاط البدني.
ورغم أن الدراسة رصدية ولا يمكنها إثبات العلاقة السببية، إلا أن هناك تفسيرات بيولوجية محتملة للنتائج.
تعزيز النشاط البدني
من أبرز هذه التفسيرات هو كيفية تعزيز النشاط البدني للجهاز المناعي من خلال زيادة عدد الخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا اللمفاوية.
وقد يساعد النشاط البدني أيضاً في تقليل مخاطر تقدم السرطان المرتبط بالهرمونات، مثل سرطان الثدي والبروستاتا، من خلال تنظيم مستويات الاستروجين (هرمون الأنوثة) والتستوستيرون (هرمون الذكورة).
وأكد الباحثون أن النشاط البدني قد يُقدّم فوائد كبيرة من حيث التقدم في المرض والوفيات بشكل عام لأولئك الذين تم تشخيصهم بالسرطان.
وأضافوا أن “في عالم يشكل فيه السرطان عبئاً كبيراً على الصحة العامة، يمكن أن يحقق تعزيز النشاط البدني فوائد مهمة فيما يتعلق بتقدم المرض بالإضافة إلى الوقاية منه وإدارته”.
ولا تقتصر ممارسة النشاط البدني على تقليل معدلات الإصابة بالسرطان، بل قد يكون لها أيضاً تأثير إيجابي على الحد من خطر التقدم في المرض، والانتكاسات، والوفاة، إذ تدعم الأدلة القوية الفكرة القائلة إن “مستويات النشاط البدني المرتفعة ترتبط بتقليل خطر الإصابة بالسرطان بنسبة تصل إلى 11% مقارنة بالمستويات الأدنى”.