أطلق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال الأيام الأخيرة، تصريحات وُصفت بالصادمة، قبل أيام من عودته إلى البيت الأبيض، على غرار رغبته بضم جرينلاند وإعادة السيطرة على قناة بنما، واقتراح جعل كندا الولاية الأميركية رقم 51.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن فريق ترمب قوله إن “تصريحاته الأخيرة هي جزء من استراتيجية أوسع” بشأن سياسته الخارجية.
وقبل أقل من شهر من تنصيبه، يقوم ترمب، الذي تعهد بإنهاء الحروب في العالم وإعادة إحلال السلام، بصياغة سياسة خارجية بشعار “أميركا أولاً”، تتسم بالعداء تجاه حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء، وتركز حول أحلام التوسع الإقليمي.
ولفت تقرير الصحيفة، إلى أن السياسة الخارجية الأميركية خلال فترة ترامب الأولى تميزت بـ”الانحرافات شبه المستمرة” عن الاتفاقيات الدبلوماسية والالتزامات الدولية السابقة، وتم تحديدها من خلال سياسة “حافة الهاوية” غير المتوقعة سياسياً واقتصادياً.
تصريحات ترمب “ليست تهوراً”
وذكرت المتحدثة باسم فريق ترمب الانتقالي آنا كيلي، أن “زعماء العالم يتدافعون إلى الطاولة لأن الرئيس ترمب يفي بوعده أن يجعل أميركا قوية مرة أخرى، وعندما يتولى منصبه رسمياً، ستفكر الدول الأجنبية مرتين قبل تمزيق بلدنا، وستحظى أميركا بالاحترام مرة أخرى، وسيصبح العالم كله أكثر أماناً”.
وقال أحد المسؤولين في فريق ترمب الانتقالي لـ”واشنطن بوست”، إن المهمة الشاملة المتمثلة في مواجهة روسيا والصين، هي “الخيط المشترك” الذي يربط تعليقات ترمب بكندا والمكسيك وجرينلاند وبنما، علماً أن ترمب لم يستخدم هذه الحجة حتى الآن.
وأضاف المسؤول: “هذا ليس مجرّد تهور، فهناك نسيج متماسك بشأن كل هذا.. وترمب يعرف كيف يزن الأمور”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن المسؤولون الكنديون عن خطة لزيادة الإنفاق على أمن الحدود، واستخدام الكلاب والذكاء الاصطناعي لاعتراض المخدرات غير المشروعة.
واعتبر فريق ترمب أن هذا الإعلان “مؤشر مبكر على نجاح استراتيجية ترمب”.
خطر تدهور العلاقات
ولكن استراتيجية ترمب لا تقنع الجميع، إذ قال النائب الجمهوري السابق كارلوس كوربيلو لشبكة “إم إس إن بي سي” هذا الأسبوع، إن رسائل ترمب قد “تؤدي إلى تدهور” العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أخرى، مما قد يجعل من الصعب بناء تحالفات دولية في المستقبل.
وأضاف كوربيلو أن “مثل هذه الإهانات قد تستفزهم وتدفعهم إلى مواجهة مع الولايات المتحدة”، ولكنه استبعد أن تتحول هذه المواجهة إلى “صراع عسكري”، ولكنه حذر من “الخطر حتى لو كان تكتيكاً تفاوضياً”.
ولم يهتم المسؤولون الكنديون بتصريحات ترمب، ومن غير المرجح أن يظهروا أي استعداد لمناقشة هذه الفكرة، كما لم يعرب المشرعون الأميركيون على نطاق واسع عن استعدادهم لضم كندا.
وقال رئيس وزراء جرينلاند إن الجزيرة “ليست للبيع”، كما أكد الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو أن “كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها ملك لبنما، وسيظل كذلك”.
