منذ إعلان قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع المعروف بـ”أبو محمد الجولاني” في 9 ديسمبر الجاري عن تسلُّم “حكومة الإنقاذ في إدلب” زمام الحُكم في البلاد لفترة انتقالية تنتهي في مارس 2025، اتجهت الأنظار نحو منصبَين سياديَين مهمَّين، هما الخارجية والدفاع.
استغرق الأمر من إدارة العمليات العسكرية أياماً قليلة لملء فراغ هذين المنصبَين، حيث أعلنت تعيين أسعد حسن الشيباني وزيراً للخارجية، ومرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع.
الشيباني.. من الخفاء إلى العلَن
أسعد حسن الشيباني، وهذا اسمه الحقيقي بعد أكثر من 5 أسماء مُستعارة، من مواليد الحسكة عام 1987، يُعد أول وزير في حكومة تصريف الأعمال من شرق سوريا.
تخرج الشيباني من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، فرع اللغة الإنجليزية وآدابها، وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الخارجية من جامعة صباح الدين زعيم في تركيا عام 2022، ويكمل الدكتوراه في التخصص ذاته.
ويُعتبر من مؤسسي حكومة الإنقاذ في شمال سوريا عام 2017، ومن بعدها تَسلَّم إدارة الشؤون السياسية فيها، وصولاً إلى تعيينه وزيراً للخارجية في حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير التي أعُلن تعيينها في 10 ديسمبر الجاري.
وبحسب مصادر “الشرق”، كان الشيباني من أهم الفاعلين في التواصل بين حكومة الإنقاذ والجهات الخارجية والمؤسسات الدولية، لا سيما أنه كان نقطة الوصل المباشرة مع المنظمات الإغاثية والأممية في الشمال السوري.
وأوضحت المصادر أن تعيين الشيباني يأتي تماشياً مع توجُّه أحمد الشرع في الاعتماد على حكومة الإنقاذ لقيادة المرحلة الانتقالية في سوريا، فضلاً عن أن المنظمات الدولية الإغاثية والإنسانية تطلب ضمانات لعودتها أو توسيع نطاق عملها، وهذا ما يستهدف وزير الخارجية الجديد تحقيقه.
مهمة دبلوماسية محفوفة بالعقبات
ستكون أمام وزير الخارجية الجديد مهمة نسج خيوط العلاقات الخارجية مع الأطراف الدولية والإقليمية من جديد وبشكل فعّال، وهي “مهمة معقّدة” نظراً لحالة الترقب التي يعيشها المجتمع الدولي إزاء ما يجري في سوريا.
قال الكاتب والمحلل السياسي علاء شريف، في حديثه لـ”الشرق”، إن “الخطاب السياسي الخارجي للإدارة السورية الجديدة رغم اتزانه وعقلانيته حتى الآن، لكن تكمن المشكلة في الجهة التي تتبناه، نظراً لماضيها واستمرار تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية عند كثير من الدول”.
وأضاف شريف أن “الشيباني سيكون بحاجة لترتيب الصفوف الداخلية كمنطلق لتحسين العلاقات الخارجية، حتى لو كانت فترته في الوزارة مؤقتة وانتقالية، لكنها ستكون تأسيسية، وبناء على ما يصدر من تصريحات ومواقف، ستأتي ردود الفعل الدولية”.
وعن الأولويات التي سيُعنى بها الشيباني، يرى شريف أنها “ستنصب بداية على تقديم أوراق الاعتماد الدولية، واستعادة التمثيل الدبلوماسي العربي والدولي في سوريا، ومد جسور تواصل وثقة مع الإقليم والدول العربية، وتقديم سياسية خارجية متوازنة، تؤكد وحدة سوريا بجميع مكوناتها وطوائفها، وتأسيس دولة الوطن والمواطنة”.
وبحسب شريف، تحتاج هذه الأولويات إلى “مرونة في الخطاب، وخطوط دبلوماسية عريضة، وتفاهمات تقوم على نطاق الدول لا الهيئات أو الفصائل”.
مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع
وانصب الاهتمام على حقيبة الدفاع، ودارت الكثير من الأسئلة بشأنها، إلى أن أعلنت الإدارة الجديدة في سوريا تعيين مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع.
وجاء هذا التعيين بعد نحو ساعتين على حضور وزير الدفاع الجديد اجتماعاً في دمشق، ترأسه أحمد الشرع وكان يجلس إلى يساره أبو قصرة، وبمشاركة قادة كبار الفصائل المسلحة في سوريا، حيث تم الاتفاق على ضرورة دمج الفصائل في جيش جديد يتبع لوزارة الدفاع السورية، بحسب وسائل إعلام سورية.
كان أبو قصرة (40 عاماً)، ابن مدينة حلفايا الواقعة في ريف حماة الشمالي، مهندساً زراعياً، لكنه شقّ الطريق العسكري مع انضمامه إلى الفصائل المسلحة ضد نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وصولاً إلى انضمامه لهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”، وتدرج في هذا المسلك إلى أن أصبح من كبار قياديي الهيئة.
رئيس أركان حرب الهيئة
وكشفت مصادر خاصة لـ”الشرق” أن مرهف أبو قصرة، الشهير بـ”أبي الحسن 600، أو أبي الحسن الحموي”، نقل الجناح العسكري في “هيئة تحرير الشام” نقلة نوعية منذ بدء وقف إطلاق النار عام 2020، وسقوط أرياف واسعة من حماة وإدلب وحلب بيد القوات الحكومية.
وفق المصادر، أعاد أبو قصرة هيكلة قوات “هيئة تحرير الشام” ضمن 12 لواء منظماً، بينها ألوية باختصاصات محددة، كما كثَّف التدريبات والمعسكرات، وشكَّل قوات خاصة، وكان من أبرز المسؤولين عن المرحلة التحضيرية للعملية التي أطلقتها إدارة العمليات العسكرية في 27 نوفمبر من ريف حلب الغربي وأسْمتها “ردع العدوان”، وانتهت بإسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الجاري.
كيف يفكر وزير الدفاع السوري الجديد؟
قبل تعيينه وزيراً للدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية بنحو أسبوع، قال مرهف أبو قصرة إنه “يرفض الفيدرالية في سوريا”، وشدد على أن المناطق التابعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ستنضم إلى الإدارة السورية الجديدة.
وتعهَّد أبو قصرة بأن تكون “هيئة تحرير الشام” أولى الفصائل التي “تحل نفسها وتندمج في المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، ضمن جيش واحد مع التبعية لوزارة دفاع واحدة”.
لكن رغم هذه التصريحات وما يبدو أنه مسعى من أحمد الشرع لدمج الفصائل وتجنُّب سيناريو الفوضى العسكرية، تبقى مسألة تسليم الفصائل لسلاحها، لا سيما في الجنوب السوري “حجر عثرة” في طريق وزارة الدفاع السورية الجديدة، وينبغي على وزير الدفاع الجديد إزاحته.