تشهد الأسواق السورية حالة غير مسبوقة من الفوضى وعدم الاستقرار بسبب تعدد العملات المتداولة، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية خانقة.
وأصبح التعامل بالليرة السورية والدولار الأميركي والليرة التركية جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للسوريين، ما أدى إلى تباين كبير في الأسعار، وشعور متزايد بالارتباك بين المواطنين.
ويعاني التجار من صعوبة تحديد الأسعار بسبب تقلبات سعر الصرف، بينما يواجه المواطنون تحديات حقيقية في التنقل بين المناطق وشراء السلع الأساسية، التي تتأثر بشكل مباشر بتذبذب هذه العملات.
وتسبب تسعير السلع بالعملات المختلفة في حدوث تفاوتات كبيرة في أسعار نفس السلعة من منطقة إلى أخرى.
وخلق هذا الوضع حالة من الفوضى لا تقتصر على السلع الترفيهية فقط، بل شملت المواد الأساسية، مثل المواد الغذائية، والوقود، والأدوية، وغيرها من الحاجيات الضرورية.
الأسواق.. “ساحة تلاعب” بالأسعار
يقول أيمن إبراهيم، بائع أدوات كهربائية في منطقة جرمانا بريف دمشق، إن “من الصعب تحديد سعر ثابت لأي سلعة، فالتجار يتعاملون مع عملات متعددة، مما يسبب تعقيداً في تحديد الأسعار، ومع تغير سعر الصرف المستمر، لا يمكننا وضع أسعار ثابتة، وهذا يؤثر على أرباحنا، خاصة إذا اشترينا بضائع بأسعار مرتفعة ثم بعناها بأسعار منخفضة”.
ويضيف أيمن: “الفوضى الحالية تعود إلى تدهور قيمة العملة السورية، مما يضطرنا لاستخدام ثلاث عملات في وقت واحد، وهذا يعقد أكثر عملية البيع والشراء”.
بدوره يروي مرهف أحمد، الذي يعيش في منطقة دويلعة بدمشق، تجربته اليومية قائلاً: “أصبحت التنقلات بين المدن عبئاً إضافياً، حيث تستخدم كل مدينة عملة مختلفة، ما يجعل من الصعب فهم الأسعار”.
وتابع: “على سبيل المثال، إذا كنت مسافراً من دمشق إلى حلب، قد أواجه أسعاراً مختلفة لنفس السلعة بسبب تقلبات العملة، كما أن بعض المحلات تفضل التعامل بالدولار أو الليرة التركية، ما يستدعي مني تبديل العملة عدة مرات”.
غياب الرقابة على الصرف والتسعير
تحذر العديد من المصادر الاقتصادية من فوضى الصرف وتلاعبات أسعار العملات، التي تشكل تهديداً حقيقياً للمواطنين.
ويقول صاحب محل للصرافة في شارع المحافظة بدمشق، إن “معظم الأشخاص الذين يبيعون العملات ليسوا محترفين بل يعملون كوسطاء لصالح تجار أكبر، ما يؤدي إلى تلاعب في الأسعار، ويتعرض المواطنون للاحتيال، إذ يتم بيع عملات مزورة أو بأسعار غير حقيقية”.
ويضيف: “من الضروري أن يكون لدى المواطنين الوعي الكافي للتعرف على علامات التزوير والاعتماد على مصادر موثوقة، ولكن الافتقار للرقابة يجعل السوق عرضة للتلاعب”.
من جانب آخر، يرى العديد من التجار أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر دون تدخل من الجهات المعنية لتوحيد سعر الصرف، وتحديد آلية عادلة لأسعار السلع.
ويقول خالد، أحد الباعة في سوق الصالحية: “لا يمكن لهذه الفوضى أن تستمر، ويجب على الجهات المسؤولة وضع خطة لضبط السوق، سواء من حيث الأسعار أو من حيث التعامل بالعملات، الوضع الحالي لا يخدم المواطن البسيط، بل يستفيد منه فقط المتلاعبون بالأسعار”.