أطماع ترمب في جرينلاند
خلال الإعلان عن اختياره لكين هويري سفيراً لدى الدنمارك، الأحد، عبّر ترمب عن رغبته في ضم جزيرة جرينلاند، الإقليم الدنماركي شبه المستقل، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدة جوية هناك في أقصى شمال الجزيرة.
وكتب ترمب على شبكته Truth Social: “لأغراض الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة أن ملكية جرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة”.
وسعى ترمب إلى فكرة شراء جرينلاند منذ عام 2019 على الأقل، عندما دفع خلال فترته الأولى كبار مساعديه إلى النظر في عملية الاستحواذ على أكبر جزيرة في العالم، وما إذا كان شراؤها سيكون قانونياً، ومن أين قد يأتي بالأموال لشراء الكتلة الأرضية الجليدية الشاسعة.
وجاءت الفكرة من صديق قديم لترمب، وهو رونالد لودر، وريث شركة مستحضرات التجميل إستي لودر، الذي طرح عليه الخطة في بداية ولايته الأولى.
ورغم أن الأمر يبدو غير منطقي، فإن الأهمية الاستراتيجية للجزيرة كانت قضية قائمة منذ فترة طويلة في السياسة الخارجية الأميركية.
ولم يكن إعلان ترمب “غير متوقع” بناءً على مواقفه السابقة، كما قال دبلوماسي دنماركي سابق تعامل مع القضية خلال إدارة ترمب الأولى.
وزار مايك بومبيو، ثاني وزير خارجية في فترة ترمب الأولى، المنطقة في يونيو 2020 بعد وقت قصير من إعادة الولايات المتحدة فتح قنصليتها الأولى في جرينلاند، لأول مرة منذ عام 1953.
وسلّط بومبيو الضوء على وجود أميركا في القطب الشمالي، وتقويض الجهود الصينية والروسية للحصول على موطئ قدم في الجزيرة الغنية بالموارد الطبيعية.
وأضاف الدبلوماسي السابق لـ”واشنطن بوست”: “من المحتمل أن يحدث شيء ما مع جرينلاند على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة.. قد تصبح جزيرة مستقلة”، معتبراً أنهم “يتحركون في الاتجاه الذي تراه الولايات المتحدة كجزء من منطقة نفوذها”.
هوس ترمب بقناة بنما
وفي سلسلة منفصلة من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي في نهاية الأسبوع الماضي، صعّد ترمب تهديداته باستعادة السيطرة على قناة بنما، متهماً الحكومة المحلية رفع أسعار الشحن والسماح للجنود الصينيين بتشغيل الممر المائي، وهي ادعاءات نفاها الرئيس مولينو.
وقال مولينو خلال إحاطة الأسبوع الماضي، مخاطباً ترمب مباشرة: “لا يوجد جنود صينيون في القناة.. هذا هراء، لا يوجد جندي صيني واحد في القناة”.
ووفقاً لجون فيلي، الذي شغل منصب سفير أميركا في بنما، فإن هوس ترمب بقناة بنما طويل الأمد.
وقال فيلي إن ترمب شعر أن الرئيس السابق جيمي كارتر ارتكب “خطأ تاريخياً” بتوقيع معاهدتين تخلتا عن السيطرة الأميركية على القناة، مشيراً إلى أن مواقف ترمب تتطابق مع موقف الرئيس السابق رونالد ريجان، بأن الولايات المتحدة “المالك الشرعي” للقناة.
وعندما أثار ترمب هذه المسألة خلال اجتماعه الأول مع الرئيس البنمي آنذاك خوان كارلوس فاريلا في عام 2017، تهرب فاريلا عن الإجابة من خلال الحديث عن سوريا، وفقاً لفيلي.
وقال فيلي: “النم لا يغير خطوطه، لدى ترمب تاريخ مع هذه الأفكار، هذه الأفكار لا تأتي من العدم”، مضيفاً أن “ترمب يزدهر في الفوضى، يشعر أن هذا النهج للشؤون الدولية يجعله والولايات المتحدة قويين”.
