تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يصف نفسه بأنه “رجل الرسوم الجمركية”، عدة مرات خلال حملته الانتخابية بفرض تعريفات جمركية كبيرة على الواردات الأجنبية من البلدان التي أضرت باقتصاد الولايات المتحدة.
والسبت، اتخذ ترمب البالغ من العمر 78 عاماً أول خطوة كبيرة نحو تطبيق هذه الرؤية، وأمر بفرض موجة من الرسوم على الواردات من كندا والمكسيك والصين، ليشعل بذلك حرباً تجارية عالمية جديدة، وفق صحيفة “فايننشيال تايمز”.
في المقابل، تعهدت تلك الدول بالرد بفرض تعريفات جمركية مضادة، ما يمهد السبيل لحرب اقتصادية، سيتردد صداها عبر الأسواق خلال الأسابيع المقبلة.
واعتبرت الصحيفة أن ترمب يراهن على أنه يستطيع الضغط على شركاء الولايات المتحدة التجاريين للامتثال لرغبات واشنطن، دون إحداث تسارع ضار آخر للتضخم، في وقت لا تزال تكلفة المعيشة تتصدر قائمة شواغل العديد من الأميركيين.
ما هي التدابير التي أعلنها ترمب ولماذا؟
أعلنت واشنطن عن رسوم جمركية بنسبة 25% على معظم الواردات من كندا والمكسيك، وضريبة إضافية بنسبة 10% على الواردات من الصين. واستهدفت واردات الطاقة الكندية، بمعدل أقل بلغ 10%. وستدخل الرسوم حيز التنفيذ، اعتباراً من الثلاثاء.
وقال ترمب إن الإجراءات جاءت رداً على “التهديد الرئيسي”، الذي يشكله تدفق المهاجرين والمخدرات إلى الولايات المتحدة عبر حدودها مع كندا والمكسيك.
وقبل عدة سنوات، اتخذت الصين إجراءات صارمة ضد كيانات تصدر للفنتانيل إلى أميركا الشمالية؛ لكن مجموعات صينية ردت بشحن المكونات الكيميائية، التي تسمى عقاقير أولية، إلى عصابات مكسيكية. والكارتلات بعد ذلك تصنع الفنتانيل وترسله عبر الحدود حيث أصبح السبب الرئيسي لوفيات الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 45 عاماً.
ووافقت بكين على اتخاذ إجراءات لوقف تدفق المركبات الأولية خلال قمة عقدها الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينج في سان فرانسيسكو عام 2023. ومع ذلك يريد منتقدون من الصين أن تفعل المزيد.
واتهم ترمب، السبت، الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، بدعم وتحفيز شركات محلية على تصدير الفنتانيل والمركبات الأولية.
كيف ردت كندا والمكسيك والصين؟
أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو مساء السبت، عن رسوم جمركية مضادة بنسبة 25% على سلع أميركية بقيمة 155 مليار دولار كندي (107 مليار دولار أميركي).
وقال ترودو إن الرسوم الجمركية ستشمل البيرة والنبيذ والفواكه وعصائر الفاكهة والعطور والملابس والأحذية والأجهزة المنزلية ومعدات الرياضة والأخشاب والبلاستيك.
وأضاف أن أوتاوا تدرس أيضاً “تدابير غير جمركية” تتعلّق بالمعادن الحيوية، بالاشتراك مع حكومات إقليمية.
كما أعلنت المكسيك أنها ستفرض رسوماً جمركية مضادة على السلع الأميركية دون تحديد الحجم أو الأهداف.
ولم توضح الصين بعد كيف سترد على الإجراءات. وقالت بكين، الأحد، إنها “تأسف بشدة وتعارض هذه الخطوة”، وستتخذ “التدابير المضادة اللازمة للدفاع عن حقوقها وقضاياها”.
صدرت الشركات الأميركية بضائع تبلغ قيمتها 763 مليار دولار إلى الدول الثلاث في أول 11 شهراً من عام 2024، وكانت حصة كندا 17% من إجمالي الصادرات، و16% ذهبت إلى المكسيك، و7% إلى الصين.
وكانت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم ألمحت إلى فرض تعريفات جمركية مضادة في أواخر العام الماضي، بعد تهديدات أولية لترمب.
ونقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة على الأمر، قولها إن البلاد أعدت ما تسميه “برنامجاً دائرياً” للرسوم الجمركية، إذ تستهدف المنتجات بشكل متقطع لعدة أشهر في كل مرة.
وفي نزاع تجاري عام 2018 خلال ولاية ترمب الأولى، استهدفت المكسيك قطاعات الصلب والمنتجات الزراعية.
