شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على بقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة على الحدود السورية، والتي تم الاستيلاء عليها بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر “يضمن أمن إسرائيل”، على حد وصفه، وهو ما يعني طمس الحدود مع جارتها الشمالية.
وأدلى نتنياهو أدلى بهذه التصريحات من قمة جبل الشيخ، أعلى قمة في المنطقة، داخل سوريا، على بعد حوالي 10 كيلومترات من الحدود مع مرتفعات الجولان، التي تحتلها إسرائيل.
وكانت هذه المرة الأولى التي يضع فيها مسؤول إسرائيلي كبير قدمه في داخل الأراضي السورية إلى هذا الحد. وقال نتنياهو إنه كان على نفس قمة الجبل قبل 53 عاماً كجندي في وحدة إسرائيلية، وأضاف: “لم يتغير المكان، إنه نفس المكان، لكن أهميته لأمن إسرائيل نمت فقط في السنوات الأخيرة، وخاصة في الأسابيع الأخيرة مع الأحداث الدرامية في سوريا”.
وأثار استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة، وهي منطقة منزوعة السلاح تبلغ مساحتها نحو 400 كيلومتر مربع (155 ميلاً مربعاً) في الأراضي السورية، موجة من الإدانة، إذ اتهم المنتقدون إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار المبرم في عام 1974، وربما استغلال الفوضى في سوريا في أعقاب الإطاحة بالأسد للاستيلاء على مزيد من الأراضي.
ومنذ تأسيسها في عام 1948، لم يكن لإسرائيل حدود معترف بها بالكامل. طوال تاريخها، تغيرت الحدود مع جيرانها العرب نتيجة للحروب والضم ووقف إطلاق النار واتفاقيات السلام، حسبما نقلت “أسوشيتد برس”.
تأسيس إسرائيل
في عام 1947، وافقت الأمم المتحدة على خطة لتقسيم ما كان آنذاك يٌعرف بـ”فلسطين الانتدابية”، التي تسيطر عليها بريطانيا إلى دولتين يهودية وعربية. وكان من المقرر أن تدير الأمم المتحدة مدينة القدس المتنازع عليها.
ولكن هذه الخطة لم تنفذ قط. فقد أعلنت إسرائيل تأسيسها في مايو 1948، وأعلنت الدول العربية المجاورة الحرب. وانتهت تلك الحرب بسيطرة إسرائيل على نحو 77% من الأراضي، مع سيطرة الأردن على الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسيطرة مصر على قطاع غزة.
حرب 1967
خلال حرب الـ 6 أيام في عام 1967، استولت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن، وغزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا.
في البداية، احتفلت إسرائيل بهذا “الانتصار الخاطف”، لكنه مهد الطريق لعقود من الصراع الذي لا يزال يتردد صداه حتى اليوم.
وضمت إسرائيل القدس الشرقية بسرعة، موطن الأماكن المقدسة اليهودية والإسلامية والمسيحية الأكثر حساسية في المدينة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تضم الضفة الغربية رسمياً أبداً، إلا أنها ضمت بشكل غير رسمي جزءا كبيراً من المنطقة من خلال بناء المستوطنات التي أصبحت الآن موطناً لأكثر من 500 ألف يهودي إسرائيلي.
ويعتبر المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة، القدس الشرقية والضفة الغربية أرضاً محتلة. كما بنت إسرائيل مستوطنات في سيناء والجولان وقطاع غزة.
اتفاقية السلام مع مصر عام 1979
بموجب أول اتفاقية سلام لإسرائيل مع دولة عربية، أعادت إسرائيل شبه جزيرة سيناء إلى مصر، وفككت جميع المستوطنات هناك.
ضم الجولان في عام 1981
ضمت إسرائيل مرتفعات الجولان، وهي منطقة جبلية استراتيجية تطل على شمال إسرائيل. وفي عام 2019، أصبح الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب أول زعيم أجنبي يعترف بسيطرة إسرائيل على الجولان. ولا يزال بقية العالم يعتبر المنطقة أرضاً سورية محتلة، بينما أعلن نتنياهو، في أعقاب التوغل الأخير في الأراضي السورية، عزم حكومته توسيع المستوطنات في الجولان بعد سقوط الأسد.
