تستعد الصين لتقديم عرض لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في محاولة لتجنب زيادات أكبر في التعريفات الجمركية والقيود التكنولوجية، في أحدث إشارة تؤكد حرص بكين على بدء محادثات جديدة مع واشنطن، تجنبهما حرباً تجارية، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقالت مصادر مطلعة للصحيفة إنه كجزء من جهودها للتحضير للمفاوضات، سيركز الاقتراح الأولي للصين على استعادة المرحلة الأولى من اتفاقية تجارية وقعتها بكين مع واشنطن، خلال الولاية الأولى لترمب أوائل عام 2020، لكنها لم تنفذها.
وتتطلب المرحلة الأولى من الاتفاق زيادة مشتريات السلع والخدمات الأميركية بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين، وفي حين وصف ترمب نفسه المرحلة الأولى بأنها “أعظم صفقة تم التوصل إليها على الإطلاق”، وصفها العديد من خبراء التجارة والمديرين التنفيذيين للشركات بأنها “غير واقعية”.
ولتتمكن الصين من تحقيق الهدف المتمثل في زيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية بقيمة 200 مليار دولار مقارنة بمستويات 2017، التي بلغت 186 مليار دولار قبل اندلاع الحرب التجارية، كان ينبغي أن ترتفع الصادرات الأميركية إليها بمعدل 33% سنوياً، أي 3 أضعاف المعدل السنوي لنموها منذ انضمام بكين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001.
لكن في النهاية، لم تشترِ الصين سوى 58% من المنتجات الأميركية، ما لم يكن كافياً حتى للوصول إلى المستويات المسجلة في 2017، وفقاً لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
ورغم أن البيت الأبيض فرض رسوماً جمركية بنسبة 10% على الصين، تدخل حيز التنفيذ الثلاثاء، بسبب فشلها في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المواد الكيميائية المستخدمة في صنع مخدر “الفنتانيل”، فإن أياً من الجانبين لا يبدو مستعداً لشن حرب تجارية شاملة.
استكشاف فرص التفاوض
وتعاني الصين من وضع اقتصادي ضعيف، وأشار الزعيم الصيني شي جين بينج إلى اهتمامه بالدخول في مفاوضات مع ترمب، الذي قال بدوره إنه منفتح على الحوار من خلال تأجيل معظم الرسوم الجمركية التي وعد بها على الصين.
وفي رد أولي لم يكن قوياً، قالت وزارة التجارة الصينية إنها ستطعن على قرار واشنطن فرض رسوم جمركية في منظمة التجارة العالمية، التي تم تعطيل آليتها لحل النزاعات التجارية منذ ولاية ترمب الأولى.
كما حثت الوزارة على “الحوار الصريح” بين الجانبين، إذ دعت السفارة الصينية في واشنطن الولايات المتحدة إلى “تصحيح أخطائها”.
لكن أشخاصاً مطلعين، أشاروا إلى أن بكين اعتبرت التعريفات الجمركية بنسبة 10% وسيلة ترمب لممارسة الضغط، لكنهم أوضحوا أن خطوته التعريفية الأولى “لم تكن من نوع الضغط الأقصى”، إذ هدد برسوم جمركية تصل إلى 60%.
وفي الإطار، قالت يون صن، مديرة برنامج الصين في مركز “ستيمسون” بواشنطن، إن بكين “حريصة على معرفة السعر الذي يطلبه فريق ترمب واستكشاف مجال للتفاوض، خاصة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية والتكنولوجيا”.
ورجحت الصحيفة أن تكشف المحادثات التجارية بشأن “اتفاق المرحلة الأولى” عن انقسامات داخل إدارة ترمب، ما يعيد طرح تساؤلات بشأن جدوى اتفاق يستند إلى تعهدات كان من شبه المستحيل على بكين الوفاء بها حتى عند توقيعه.
