مع اقتراب التصويت الحاسم على رئاسة مجلس النواب الأميركي، الجمعة، يجد رئيس المجلس مايك جونسون نفسه في موقف محفوف بالتحديات، رغم الدعم العلني الذي أعلنه الرئيس المنتخب دونالد ترمب.
الانقسامات داخل الحزب الجمهوري والتأييد المحدود لجونسون يثيران مخاوف بشأن قدرة الحزب على توحيد صفوفه، وتجنب حالة من الشلل السياسي في بداية الدورة الجديدة للكونجرس.
دعم ترمب ليس كافياً
وأعلن ترمب، الاثنين، دعمه الكامل لجونسون عبر منشور مطول على منصته Truth Social، قائلاً: “مايك جونسون رجل متدين ومجتهد. لديه دعمي الكامل، وسيقوم بالعمل الصحيح. لا يمكننا تفويت هذه الفرصة العظيمة”.
جونسون، بدوره، شكر ترمب علناً، ووعد بالعمل السريع على تنفيذ أجندة “أميركا أولاً”، قائلاً: “أنا ممتن لدعمك. سنعمل معاً لتحقيق التغيير الذي يستحقه الشعب الأميركي”.
هذا الدعم من ترمب جاء بعد أسابيع من الشكوك إزاء موقف الرئيس المنتخب من جونسون، خاصة بعد التوترات التي نشبت داخل الحزب بشأن مشروع قانون تمويل الحكومة، الذي قدمه جونسون. ومع ذلك، لم يكن هذا الدعم كافياً لإقناع جميع الجمهوريين.
انقسامات داخل الحزب.. معارضة وصمت
وفي حين أن كل الجمهوريين لا يتبعون توجيهات ترمب، قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن المعركة تعد اختباراً للأغلبية الضيقة للحزب الجمهوري، وتنذر بمعركة مطوّلة في مجلس النواب، الجمعة.
النائب توماس ماسي من كنتاكي أعلن بوضوح أنه سيصوّت ضد جونسون، موجهاً انتقادات حادة لدعمه تمويل أوكرانيا، وطريقة تعامله مع قضايا الإنفاق، قائلاً: “أحترم وأدعم الرئيس ترمب، لكن تأييده لمايك جونسون لن يكون له نفس تأثير تأييده لرئيس مجلس النواب بول رايان. لقد رأينا جونسون يتعاون مع الديمقراطيين لإرسال الأموال إلى أوكرانيا، والسماح بالتجسس على الأميركيين، وتفجير الميزانية”.
ورد الملياردير إيلون ماسك على ماسي قائلاً إن تقييمه لجونسون ربما يكون صحيحاً، لكنه اقترح منح جونسون فرصة في العام الجديد. وأردف: “دعونا نرى كيف تسير الأمور”.
أما النائب أندي بيجز من أريزونا بدوره، قال إنه لن يتخذ قراره النهائي قبل التحدث مع جونسون بشأن خططه لمعالجة القضايا المالية.
من جانبها، طالبت النائبة فيكتوريا سبارتز من إنديانا، بضمانات من جونسون بعدم الخضوع لنفوذ المؤسسة التقليدية، وقدمت قائمة مطالب تشمل تعيين خبراء مستقلين لدعم اتخاذ القرار في المجلس.
التصويت.. معركة أرقام حاسمة
ويعد انتخاب رئيس مجلس النواب أول بند من جدول أعمال الكونجرس في اليوم الافتتاحي، والذي يوافق ظهر يوم 3 يناير، كما ينص الدستور.
ووفقاً لصحيفة “ذا هيل”، لا يستطيع مجلس النواب ممارسة أي عمل حتى يُنتخب رئيساً له، ما يعني أن المجلس سيظل مشلولاً حتى يفعل ذلك.
