فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على اثنين من قادة قوات الدعم السريع بسبب زعزعة استقرار البلاد وفق نص القرار، إذ وافقت لجنة العقوبات على السودان، المكونة من 15 عضواً، على المقترح الأميركي الذي تم تقديمه في أواخر أغسطس من العام الجاري.
وينص القرار على حظر السفر وتجميد الأصول لكل من قائد عمليات القوات عثمان محمد حامد الشهير بـ”عمليات”، وقائد الدعم السريع في ولاية غرب دارفور عبدالرحمن جمعة بارك الله المتهم بالتورط في تصفية والتمثيل بجثة والي غرب دارفور خميس ابكر العام الماضي.
والعقوبات على قادة الدعم السريع هي الأولى التي يفرضها المجلس الأممي على أحد طرفي الحرب في السودان (الجيش والدعم السريع) منذ اندلاع الحرب، لكنها تأتي ضمن سلسلة من العقوبات الدولية التي فرضت منذ أبريل العام الماضي.
تاريخ من العقوبات الدولية
وبالعودة إلى المشهد لما قبل حرب 15 أبريل 2023، فإن السودان لم يغادر قائمة العقوبات الدولية وبالتحديد الأميركية إلا لوقت قصير، وذلك بسبب العداء بين نظام البشير والولايات المتحدة. إذ أدرجت واشنطن السودان في قائمة “الدول الراعية للإرهاب” في عام 1993 بسبب مخاوف تتعلق بالإرهاب واستضافة السودان وقتها لتنظيم القاعدة بحسب اتهامات واشنطن.
وأعقب ذلك، عقوبات اقتصادية في عام 1997، حتى وصل الأمر إلى رأس النظام السابق والمطالبة بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وإلى جانب العقوبات الأممية، أنشأ مجلس الأمن الدولي نظام العقوبات الذي يستهدف السودان في عام 2005، في محاولة للمساعدة في إنهاء الصراع في دارفور الذي اندلع في العام 2003، كما فرض المجلس حظراً على توريد الأسلحة إلى دارفور في عام 2004.
وتضم قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، ووزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين، وقيادات عسكرية من دارفور، إلى جانب علي كوشيب، الذي يعد الوحيد الذي سلم نفسه للمحكمة.
وتهم معظم العقوبات الدولية عسكريين، إلا أن مراقبين يقللون من أثرها على جهود إنهاء العنف أو الحرب في السودان.
ويستهدف جزء من العقوبات الأميركية التي فرضت على طرفي الحرب في السودان، شقيق قائد الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، والذي والذي يعد ثاني قائد لهذه القوات، إلى جانب شركة “زادنا” التابعة للصناعات الدفاعية للقوات المسلحة.
وشملت العقوبات كذلك القوني حمدان، شقيق قائد الدعم السريع الأصغر، ولم تخلو قوائم العقوبات من عناصر الجيش وآخرين يتبعون للحركة الإسلامية في السودان برئاسة علي كرتي، الذين تتهمهم جهات أميركية وأوربية بإذكاء نار الحرب في السودان.
ويعد ميرغني إدريس مدير الصناعات الدفاعية، أرفع شخصية في الجيش السوداني تطاله العقوبات منذ اندلاع الحرب، بعدما أدرجت الخزانة الأميركية اسمه ضمن قوائم عقوبات.
ولم يعلق الجيش على العقوبة الصادرة بحق مدير مؤسسته الاقتصادية الأولى، كما أن تقديرات الخسائر المترتبة على العقوبات ليست واضحة في الوقت الحالي.
العقوبات الدولية في ميزان المعاقَبين
واعتبر عضو المكتب السياسي للدعم السريع، عمران عبد الله، في تصريحات لـ”الشرق”، أن فرض عقوبات أممية على قائدين من الدعم السريع، “إجراء معيب ولا يستند إلى دليل”، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن “العقوبات لن يكون لها أثر”، ووصفها بأنها “محاولة للتغطية على فظائع الجيش من قبل بعض الدول داخل اللجنة الأممية”.
ويرى اللواء الركن أسامة محمد أحمد، المدير السابق لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة، أن العقوبات “سياسية ولا قيمة لها إلا في الإدانة التي تصدر مع العقوبات”.
ويضيف في تصريحه لـ”الشرق”، بأن مجلس الأمن يجب أن يكون أكثر جدية وأن يتعامل مع شكوى السودان، والتي تشمل الممولين الرئيسيين لـ”الميليشيا”، ويشير إلى أن العقوبات يمكن أن تفتح شهية المشرعين لفرض أخرى على الطرف غير المذنب ويعني الجيش، عهلى حد وصفه.
عقوبات أكثر فاعلية
زحل الأمين، أستاذة القانون الدولي والدستوري، أشارت في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن العقوبات الأممية “يمكن أن تكون أجدى من العقوبات التي تفرضها الدول، بسبب استنادها إلى الفصل السابع والذي يتيح تدخلاً مباشراً في حماية المدنيين، وإحالة الملفات على المحكمة الجنائية”، كما ترى أن “العقوبات الأممية ذات قيمة وقابلية للتنفيذ دون غيرها من قرارات الدول التي تفرض عقوبات على العسكريين”.
ويرى الخبير الاقتصادي عاصم إسماعيل، أن العقوبات “سلاح مجرب وغير مجدٍ”، وإنما يظهر وكأنه “ترضية للطرفين المتقاتلين”، ويضيف بأنها “لن تسهم في إيقاف الحرب، وإنما تزيد في وتيرة الحرب والعنف وتدفق السلاح”، على حد وصفه.
وأشار عاصم إسماعيل في تصريحاته لـ”الشرق”، إلى أن الخاضعين للعقوبات من قادة عسكريين “لا تربطهم صلات قوية بالنظام المصرفي الدولي، وإنما هم تحت إمرة قادة أرفع لديهم ارتباطات بجهات خارجية، ولا يعرفهم السودانيون إلا قليلاً”.
ودعا عاصم إسماعيل إلى ضرورة التفكير في صيغة جديدة للعقوبات الدولية والأممية، معتبراً أن الحرب في السودان “عبثية وتتطور تدريجياً لتصل مرحلة الفوضى، والتي لا تستجيب لمثل هذه العقوبات”.
ويرى طيف واسع من السودانيين، أن العقوبات الدولية والأممية “لم تكن ناجزة” ولكنها تفاقم من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، بالقياس على حقبة نظام البشير.