أثارت مسودة مشروع قانون الأحزاب في الجزائر جدلاً واسعاً بين مختلف المكونات السياسية في البلاد وخلافاً، بسبب ما اعتبرته أحزاب “خطوة نحو التضييق على الأحزاب وتحجيم دورها”، أبرزها تحديد فترات رؤساء الأحزاب ومنع انتقال نواب البرلمان من حزب إلى آخر.
وتسلمت الأحزاب نسخاً من مسودة مشروع القانون الذي يتكون من 7 أبواب تحتوي على 97 مادة، وطرحته الحكومة بهدف استطلاع الآراء بشأنه واقتراح التعديلات التي يمكن أن ترى الأحزاب ما يناسبها.
وأظهرت النقاشات المستمرة بشأن المسودة وجود خلافات بشأن الأحزاب السياسية، والدور الذي يمكن أن تلعبه على الساحة السياسية مستقبلاً في ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
وبينما رأت بعض الأحزاب أن مشروع القانون يفتح آفاقاً جديدة لتنظيم الخارطة السياسية، تعتبره أحزاب أخرى “خطوة نحو تضييق الخناق على الأحزاب وتحجيم دورها الفاعل في إدارة الشأن العام”.
شروط جديدة لتأسيس الأحزاب
تتضمن مسودة المشروع التي اطلعت عليها “الشرق” عدداً من البنود “المثيرة للجدل”، وفق بعض السياسيين، أبرزها منع “ظاهرة التجوال السياسي” أي التنقل من حزب سياسي لآخر، إذ ينص مشروع القانون على الشطب من عضوية البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة ومجلس النواب) كل منتخب يغير الانتماء الحزبي، فضلاً عن شطبه نهائياً من سجلات الحزب، بهدف مجابهة الظاهرة.
وفي ما يتعلق بتأسيس الأحزاب، يقترح مشروع القانون إجراءات جديدة لتأسيس الأحزاب، منها أحقية الإدارة في طلب وثائق إضافية، أو استبدال أي عضو لا يستوف الشروط، وعدل نسبة تمثيل الولايات في المؤتمرات التأسيسية، إذ يتطلب أن يكون المؤتمر ممثلاً بنسبة 50% من عدد الولايات كحد أدنى.
ويشترط على الأحزاب في القانون ساري المفعول أن يجمع المؤتمر التأسيسي 400 مؤتمر على الأقل، منحدرين عن ثلث عدد الولايات على الأقل، دون أن يقل عدد المؤتمرين عن 16 مؤتمراً عن كل ولاية.
كما تمنعُ المادة 53 أي ارتباط للأحزاب مع النقابات أو الجمعيات أو تنظيمات غير سياسية في وقت تسمحُ فيه المادة 54 التعاون مع أحزاب أجنبية شرط عدم تعارضها مع الدستور والقوانين المحلية، على أن يتم ذلك بموافقة سابقة من وزير الداخلية وبالتشاور مع وزير الخارجية.
تقييد ومخاوف
وتلزم مسودة المشروع أجهزة الحزب بانتخابها لمدة 5 سنوات كحد أقصى، مع إمكانية تجديدها بصفة متتالية مرة واحدة، وذلك بهدف مبدأ التداول الديمقراطي في تنظيم الحزب السياسي وسيره.
وانتقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً بعض القيادات الحزبية الداعية إلى التغيير بينما ظلّ هؤلاء متمسكين بمواقعهم ومناصبهم الحزبية منذ سنوات دون أن يشير إليهم.
وتشهد عدد من الأحزاب السياسية ظاهرة التمركز القيادي، على غرار حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون منذ ثلاثة عقود، وجبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله منذ أكثر من عقد ونصف، كما ينطبق الأمر على حزب جيل جديد الذي يترأسه جيلالي سفيان منذ قرابة 13 سنة.
ويرى القيادي في حزب البناء الوطني، كمال بن خلوف، أن إلزام مدتين فقط للجهاز التنفيذي والتداولي سيؤدي إلى ما وصفه بـ”تصحير” الحياة السياسية، معتبراً أن هذا الإجراء يعدُ تدخلاً في الشأن الداخلي للأحزاب.
وفي حديثه لـ”الشرق”، اعتبر كمال بن خلوف أن المشروع ركز بشكل مفرط على الإجراءات الإدارية مع تعقيدها، وهو ما قد يحول الأحزاب إلى مجرد هياكل إدارية تابعة للإدارة.
وأضاف عضو مجلس النواب أن المسودة التي وزعت على الأحزاب السياسية جاءت مفرغة من أي رؤية سياسية واضحة حول دور الأحزاب السياسية في إدارة الشأن العام مستقبلاً.
وأشار بن خلوف إلى أن الإفراط في القيود الإدارية ستحول مؤسسي الأحزاب، بعد 10 سنوات، إلى مجرد مناضلين، مما يؤدي إلى عجز في تطوير الحياة السياسية.
كما نبه بن خلوف إلى أن المشروع أغفل تحديد رؤية واضحة لدور الأحزاب وعلاقتها بالدولة، وكذلك كيفية بناء طاقات سياسية قادرة على إدارة الشأن العام، وضمان التلاحم الوطني.
واعتبر بن خلوف أن تفويض المرأة أو الشباب، خاصة في المناطق الريفية والجنوب، قد يتحول إلى عرقلة بسبب غياب استراتيجيات واضحة تأخذ التنوع الاجتماعي بعين الاعتبار.