وتابع فيلي: “إنها إلى حد كبير نظرية الرئيس السابق ريتشارد نيكسون المجنون (بين 1969-1974) الذي لا يمكن السيطرة عليه”، في إشارة إلى استراتيجية إدارة نيكسون في تنمية صورة رئيس متقلب وغير متوقع، لترهيب وزعزعة استقرار الخصوم.
وتبدو رؤى ترمب التوسعية متناقضة مع الوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية بشأن عدم التدخل في الصراعات الخارجية، حيث زعم أن الولايات المتحدة يجب أن تحد من الإنفاق للدفاع عن أوكرانيا، وانتقد حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
لكن مواقفه تعكس السياسة الخارجية المبكرة للرئيس الأميركي السابق وودرو ويلسون (بين 1913–1921)، أحد أوائل السياسيين الذين خاضوا الانتخابات بشعار “أميركا أولاً”.
ويشير الأميركيون إلى جهود ويلسون الكبيرة لتعزيز النظام الدولي من خلال إنشاء عصبة الأمم. لكنه ترشح لمنصب الرئيس تحت شعار “لقد أبقانا بعيداً عن الحرب”، حيث تعهد بإبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الحرب العالمية الأولى.
ولكن شعوب هايتي وجمهورية الدومينيكان والمكسيك يختلفون مع هذا الشعار، نظراً للتدخل الأميركي في هذه البلدان خلال فترة ويلسون الأولى.
الخط الفاصل بين الخطاب والحرب
ورغم أن العديد من حلفاء ترمب يتجاهلون تهديداته باعتبارها جزءاً من خطته المعتادة في التفاوض، إلا أن البعض لديهم مخاوف حقيقية بشأن ما إذا كان سيتجاوز الخط الفاصل بين الخطاب القاسي والحرب الاقتصادية والتدخل العسكري.
وهدد ترمب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات المكسيكية لوقف تدفق المخدرات غير المشروعة، وناقش سراً فكرة استهداف عصابات المخدرات في المكسيك بالصواريخ.
وبدلاً من استبعاد الفكرة، التي حذر المسؤولون المكسيكيون من أنها ستدمر كل التعاون الأمني بين البلدين، أشار العديد من المرشحين الرئاسيين خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في عام 2024، إلى دعم ترمب لاستخدام القوة العسكرية لوقف الاتجار بمخدر “الفنتانيل”.
وذكر مستشار في السياسة الخارجية، قالت الصحيفة إن لديه نظرة واسعة لعملية انتقال الرئيس المنتخب، أن تصريحات ترمب إلى حد بعيد “مجرد مواقف”، إلا أن هناك اتفاق بالإجماع خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري على أن شن حرب على العصابات يعتبر “نهجاً خطيراً”.
وتشير التعيينات المبكرة لمسؤولين يتحدرون من أميركا اللاتينية، في مناصب رفيعة المستوى، إلى نية ترمب في التركيز على نصف الكرة الغربي.
واختار ترامب السيناتور ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا)، لمنصب وزير الخارجية، وكريستوفر لاندو، سفيره الأول في المكسيك، لمنصب نائب وزير الخارجية، وموريسيو كلافير كاروني، الذي شغل منصب نائب مساعد الرئيس والمعروف بأفكاره المتشددة، كمبعوث خاص لأميركا اللاتينية.
ولن تكون بعض اختيارات ترمب، مثل روبيو والنائب مايكل والتز (جمهوري من فلوريدا)، الذي تم اختياره للعمل كمستشار للأمن القومي، غريباً في أي إدارة رئاسية جمهورية. لكن اختيارات ترمب الأخرى، مثل كلافير كاروني وريتشارد جرينيل، الذي عينه ترامب مبعوثاً رئاسياً للمهام الخاصة، هي شخصيات أكثر إثارة للجدل، حتى داخل الدوائر المحافظة.