كشف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الثلاثاء، عن اختيار المقدم والمحلل السياسي في شبكة Fox News بيت هيجسيت، لتولي منصب وزير الدفاع، في ما قد يكون الاختيار الأكثر إثارة للجدل في الوقت الذي يعلن فيه الفائز في الانتخابات الرئاسية عن اختياراته للمناصب القيادية في إدارته المقبلة.
وقالت “رويترز” إن القلق بدأ بالفعل ينتاب المسؤولين في البنتاجون بسبب مواقف هيجسيث المتشكك في حلف شمال الأطلسي واختلافه في المواقف مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي.كيو براون، الذي يتهمه هيجسيث بـ”تبني المواقف المتطرفة للسياسيين اليساريين”.
وقد يتمكن هيجسيث البالغ من العمر 44 عاماً، من تنفيذ وعود حملة ترمب الانتخابية بالتخلص من جنرالات في الجيش الأميركي يتهمهم بدفع سياسات تتعلق بالتنوع يعارضها المحافظون، وقد تكون قضايا الحرب الثقافية سبباً في طرد الموظفين كذلك.
وفي مقابلة أجراها ترمب مع Fox News في يونيو الماضي، قال ترمب إنه سيقيل جنرالات وصفهم بـ”المستنيرين”، في إشارة إلى أولئك الذين يركزون على العدالة العرقية والاجتماعية، وهو تعبير يستخدمه المحافظون لانتقاد السياسات التقدمية.
وإذا وافق مجلس الشيوخ على تعيينه، فإن هيجسيت، العسكري المخضرم في الحرس الوطني والذي خدم في أفغانستان والعراق وخليج جوانتانامو في كوبا، سيكون الأداة المثالية، بالنسبة للرئيس المنتخب، لتنفيذ سياساته وطموحاته.
محلل مؤلف في Fox News
شارك هيجسيث في تقديم برنامج Fox & Friends Weekend على قناة Fox News، وعمل في الشبكة الأميركية اليمينية لمدة عقد من الزمان. وقد طور صداقة مع ترمب من خلال الظهور المنتظم للرئيس المنتخب في البرنامج. وفي بيان، أشاد متحدث باسم Fox News بخبرة هيجسيث العسكرية، قائلاً إن “رؤاه وتحليلاته خاصة فيما يتعلق بالجيش، لاقت صدى عميقاً لدى مشاهدينا”.
كما كتب عدداً من الكتب، العديد منها لدار النشر التابعة للشبكة، بما في ذلك “الحرب على المحاربين: وراء خيانة الرجال الذين يبقوننا أحراراً”. وفي الإعلان عن ترشيح هيجسيث، أشاد ترمب بهذا الكتاب، مشيراً إلى “بقائه تسعة أسابيع على قائمة نيويورك تايمز لأفضل الكتب مبيعاً، بما في ذلك أسبوعين في المرتبة الأولى”.
أحد قدامى المحاربين
خدم هيجسيث في الجيش الاميركي، إلا أنه على الرغم من ذلك، يفتقر إلى الخبرة العسكرية والأمنية على مستوى عالي.
وبعد تخرجه من جامعة برينستون عام 2003، تم تكليف هيجسيث كقائد مشاة في الحرس الوطني، وخدم في الخارج في أفغانستان والعراق وكذلك في خليج جوانتانامو.
وكان في السابق رئيساً لـ “قدامى المحاربين”، وهي مجموعة يدعمها المليارديران المحافظان تشارلز وديفيد كوش، كما ترشح لمجلس الشيوخ في مينيسوتا دون جدوى في عام 2012. ووفقاً لسيرته الذاتية على موقع قناة Fox News، حصل على درجة الماجستير في السياسة العامة من كلية جون إف كينيدي بجامعة هارفارد.
عندما شكل ترمب أول إدارة له بعد فوزه في انتخابات 2016، أشارت تقارير حينها إلى أنه كان يفكر في اختيار هيجسيث لإدارة وزارة شؤون المحاربين القدامى. ومرة أخرى عندما واجه الوزير ديفيد شولكين انتقادات قبل إقالته في عام 2018.
مدافع عن المتهمين بجرائم حرب
في عام 2019، حث هيجسيث ترمب على إصدار العفو عن الجنود الأميركيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب. ودافع عن قضايا العسكريين في برنامجه التلفزيوني وعلى الإنترنت، وأجرى مقابلات مع أقاربهم على قناة Fox News. ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن العفو من ترمب “سيكون مذهلاً”.
وكللت جهود هيجسيث بالنجاح، حيث أصدر ترمب في ذلك العام عفواً عن جندي كوماندوز سابق في الجيش الأميركي كان من المقرر محاكمته في مصرع صانع قنابل أفغاني مشتبه به، بالإضافة إلى ملازم سابق في الجيش أدين بالقتل لإصداره الأمر لرجاله بإطلاق النار على ثلاثة أفغان، مما أودى بحياة اثنين. كما أمر ترمب بترقية جندي من قوات النخبة البحرية أدين بالتصوير مع أسير من تنظيم “داعش” ميت في العراق.