ويكرس مشروع القانون الجديد الحقوق السياسية للمرأة وكذا الشباب تطبيقا لأحكام الدستور، حيث يلزم الحزب السياسي بتحديد نسبة ممثلة من النساء والشباب داخل مختلف أجهزة وهياكل الحزب السياسي، وإدراجها في قانونه الأساسي.
من جانبهِ يرى، سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، أنّ الحزب الذي يتكون مجلسه الوطني (الهيئة التداولية أو اللجنة المركزية) من 150 أو 200 عضو، ومكتبه الوطني (أو المكتب السياسي) من 10 إلى 30 عضواً، يجب على جميعهم مغادرة مناصبهم كحد أقصى بعد انتهاء الولاية الثانية.
وأوضحَ سفيان جيلالي، عبر منصة “إكس”، إن إنشاء حزب سياسي، وتحديد خطه السياسي، وتكوين إطارات سياسية بمستوى جيد يتطلب ما بين 20 و30 سنة.
واستدلّ بوضعية حزبه “جيل جديد” الذي أنشأ في سنة 2012 والذي ينص نظامهُ الأساسي على تحديد عدد الولايات لرئيس الحزب باثنتين فقط وبحلول أوائل عام 2027، سيتم تغيير قيادة الحزب.
لكنهُ أوضح بأن المادة 37 من هذا القانون، ستمنع الإطارات القيادية التي ناضلت لمدة 10 سنوات لبناء الحزب الحق في الترشح لرئاسة الحزب كما توجبهم مغادرة المجلس الوطني للحزب.
ونوه جيلالي أنهُ في عام 2027، سيكون من الضروري العثور على ما لا يقل عن مائة إطار جديد لقيادة الحزب ومع الأخذ في الاعتبار أن مسؤولي الولايات هم أعضاء في المجلس الوطني، فإنه سيتوجب تغيير جميع إطارات الولايات دفعة واحدة.
خارطة سياسية جديدة
وينشط في الجزائر 63 حزباً سياسياً تختلف أيديولوجياتها بين الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين وغيرها من التوجهات.
لكن 14 حزباً فقط تحظى بتمثيل نيابي في مجلس النواب إضافة إلى النواب المستقلين (الأحرار)، وفقاً لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021.
ويتيح مشروع القانون الجديد للأحزاب للوزير المكلف بالداخلية إخطار العدالة لحل الحزب السياسي الذي لم يقدم مترشحين لموعدين انتخابيين متتاليين، وذلك بهدف مراجعة طريقة عمل الأحزاب السياسية وتعزيز مشاركتها في مختلف الاستشارات الانتخابية.
وفي هذا السياق، يرى عضو مجلس النواب عن حزب جبهة التحرير الوطني، علي ربيج، أن هذا البند سيكون عاملاً مهماً للقضاء على الأحزاب “الطفيلية” والمجهرية وإعادة رسم الخارطة السياسية، حسب قوله.
وأشار ربيج في حديثه لـ”الشرق” إلى أن بعض الأحزاب “تؤجر” اعتماداتها لجهات وجماعات تستغل النفوذ المالي والسياسي من أجل الوصول إلى مراكز صنع القرار، وعلى رأسها البرلمان والبلديات.
وأضاف المتحدث أن هذا القانون جاء بمجموعة من الشروط والقواعد الصارمة لتنظيم وإنعاش الأحزاب السياسية، وخلق آليات مهمة لضمان سير الحزب بشكل طبيعي، وإبعاد الحزب عن الانسدادات والحركات التصحيحية التي كانت تشلّ الأعمال.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت الأحزاب السياسية الكبرى، مثل حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الديمقراطي، حركات تصحيحية عقب أحداث الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في فبراير من عام 2019.
كما نبهَ علي ربيج ضبط مشروع القانون الموارد المالية للأحزاب من خلال تلقي المساعدات من طرف الدولة مع ضمان ذلك من خلال تقديم بيانات وتقارير مالية مفصلة عن هذه الإعانات وتأكيد الرفض على أي تمويل أجنبي للأحزاب.
وحددت مسودة مشروع قانون الأحزاب موارد الأحزاب السياسية ومصادرها، التي تشمل اشتراكات أعضائه، والهبات والوصايا والتبرعات، والعائدات المرتبطة بنشاطاته وممتلكاته، بالإضافة إلى التمويل العمومي المحتمل الذي تقدمه الدولة.
كما نصت المادة 75 من المشروع على منع الأحزاب السياسية من تلقي أي تمويل، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، من مصدر أجنبي بأي شكل أو صفة كانت كما منع على الأحزاب أيضاً تلقي هبات ووصايا وتبرعات من مصدر محلي تكون مقيدة بأعباء أو شروط.
كما حددت الهبات والوصايا والتبرعات التي يمكن أن يتلقاها الحزب، بحيث لا تتجاوز 300 مرة الأجر الوطني الأدنى المضمون في السنة الواحدة.
ويُشترط أن يتم التصريح بتلقي الهبات والوصايا والتبرعات لدى الوزير المكلف بالداخلية خلال أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ الحصول عليها. ويجب أن يتضمن التصريح هوية صاحب التبرع أو الهبة أو الوصية، بالإضافة إلى قيمتها وطبيعتها.
ومن المرتقب أن يحالَ مشروع قانون الأحزاب الجديد على المناقشات العامة في مجلس النواب بعد أيام قليلة من إعلان رئيس مجلس النواب إبراهيم بوغادي استلام مشروع قانون الأحزاب والجمعيات داخل أكبر هيئة تشريعية في البلد والإعلان عن تنصيب لجنتين لدراستهما.