ويتطلّب انتخاب رئيس المجلس الحصول على 218 صوتاً، شريطة أن يكون جميع الأعضاء حاضرين ويصوتون. مع وجود 219 جمهورياً في المجلس، لا يستطيع جونسون تحمل خسارة أكثر من صوت واحد. وحتى الآن، أعلن النائب توماس ماسي معارضته، مما يضع جونسون في وضع حرج.
إذا صوّت أحد الأعضاء بـ”حاضر” أو تغيّب عن التصويت، ربما تتغير الحسبة، مما يزيد من تعقيد الموقف. الديمقراطيون، من جانبهم، سيصوتون جميعاً لصالح زعيم الأقلية حكيم جيفريز، ما يجعل أي انشقاق جمهوري عائقاً مباشراً أمام جونسون.
تداعيات الفشل.. شلل سياسي وتأخير للأجندة
في حال فشل جونسون في تأمين الأغلبية، سيظل مجلس النواب مشلولاً حتى يُنتخب رئيس جديد، وهو سيناريو مشابه لما حدث في يناير 2023، عندما استغرق انتخاب كيفين مكارثي 15 جولة تصويت. هذا التأخير ربما يُعرقل المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية في 6 يناير، وهو إجراء حاسم لتثبيت فوز ترمب.
وقال النائب الجمهوري من فلوريدا بريان ماست لشبكة Fox News، الأحد، إنه في حين يعتقد أن جونسون سيكون “رئيساً رائعاً للمجلس”، فإن بعض زملائه يمتنعون عن دعمه علناً قبل التصويت، الجمعة، للمطالبة بتنازلات من جونسون، على غرار الطريقة التي تعاملوا بها مع انتخاب مكارثي.
وأضاف أن “الأعضاء في مجلس النواب يدركون أن هذه فرصة لهم للتفاوض”.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه المجلس موعداً نهائياً في 14 يناير لرفع سقف الدين، وهو إجراء ضروري لتجنب تعثر الحكومة الأميركية عن سداد ديونها. أي تأخير في انتخاب رئيس للمجلس ربما يعطل هذه العملية، ويؤدي إلى أزمة مالية.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن ترمب أعرب في جلسات خاصة عن غضبه إزاء فشل جونسون خلال مفاوضات نهاية الدورة هذا الشهر في تلبية مطلبه المتأخر بأن تتضمن حزمة الإنفاق في نهاية العام تعليق سقف الديون، وهو ما كان سيجنبه الاضطرار إلى التعامل مع سقف الاقتراض الفيدرالي عندما يتولى منصبه.
ضغوط على ترمب لتوحيد الصفوف
مع تصاعد الانقسامات، دعا بعض الجمهوريين ترمب إلى التدخل بشكل أكبر لإقناع المعارضين. النائب من كنتاكي جيمس كومر، قال إنه “يشجع الرئيس ترمب على الاتصال بالنواب المترددين لدعم جونسون”.
وأضاف: “أحض دونالد ترمب بشدة على الاتصال هاتفياً بهؤلاء الأعضاء الخمسة أو الستة الذين لن يلتزموا بالتصويت لمايك جونسون، لأن كل هذا لن يؤدي إلا إلى تأخيرنا”.
وتابع: “سيؤدي ذلك إلى تأخير التصديق على انتخاب الرئيس ترمب. وسيؤدي إلى تأخير بداية أول 100 يوم له في منصبه، وهو الإطار الزمني الأكثر أهمية في رئاسته بأكملها”.
رغم دعم ترمب، ومليارديرات مثل إيلون ماسك، يظل مصير مايك جونسون معلقاً بخيوط رفيعة. فالانقسامات داخل الحزب الجمهوري وعدم الالتزام الكامل بالدعم يشكلان تهديداً حقيقياً لإعادة انتخابه.
وتصويت، الجمعة، لن يكون فقط اختباراً لجونسون، بل سيحدد مدى قدرة الجمهوريين على تجاوز خلافاتهم، وتوحيد صفوفهم لتنفيذ أجندة ترمب في ولايته الثانية.