استقبل عدد من قادة أوروبا الشرقية إعلان فوز الجمهوري دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية بحفاوة بالغة، فيما سادت مخاوف في بعض الأوساط إزاء فوزه بولاية رئاسية ثانية، وفق “بلومبرغ”.
وفي أوروبا، ظهر التباين بين الاستقبال الحذر لانتصاره الانتخابي في العديد من العواصم الغربية مقابل ردود الفعل في أوروبا الشرقية، موطن بعض أشد مؤيديه ولاءً، ممن يعتبرون عودته فرصة لتعزيز العلاقات واتباع سياسات تتماشى مع رؤيتهم المحافظة.
ومن بودابست إلى وارسو وبلجراد، أبدى زعماء المنطقة دعمهم لترمب، الذي يرون في أسلوبه العملي ونهجه “المباشر” انعكاساً لتوجهاتهم السياسية والاجتماعية.
ووفقاً لـ”بلومبرغ”، احتفل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بشرب الفودكا، ووقف نواب من أكبر حزب معارض في بولندا في البرلمان يهتفون باسم الرئيس الأميركي المنتخب.
واستضاف رادوفان كاراديتش، الرئيس السابق لجمهورية “صرب البوسنة”، الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات بسبب الفساد، حفلة كوكتيل في قصره.
واحتضنت دول أوروبا الشرقية ترمب بالطريقة نفسها، التي اعتادت بها دعم قادتها الأقوياء على مر السنين، مع صعود موجة المحافظين التي ترفض “النخب الليبرالية”.
والآن، يستمتع القادة من بودابست وبراتيسلافا إلى بلجراد بفكرة الدخول في حقبة جديدة من التعامل مع رئيس للولايات المتحدة يرونه يعتمد نهجاً قائماً على “المعاملات والمصالح المتبادلة” في علاقاته مع المنطقة.
خطة للسلام بأوكرانيا
ويتصدر المشهد خطة ترمب لإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، على الرغم من غياب التفاصيل بشأن سبل تحقيق ذلك. ويتوقع بعض القادة أن يكون ترمب أقل انتقاداً لنفوذهم السياسي على المؤسسات الديمقراطية مثل القضاء والإعلام، ورفضهم استقبال مهاجرين غير مسيحيين، وتراجعهم عن دعم حقوق الأقليات.
وقال أوربان للإذاعة الرسمية في بلاده في 8 نوفمبر، أثناء استضافته لقادة الاتحاد الأوروبي في بودابست: “من الواضح أنه إذا أراد الرئيس الأميركي الجديد السلام بدلاً من الحرب، وسياسات مناهضة للهجرة بدلاً من استقبال المهاجرين، وسياسات داعمة للأسرة بدلاً من قضايا النوع الاجتماعي، فإن هذا سيترك بصمته على العالم”.
من جهته، أشاد حليف أوربان في سلوفاكيا، رئيس الوزراء روبرت فيتسو، بالفوز على الديمقراطيين باعتباره جزءاً من حرب ثقافية سياسية أوسع نطاقاً.
وعاد فيتسو إلى السلطة العام الماضي، ونجا أيضاً من محاولة اغتيال، ووصف فوز ترمب بأنه “هزيمة للأفكار الليبرالية والتقدمية”.
وفي الجوار، كان الملياردير التشيكي ورئيس الوزراء السابق أندريه بابيش، الذي تشير استطلاعات رأي إلى أنه في طريقه للعودة إلى السلطة في الانتخابات المقبلة العام المقبل، من أوائل من أعربوا عن فرحتهم بفوز ترمب، قائلاً إنه “مبتهج للغاية”.
وأضاف بابيش: “أنا مقتنع بأن دونالد ترمب هو الحل الأفضل لأوروبا والعالم بأسره”.
إشادة بترمب
وذكرت “بلومبرغ” أن ترمب حاز على الثناء لإبداء اهتمامه بالمنطقة، من خلال إرسال المزيد من القوات الأميركية، ودعمه لبرامج الطاقة النووية المدنية.
كما أن شكاواه بشأن عدم وفاء أوروبا بالتزاماتها المتعلقة بإنفاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي أثارت استياء بعض الدول آنذاك، أدت إلى تحسين قدرات جيوش دول كانت جزءاً من حلف وارسو سابقاً.
واستذكر رئيس الوزراء البلغاري السابق بويكو بوريسوف، الذي لا يزال السياسي الأكثر شعبية في بلاده مع اقترابها من انتخاباتها الثامنة خلال 4 سنوات، مدى سهولة مناقشة الصفقات مع ترمب. ومن الأمثلة التي قدمها دعمه لخط أنابيب غاز جديد يمر عبر أوكرانيا، وشراء مقاتلات F-16.
وقال إيوليان فوتا، المستشار الأمني السابق لرئيس رومانيا ونائب وزير الخارجية السابق: “يفهم قادة أوروبا الشرقية أسلوبه القائم على المعاملات بشكل أفضل، ولديهم خبرة أكبر في ممارسته”.