على ماذا تركز المفاوضات الجديدة؟
وفي هذه الجولة من المفاوضات، تعتزم بكين مجدداً تقديم عروض لشراء المزيد من المنتجات الزراعية ومصادر الطاقة والسلع الصناعية الأميركية، لكنها في المقابل، ستسعى لإقناع واشنطن بالسماح لها بشراء المنتجات التي تحتاجها فعلياً، مثل الرقائق الإلكترونية الأميركية وغيرها من المنتجات التكنولوجية الخاضعة حالياً لقيود التصدير.
وقالت مصادر إن أجزاء أخرى من خطة الصين تشمل تقديم عرض لمزيد من الاستثمارات في الولايات المتحدة في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية، وتعهد متجدد من بكين بعدم خفض قيمة اليوان للحصول على ميزة تنافسية، والالتزام بخفض صادرات سلائف “الفنتانيل”.
وتسعى الصين لطرح مسألة تطبيق “تيك توك”، باعتبارها “تجارية”، وذلك رداً على تصريحات ترمب بأنه يريد تقسيم السيطرة على التطبيق بين المصالح الأميركية والصينية بنسبة 50:50.
وأشارت المصادر لـ”وول ستريت جورنال” في هذا السياق، إلى أن هذا يعني أن الحكومة تنوي البقاء بعيداً عن الطريق والسماح للمستثمرين في الشركة الأم الصينية “بايت دانس”، بالتفاوض على صفقة مع مقدمي العطاءات الأميركيين المهتمين.
ولكن من غير الواضح ما إذا كانت بكين على استعداد للتخلي عن السيطرة على خوارزمية “تيك توك”، الصيغة السرية للتطبيق لتوجيه المحتوى للمستخدمين، والتي أضافتها بكين إلى قائمة الرقابة على الصادرات.
ضغوط على الصين
ويعكس عرض الصين الافتتاحي اهتمام شي بجعل ترمب في مزاج لعقد الصفقات وسط ضغوط اقتصادية متزايدة في الصين، وفي الوقت نفسه، يجهز الزعيم الصيني بلاده لمنافسة مطولة مع الولايات المتحدة، وخاصة في المجالات التي تنطوي على التكنولوجيا، كما تضع بكين مجموعة أدوات انتقامية لبناء نفوذها الخاص في المفاوضات.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، خلال جلسات الاستماع الخاصة بالتصديق على تعيينه في المنصب، إنه منفتح على إجراء محادثات لضمان تنفيذ تعهدات الشراء المنصوص عليها في “اتفاق المرحلة الأولى”، “وربما الضغط على الصين لدفع مبلغ تعويضي” عن التأخير خلال السنوات الأربع الماضية.
وتوقعت “وول ستريت جورنال” أن يجادل مستشارون آخرون في إدارة ترمب، بمن فيهم أعضاء فريق الأمن القومي وبيتر نافارو، كبير مستشاري الرئيس لشؤون التجارة والتصنيع، بضرورة توسيع نطاق التركيز ليشمل التهديدات الأمنية الأوسع التي تشكلها بكين، وليس الاكتفاء بالملف التجاري.
وفي الاتجاه ذاته، يبدو أن هوارد لوتنيك، مرشح ترمب لمنصب وزير التجارة، يؤيد اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، بما في ذلك منع التكنولوجيا الأميركية من دعم الصناعات الصينية.
وقالت “وول ستريت جورنال” إن ترمب نفسه يبدو في الوقت الحالي “الأمل الأكبر” للرئيس الصيني في التوصل إلى اتفاق يجنب البلدين حرباً تجارية جديدة.
ونظراً للعديد من منتقدي الصين في فريق ترمب، فضلاً عن الدعم الحزبي لاستمرار الموقف الصارم تجاه بكين في واشنطن، فإن هذه التوصيات قد تؤدي إلى حزمة شاملة تهدف إلى تحريك الاقتصاد الأميركي بعيداً عن الصيني، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية أعلى ليس فقط على السلع الصينية، وأيضاً على المنتجات التي تحتوي على مكونات صينية الصنع، وتوسيع القيود المفروضة على بيع التكنولوجيا الأميركية إلى الصين.