ما هي الصناعات الأكثر تضرراً؟
رجحت الصحيفة أن شركات صناعة السيارات، ومنتجي الأغذية وقطاع البناء، التي تعتمد جميعها بشكل كبير على التجارة عبر الحدود من بين الصناعات التي ربما تتأثر بشكل أسوأ.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن شركات صناعة السيارات الأميركية، وخاصة “الثلاثة الكبار” التقليديين فورد، وجنرال موتورز، وستيلانتس، لديها مصانع في جميع البلدان الثلاثة. كما يصنع موردو السيارات الأميركيون البضائع في المكسيك، ونحو 16% من قيمة السيارة المصنوعة في الولايات المتحدة مستمدة من العمل الذي يجري في المكسيك أو كندا.
وشركات صناعة السيارات التي تعمل في المكسيك وكندا ستواجه خيارين وهما أما تحمل التكلفة أو رفع الأسعار للمستهلكين.
ونقلت “فايننشيال تايمز” عن دانييل رويسكا، المحلل في مؤسسة “بيرنشتاين” لإدارة الثروات ومقرها نيويورك، أن ضريبة الاستيراد يمكن أن تعطي دفعة تنافسية لشركات صناعة السيارات الكورية الجنوبية واليابانية التي تبيع في السوق الأميركية.
بينما ستتأثر بشدة واردات المواد الغذائية من كل من كندا والمكسيك. وفي عام 2023، استوردت الولايات المتحدة منتجات زراعية من المكسيك تتجاوز قيمتها 45 مليار دولار، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، وتشمل الفراولة والتوت والطماطم ولحم البقر.
كما استوردت منتجات أخرى بقيمة 40 مليار دولار من كندا، منها اللحوم والحبوب والبطاطس والزيوت.
وستواجه مواد البناء أيضاً ضغوطاً، في ظل استيراد نحو ثلث الأخشاب اللينة المستخدمة في الولايات المتحدة من كندا. كما تصدر كندا والمكسيك مجتمعتين أكثر من خمس واردات الإسمنت الأميركية.
بدوره، قال جيمس نايتلي، كبير خبراء الاقتصاد الدولي في مؤسسة ING للخدمات المصرفية ومقرها أمستردام: “قدر كبير من الزيادة في التكلفة الناجمة عن الرسوم الجمركية سيمرر إلى المستهلكين الأميركيين”.
ما هي المنتجات المستثناة من الجمارك؟
نجت صناعة النفط الكندية من أسوأ رسوم ترمب الجمركية، مع فرض ضريبة بنسبة 10%، إذ سعى البيت الأبيض إلى الحد من التأثير التضخمي على سائقي السيارات الأميركيين.
وتعتمد الولايات المتحدة إلى حد كبير على واردات النفط الخام لتغذية مصافيها، إذ يأتي نحو 40% من النفط الخام المكرر في البلاد من الخارج. وتمثل حصة كندا 60%، والمكسيك 11%، وبالتالي الارتفاع الكبير في تكلفة واردات النفط سيشعر به المستهلكون في محطات الوقود.
وفي تعليق على الأمر، قال تشيت تومسون، وهو رئيس اتحاد مصنعي الوقود والبتروكيماويات الأميركي، وهو اتحاد يضم شركات تكرير النفط، إنه يأمل في التوصل إلى اتفاق “سريعاً” لإنهاء جميع الرسوم الجمركية على الصناعة “قبل أن يشعر المستهلكون بالتأثير”.
ولم يذكر إعلان السبت الاتحاد الأوروبي، لكن ترمب قال في اليوم السابق إنه “يخطط بالتأكيد” لاستهداف التكتل برسوم جديدة في المستقبل، مضيفاً: “سنفعل شيئاً كبيراً للغاية مع الاتحاد الأوروبي”.
إلى متى ستستمر الرسوم؟
قال البيت الأبيض إن التعريفات الجمركية الجديدة ستظل سارية “حتى يجري تخفيف أزمة (الهجرة والمخدرات)”. لكن محللين قالوا إنهم اختبروا نطاق الصلاحيات الرئاسية ومن المرجح الطعن عليهم أمام المحاكم.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترمب استخدم قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977 (IEEPA) لتطبيق التعريفات الجمركية، ما يمثل المرة الأولى التي يستخدم فيها القانون لتطبيق الرسوم على البلدان.
وقالت جريتا بيش، وهي شريكة في شركة محاماة “وايلي راين” Wiley Rein ومستشارة تجارية سابقة للحكومة الأميركية، إن “هذه الخطوة ليست مجرد قرار فرض تعريفات جمركية عدائية من حيث الحجم والنطاق، بل إنها أيضاً تأكيد عدواني لسلطة الرئيس في فرض هذه التعريفات”، مضيفة: “(الرئيس) كسر مجدداً قاعدة جديدة، ويختبر حدود الصلاحيات التجارية المفوضة من الكونجرس”.
وهدد ترمب بتطبيق تعريفات واسعة النطاق على المكسيك في عام 2019 على خلفية أزمة الهجرة، مشيراً إلى قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، لكنه في النهاية لم يستخدمها.
واستخدم الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون مقدمة لقانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA)، بموجب قانون “التجارة مع العدو” الصادر في عام 1917، لتطبيق تعريفات جمركية لفترة وجيزة بنسبة 10% على شركاء الولايات المتحدة التجاريين.