لكنه أضاف: “لكن الولاية الجديدة ستكون مختلفة بشكل كبير بالنظر إلى خطابه الأخير وتعييناته الأخيرة. إلى حد ما، سيكون الأمر أشبه بالبدء من الصفر”.
وأضاف فوتا أن نهج ترمب تجاه أوكرانيا سيكون نقطة محورية يصعب التنبؤ بها. وفي حين أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كانت داعماً كبيراً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، تعرض بعض من أشد منتقدي روسيا في المنطقة لتوبيخات خاصة من مسؤولي إدارة بايدن، وفقا لما قاله أحد قادة أوروبا الشرقية.
وأشار ذلك القائد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن الأميركيين كانوا منزعجين من طلباتهم المتكررة للحصول على أسلحة معينة لأوكرانيا.
اهتمام بالمنطقة
ويُنظر إلى ترمب على أنه أكثر تقبلاً للمنطقة، لأنه يعتبرها أكثر انسجاماً مع رؤيته للعالم مقارنة بغرب أوروبا، بحسب دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي، رفض أيضاً الكشف عن هويته.
وظل قادة دول مثل بولندا والمجر وصربيا على تواصل مع ترمب وأقرب حلفائه حتى عندما كان خارج المنصب، وبدا أن عودته إلى السلطة أمر غير محتمل. ويُعتبر الرئيس البولندي أندريه دودا، على سبيل المثال، أقرب حليف لترمب في الاتحاد الأوروبي إلى جانب أوربان. وزار كلا الرجلين ترمب هذا العام.
ويشار إلى أن دودا هو حليف لحزب “القانون والعدالة”، الذي حكم بولندا من عام 2015 حتى العام الماضي، والذي استقبل ترمب في البلاد عام 2017، وصرح بأنه سيلتقي ترمب حتى قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة مجدداً.
وأوضح دودا أنهما ناقشا بالفعل أولويات الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، التي ستتولاها بولندا لمدة 6 أشهر ابتداءً من يناير. وقال في منشور على منصة “إكس” إن تعزيز العلاقات سيكون محوراً رئيسياً في التعاون بينهما.
وأجرى ترمب مقابلة مع قناة TV Republika، المحافظة في بولندا، خلال حملته الانتخابية في محاولة لكسب دعم البولنديين المقيمين في الولايات المتحدة.
وعقب فوزه، تضمنت مكالماته الهاتفية مع قادة المنطقة الرئيس البولندي أندريه دودا، والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش. وفضلت غالبية الجاليات من أصول بولندية وصربية في الولايات المتحدة ترمب على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
وأصبحت سياسة ترمب نموذجاً يُحتذى به في المنطقة في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، تبنى أوربان شعار “لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى”، عندما تولت المجر الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. كما استخدم سياسيون شعبيون في المعارضة في كل من جمهورية التشيك وسلوفينيا شعارات مستوحاة من شعار ترمب.
شرق أوروبا “أكثر ترحيباً”
أما بالنسبة للناخبين، فإن سكان أوروبا الشرقية يبدون أكثر ترحيباً بترمب مقارنة بنظرائهم في الغرب، مع تقدم بلغاريا والمجر، وفق دراسة أجرتها جمعية “جالوب” الدولية (وهي شبكة من شركات استطلاع الرأي ولا علاقة لها بشركة “جالوب” الأميركية). ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى الفوارق في الدخل، والشعور بعدم المساواة في المعاملة من قبل الحلفاء الغربيين.
وساهمت هذه القضايا أيضاً في صعود جماعات قومية في المنطقة. وفي رومانيا، التي ستشهد انتخابات برلمانية ورئاسية خلال الأسابيع المقبلة، يحتل حزب يميني متطرف يرأسه معجب بترمب المركز الثاني في بعض الاستطلاعات.
من جانبه، أوضح جوران جورجييف، المحلل في مركز “دراسة الديمقراطية” في صوفيا، أن التحول نحو الأحزاب الراديكالية هو جزء من عملية أوسع يلعب ترمب فيها دوراً.
ومضى قائلاً: “غياب القيادة يفتح الباب أمام مثل هذه الأفكار. مع كل تصويت جديد، يصبح الناس أكثر تشككا وتتحول الأحزاب نحو سياسات سلطوية”.
وفي الوقت نفسه، حصل قادة آخرون في المنطقة، لا يتفقون سياسياً مع الرئيس الأميركي المنتخب، على بعض اهتمام ترمب. وقال رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا إنه أجرى مكالمة طويلة وإيجابية وواقعية مع ترمب، تضمنت مناقشة أسئلة بشأن الوضع في أوكرانيا.
أما بالنسبة للرئيس الصربي فوتشيتش، فإن الأمر يتعلق بالتعامل العملي وتعزيز العلاقات مع المنطقة. وقال فوتشيتش، الذي تحدث مع ترمب الأحد الماضي: “آمل وأعتقد بصدق أن هناك الكثير الذي يمكننا القيام به معاً في المستقبل”.
وأضاف: “أجد من المهم للغاية أن يكون دونالد ترمب رجل أعمال وموجه نحو الأعمال. هذا أمر مهم لبلدنا ولكل من يتعامل مع الولايات المتحدة تجارياً”.