غزو لبنان عام 1982
بعد غزو قصير للبنان في عام 1978، أعادت إسرائيل اجتياح البلاد في عام 1982، في عملية تحولت إلى احتلال لمدة 18 عاماً لجنوب لبنان. وانسحبت إسرائيل في عام 2000 تحت نيران كثيفة من جماعة “حزب الله”.
اتفاقيات أوسلو 1993
توصلت إسرائيل والفلسطينيون إلى اتفاق سلام مؤقت يمنح الفلسطينيين الحكم الذاتي في غزة وأجزاء من الضفة الغربية، مع ترك المستوطنات الإسرائيلية على حالها. وكان من المفترض أن تمهد الاتفاقيات الطريق لحل الدولتين، لكن جولات متكررة من محادثات السلام انتهت بالفشل.
الانسحاب من غزة 2005
قاد رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك أرييل شارون، انسحاباً أحادي الجانب من غزة، وسحب جميع القوات و21 مستوطنة من المنطقة. وبعد عامين، سيطرت حركة حركة “حماس” الفلسطينية على قطاع غزة، وأطاحت بالسلطة الفلسطينية.
حرب 2023 في غزة ولبنان
رداً على هجوم “حماس” عبر الحدود في 7 أكتوبر 2023، اجتاحت إسرائيل قطاع غزة في عملية عسكرية واسعة لا تزال مستمرة.
لم يضع القادة الإسرائيليون خطة واضحة لما بعد الحرب، لكنهم أشاروا إلى أنهم سيحافظون على منطقة عازلة على طول حدود غزة مع إسرائيل إلى جانب نوع من الوجود العسكري طويل الأمد. دعا بعض المتشددين في ائتلاف نتنياهو الحاكم إلى إعادة إنشاء المستوطنات التي كانت قائمة في القطاع قبل الانسحاب الإسرائيلي في 2005.
في أكتوبر الماضي، غزت القوات البرية الإسرائيلية جنوب لبنان بعد عام من القتال مع جماعة “حزب الله”. وبموجب وقف إطلاق النار، تعهدت إسرائيل بالانسحاب من شريط من الأرض تحتله بحلول أواخر يناير.
سقوط الأسد
مع إطاحة قوات المعارضة بالأسد في الثامن من ديسمبر الجاري، تحركت القوات العسكرية الإسرائيلية إلى الجانب السوري من المنطقة العازلة منزوعة السلاح، التي أنشئت بعد حرب عام 1973. تسيطر إسرائيل الآن على المنطقة وتستهدف مناطق أعمق داخل البلاد.
وعلى الرغم من أن إسرائيل قالت إن هذه الخطوة مؤقتة، إلا أن وجودها المفتوح أثار انتقادات دولية من دول مثل مصر وتركيا والسعودية وكذلك الأمم المتحدة.
وحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، جميع الدول التي لها مصالح في سوريا على “محاولة التأكد من أننا لا نشعل فتيل أي صراعات إضافية”.
وتقدمت حكومة تصريف الاعمال في سوريا بالفعل بشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن التقدم الإسرائيلي في الأراضي السورية. وأدان قائد الفصائل المعارضة المسلحة، أحمد الشرع، العمليات الإسرائيلية علناً، لكنه قال إن سوريا لا تسعى إلى صراع عسكري مع إسرائيل.
وتقول كارميت فالنسي، الخبيرة في شؤون سوريا في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إنها لا تعتقد أن الوجود الإسرائيلي سيتحول إلى احتلال طويل الأمد.
وأضافت في تصريحات نقلتها “أسوشيتد برس”، أن إسرائيل ليس لديها الكثير لتكسبه من استفزاز الشرع، المعروف أيضاً باسم “أبو محمد الجولاني”، وأن الاحتلال الطويل الأمد سيكون مكلفاً اقتصادياً وعسكرياً لجيش إسرائيل المنهك من الحرب.
وقالت: “قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تنسحب إسرائيل. ويعتمد ذلك على كيفية تطور الأمور في سوريا. إذا رأينا نظاماً معتدلاً ينشأ، على نفس الخط الذي يحاول الجولاني تمهيده، فأنا لا أرى أي سبب للاحتفاظ بهذه الأراضي على المدى الطويل”.