آمال بحلول اقتصادية
ويقول المستشار الاقتصادي أسامة قاضي إن تحول بعض البلدان لاستخدام عملات أكثر استقراراً في أسواقها ليس ظاهرة جديدة، بل هو أمر طبيعي في الدول التي تعاني من اضطرابات اقتصادية أو أمنية.
ويشير قاضي إلى ما حدث في لبنان، حيث أصبح التسعير يتم بالدولار واليورو بجانب الليرة اللبنانية، نتيجة تقلبات العملة المحلية، معتبراً أن التحول نحو العملات الأجنبية يعكس غياب الاستقرار الاقتصادي، لكنه لا يعني استبعاد العملة المحلية بل هو انعكاس لتقلبات السوق.
ويضيف قاضي أن استقرار العملة المحلية قد يؤدي تدريجياً إلى تقليص التعامل بالعملات الأجنبية.
وأشار قاضي إلى التحديات التي تواجهها الحكومة في مراقبة مراكز الصرافة، مشدداً على ضرورة أن تقتصر هذه المراكز على تسهيل عمليات الصرف دون أن تتحول إلى بؤر للمضاربات.
كما شدد على ضرورة تفعيل دور لجنة مراقبة صرف العملات التابعة للبنك المركزي لضبط حركة الصرف، خاصة في ظل وجود ممارسات غير قانونية في بعض مراكز الصرافة، قد تساهم في تعطيل استقرار العملة الوطنية.
من جهة أخرى، وضح قاضي أن التاجر السوري يواجه تحدياً كبيراً في تحديد الأسعار بدقة وسط فوضى التقلبات السعرية المستمرة.
تقلبات سعر صرف الليرة السورية
وشهد سعر صرف الليرة السورية ارتفاعاً بنسبة تقارب 20% أمام الدولار الأميركي في الأيام التي تلت سقوط نظام بشار الأسد، وذلك نتيجة لتدفق آلاف السوريين من لبنان والأردن، فضلاً عن رفع القيود الصارمة على تداول العملات الأجنبية.
وكان استخدام العملات الأجنبية في المعاملات اليومية في الماضي يعرض السوريين للملاحقة القانونية، بل كان البعض يتجنب الحديث عن “الدولار” في الأماكن العامة.
وفي أول نشرة أسعار رسمية منذ الإطاحة ببشار الأسد في 8 ديسمبر، حدد مصرف سوريا المركزي سعر صرف الليرة مقابل الدولار في المؤسسات المالية والبنوك عند 12 ألفاً و500 ليرة.
ووفقاً لآخر نشرة صدرت عن مصرف سوريا المركزي بتاريخ 24 ديسمبر، بلغ سعر صرف الدولار 14 ألفاً و500 ليرة سورية، وذلك للمصارف وشركات ومكاتب الصرافة، بالإضافة إلى الحوالات الخارجية والأفراد.
أما بالنسبة لليرة التركية، فقد سجل سعر صرفها مقابل الليرة السورية في سوق دمشق 363 ليرة للبيع و350 ليرة للشراء.
وفي السوق الموازية (السوق السوداء) يظهر التباين جلياً بين المدن السورية في تحديد سعر صرف الليرة مقابل الدولار، حيث يسجل سعر شراء الدولار في إدلب 13 ألفاً و600 ليرة، مقابل 13 ألفاً و500 ليرة في حلب، و13 ألفاً و400 ليرة في دمشق.
واعتبر قاضي أن استقرار الأوضاع الاقتصادية سيسهم في تحسين أداء السوق، وضبط الأسعار بشكل أكثر فعالية.
ومع ذلك، قال إن مكافحة الاحتكار تعتبر من أكبر التحديات، إذ يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل غير مبرر ويعطل حركة السوق، مشدداً على ضرورة أن تركز الحكومة على مراقبة أسواق الصرف وضبط السياسات الاقتصادية، دون التدخل المباشر في الأنشطة الاقتصادية مثل الشركات الخاصة.
وأكد قاضي أن نجاح استقرار الاقتصاد السوري يعتمد على استمرار الجهود الوطنية لدعم العملة المحلية، وضبط الأسعار، ومراقبة الأسواق لضمان عدم تلاعب البعض بها على حساب المواطنين.