قال محللون إسرائيليون وفلسطينيون، إن نهج إسرائيل في الضفة الغربية يعد أكثر تشدداً، وبات يشبه الأسلوب العسكري المتبع في غزة، حيث أن مخيم جنين أصبح خط المواجهة الأول وساحة معركة جديدة، بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع، حسبما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتصاعد العنف في الضفة الغربية، وخاصة في جنين المضطربة، منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الشهر الماضي، إذ دمر الجيش الإسرائيلي قرابة 20 مبنى في سلسلة من التفجيرات المتزامنة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”.
وشبّه مراقبون هذه العملية بأسلوب عسكري استخدمته إسرائيل في غزة، حيث أنشأت ممرات لتقسيم القطاع، لافتين إلى أن ذلك قد يعيد تشكيل الضفة الغربية على المستويين الجغرافي والسياسي.
ويخشى العديد من سكان الضفة، أن يؤدي استخدام القوة العسكرية الواسعة إلى سيناريو مشابه لما حدث في غزة، من دمار للأحياء السكنية المكتظة، وتشريد واسع للمدنيين، وتصاعد حالة الفوضى السياسية.
تحويل الضفة إلى “غزة” جديدة
ويرى بعض المسؤولين الفلسطينيين، أن توقيت الهجوم الإسرائيلي على جنين، مرتبط بالمجريات السياسية، فبعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي أتاح لحركة “حماس” الظهور في القطاع، انتاب الغضب والإحباط العديد من مؤيدي ومسؤولي الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
وقدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحليفه في الائتلاف اليميني المتطرف، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الحملة المتصاعدة في الضفة الغربية، باعتبارها “امتداداً للحرب”.
وفي هذا السياق، قال السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي: “إسرائيل تنقل الحرب إلى الضفة الغربية”، مشيراً إلى أن القوات الإسرائيلية توسع بالفعل عملياتها إلى مناطق أخرى من الأراضي الفلسطينية.
من جانبه، قال العميد أنور رجّب، المتحدث باسم قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، إن العملية الإسرائيلية في جنين “تأتي في إطار مساعٍ أوسع لإضعاف السلطة الفلسطينية”، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي قاطع عملية كانت تنفذها قوات الأمن الفلسطينية في جنين، متهماً إسرائيل بـ”عدم التنسيق معهم في تحركاتها العسكرية”.
بدوره، قال مايكل ميلشتاين، الرئيس السابق لقسم الشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن هذا النهج “يشبه التكتيكات العسكرية التي استخدمتها إسرائيل في غزة، ولكن على نطاق أصغر”.
وأضاف: “إنهم يحاولون تقسيم المخيم إلى عدة أجزاء، وهو أسلوب مشابه لما حدث في شمال غزة”، لكن كما هو الحال في غزة، لا يبدو واضحاً ما إذا كانت لدى إسرائيل خطة واضحة لفرض الاستقرار بعد انتهاء العمليات العسكرية، متسائلاً: “نرى تحركات تكتيكية وعملياتية، لكن أين الاستراتيجية؟”.
من جانبه، قال نيمرود نوفيك، المستشار السابق في الحكومة الإسرائيلية: “في مخيم جنين وأجزاء أخرى من الضفة الغربية، لجأ جيل جديد من الفلسطينيين إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة، بسبب إخفاقات السلطة الفلسطينية، وعنف المستوطنين الإسرائيليين، وعدم وجود آفاق لحياة أفضل”.
وأضاف نوفيك: “الشباب الفلسطيني، خاصة أولئك الذين هم أصغر من أن يتذكروا جراح الانتفاضة الثانية، يبحثون عن بديل عنيف”، مشيراً إلى أن الدمار في جنين قد يصبح نموذجاً للعمليات الإسرائيلية في المنطقة، قائلاً: “ما نشهده في جنين هو انزلاق بطيء نحو تحويل الضفة الغربية إلى غزة”.
مخيم جنين
وكانت الحكومة الإسرائيلية وسّعت الشهر الماضي أهدافها الرسمية في حرب غزة لتشمل الضفة الغربية، متعهدة بالقضاء على الجماعات المسلحة، بدءاً من جنين.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي، خلال زيارته للمخيم برفقة قادة الجيش: “لن يعود مخيم جنين إلى ما كان عليه”.
وأضاف: “بعد العملية العسكرية الحالية، التي بدأت بضربات جوية ثم توغل بري قبل أسبوعين، ستبقى القوات الإسرائيلية في المخيم لضمان عدم عودة الإرهاب”.
ولم يحدد كاتس مدة بقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة، أو الجهة التي ستتولى إدارتها وتقديم الخدمات الأساسية لسكانها في حال استمرار السيطرة العسكرية.
وتسببت الاشتباكات في دمار واسع للمنازل المكتظة داخل المخيم، ما دفع العديد من العائلات إلى الفرار، بينما لا يزال البعض الآخر متمسكاً بالبقاء، وفق شهادات سكان محليين.
وزادت المعارك في جنين مع إضعاف السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية بموجب اتفاقات وقعتها مع إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي، إذ تواجه السلطة الفلسطينية تراجعاً كبيراً في شعبيتها.
ويعد مخيم جنين، الذي أُقيم بعد النكبة في 1948، ويتكون من شبكة معقدة من المباني الأسمنتية والكتل الخرسانية، أحد مراكز المقاومة الفلسطينية المسلحة منذ عام 1967.