تطورات دولية معقدة
وفي حال الموافقة عليه من مجلس الشيوخ، سيقود هيجسيث البنتاجون في ظل صراعات مشتعلة على جبهات متعددة، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، والمواجهات المستمرة في الشرق الأوسط، والحرب التي تشنها إسرئيل على قطاع غزة ولبنان، إلى جانب تصاعد المخاوف بشأن التحالف المتنامي بين روسيا وكوريا الشمالية.
وفي حين يُعتبر البنتاجون ركناً أساسياً في أي إدارة أميركية، إلا أن هذه الوزارة شهدت فترة من الاضطراب خلال فترة ولاية ترمب الأولى، إذ شغل خمسة أشخاص المنصب خلال سنوات ترمب الأربع في الرئاسة.
وكانت علاقة ترمب بقادته المدنيين والعسكريين خلال تلك السنوات محفوفة بالتوتر والارتباك والإحباط، إذ كافحوا لفهم تصريحات الرئيس التي فاجأتهم بقرارات سياسية مفاجئة لم يكونوا مستعدين لتفسيرها أو الدفاع عنها.
وانتقده العديد من الجنرالات الذين عملوا في إدارته الأولى، سواء كانوا لا يزالون في الخدمة أو متقاعدين، باعتباره غير صالح لتولي الرئاسة. وهو ما رد عليه ترمب في المقابل بالإدانة.
شكوك ومخاوف
في حين أشاد ترمب بهيجسيث باعتباره “قوياً وذكياً ومؤمناً حقيقياً بأميركا أولاً”، سارع آخرون إلى الإشارة إلى افتقاره إلى الخبرة، إذ ألمح البعض حسب “أسوشيتد برس” إلى أنه قد يكون “رئيساً صورياً للبنتاجون” فقط، فيما سيدير البيت الأبيض فعلياً الوزارة.
وشملت قائمة الأسماء الأخرى التي تم طرحها كخيارات محتملة لهذا المنصب، النائب الجمهوري مايك روجرز من ألاباما، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، والجنرال المتقاعد كيث كيلوج؛ والسيناتور جوني إيرنست، جمهوري من أيوا؛ وروبرت ويلكي، المسؤول السابق في البنتاجون الذي كان رئيساً لشؤون المحاربين القدامى في ولاية ترمب الأولى.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن النائب آدم سميث، الديمقراطي البارز في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب: “هناك سبب للقلق من أن هذا الشخص ليس صانع سياسات جاداً بما يكفي، أو منفذاً للسياسات جاداً بما يكفي، للقيام بعمل ناجح”.
وأشار إلى أنه في حين أن خبرة هيجسيث القتالية تشكل ميزة إضافية، فإن إدارة البنتاجون تتطلب الكثير من مجموعات المهارات الأخرى، وسيحتاج ترشيحه إلى بعض الوقت للنظر فيه.
وقال مارك كانسيان، المستشار الكبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن افتقار هيجسيث إلى الخبرة في مجال الأمن القومي يجعل من الصعب الحصول على موافقة مجلس الشيوخ. وأضاف: “أعتقد أن ترمب سئم من القتال مع وزراء دفاعه واختار شخصاً مخلصاً له”.
وحتى بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ، والذين سيصوتون على ترشيحه، كان رد فعلهم حذراً.
ووصف السيناتور عن ولاية كارولينا الشمالية، توم تيليس، الاختيار بأنه “مثير للاهتمام”، بينما قال السيناتور عن ولاية إنديانا، تود يونج، والذي خدم في سلاح مشاة البحرية “لا أعرف الكثير عن خلفيته أو رؤيته، لذلك أتطلع إلى معرفة المزيد”.
وذكر السيناتور، جون هوفين، من نورث داكوتا، أنه لم يشعر بأي مفاجأة باختيار ترمب لهيجسيث، لأنه “قريب منه ويحبه ويثق به”. وقال: “من الواضح أن الرجل يتمتع بقدرات هائلة، وهو متواصل رائع”. “أتطلع إلى التعرف عليه بشكل أفضل”.
واعتبر رئيس مجلس النواب مايك جونسون، أن هيجسيث يجلب الكثير إلى الطاولة وسيتمتع بـ”عقلية إصلاحية في المجالات التي تحتاج إلى إصلاح”.
وتبلغ ميزانية وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 800 مليار دولار، مع حوالي 1.3 مليون جندي في الخدمة الفعلية، و1.4 مليون آخرين في الحرس الوطني والاحتياط والموظفين المدنيين المتمركزين في جميع أنحاء العالم.