لم يكن 7 أكتوبر مجرد هجوم غير مسبوق شنّته حركة “حماس” على إسرائيل، بل كان أشبه بـ”زلزال” أعادت ارتداداته رسم ملامح الشرق الأوسط، حيث شهدت المنطقة تغيراً كبيراً في مناطق النفوذ وموازين القوى، سواء من خلال تدمير قدرات عسكرية لبعض القوى، واغتيال قادة بارزين، وانسحاب فصائل مسلحة خارج حدود سيطرتها، وحتى سقوط النظام السوري.
وبدت إيران أكبر المتضررين في المشهد الجديد، إذ تعرض حلفاؤها في غزة ولبنان وسوريا إلى ضربات كبيرة.
“طوفان الأقصى”
في صباح السبت 7 أكتوبر 2023، أطلقت “حماس” عملية عسكرية ضد مستوطنات ومواقع تابعة للجيش الإسرائيلي، بدأت بإطلاق وابل من الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية، وبعد ذلك، اخترق مئات المقاتلين السياج الحدودي في غلاف غزة، واستخدم آخرون الطائرات الشراعية والزوارق السريعة عبر البحر.
وعند الساعة الـ8 صباحاً ألقى محمد الضيف القائد العام لكتائب “عز الدين القسام” الجناح العسكري لـ”حماس”، بياناً أعلن فيه رسمياً عن عملية “طوفان الأقصى”، رداً على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى، وطالب كلّ من يملك بندقية بإخراجها والانخراط في القتال، داعياً الدول العربية والإسلامية إلى الزحف نحو فلسطين.
وأدت تلك العملية إلى سقوط 1200 إسرائيلي على الأقل، من بينهم ضباط وجنود، إضافة إلى احتجاز أكثر من 240 شخصاً ونقلهم إلى داخل القطاع.
إسرائيل تعلن الحرب على غزة
بعد وقت قصير من هجوم “حماس”، دوّت صافرات الإنذار في عشرات المستوطنات الإسرائيلية، وما أن استوعبت إسرائيل الصدمة حتى أعلن جيشها أنه “في حالة حرب”، ودعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اجتماع طارئ لمسؤولي الأمن، ثم أطلقت عملية عسكرية باسم “السيوف الحديدية” ضد غزة.
بدأ الجيش الإسرائيلي قصف القطاع الفلسطيني بالمقاتلات الحربية، مستخدماً أطناناً من القذائف والمتفجرات، ثم توغلت قواته البرية داخل أحياء غزة.
وبعد ما يقرب من 470 يوماً على الحرب الإسرائيلية، تحولت غزة إلى حطام ولم يبقَ حجرٌ فوق حجر، ولقي ما لا يقل عن 47 ألف فلسطيني حتفهم، وتشرّد ما يزيد عن 2 مليون من سكان القطاع الذي تبلغ مساحته 360 كيلو متراً مربعاً فقط.
وفوق هول الكارثة الإنسانية، يقول مسؤولو الصحة في غزة إن الآلاف لا يزالون تحت الأنقاض.
حزب الله يدخل المعركة
بعد يوم واحد من عملية “طوفان الأقصى”، أطلق “حزب الله” اللبناني عدداً من الصواريخ وقذائف المدفعية على مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، مؤكداً أن الهدف منها هو إسناد الفلسطينيين في غزة.
وردت إسرائيل بشن هجمات بالمقاتلات الحربية على مواقع “حزب الله” في جنوب لبنان.
وكان الاعتقاد أن القصف المتبادل الذي بدأ 8 أكتوبر 2023 بين “حزب الله”، وإسرائيل سيبقى في حدود قواعد الاشتباك، إلا أن الحرب تصاعدت في الأشهر اللاحقة، تجاه الجماعة الموالية لإيران، والتي ستفقد أبرز قادتها وعناصرها وقدراتها العسكرية، قبل أن تضطر إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي 27 نوفمبر الماضي بدأ سريان وقف إطلاق النار بين “حزب الله”، وإسرائيل بعد اتفاق تسوية تم التوصل إل بوساطة دولية.
وتجاوزت حصيلة الضحايا اللبنانيين جراء الحرب الإسرائيلية الـ4 آلاف شخص، فضلاً عن تدمير الكثير من البنى التحتية والأحياء السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وبعض المناطق الأخرى.
هجمات الحوثيين
بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة، أعلنت جماعة “الحوثي” في اليمن انخراطها بالحرب دعماً لغزة، من خلال استهداف إسرائيل وضرب مصالحها في البحر الأحمر.
وفي يوم 19 أكتوبر 2023، أطلقت الجماعة اليمنية عدداً من الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، لكن المدمرة الأميركية “يو إس إس كارني”، اعترضتها قبل وصولها إلى أهدافها.
وفي نهاية الشهر نفسه، استهدف الحوثيون ميناء إيلات الإسرائيلي بصواريخ ومسيرات، ثم أعلنوا في نوفمبر اختطاف سفينة “Galaxy Leader”، وأسر أفراد طاقمها، في عملية نوعية لإعلان التضامن مع غزة، وتعهدوا بمنع مرور السفن المتجهة لإسرائيل.
وأدت هجمات الحوثيين إلى عرقلة حركة الشحن في البحر الأحمر، وكبّدت الدول والشركات خسائر بمليارات الدولارات، ودفعت الكثير من البواخر إلى تغيير مسار شحناتها نحو ممرات مائية أخرى.
وتعهدت جماعة الحوثي المدعومة من إيران بوقف الهجمات على إسرائيل، وعلى حركة الشحن في البحر الأحمر، حال إنهاء الحرب على غزة.
تحالف “حارس الازدهار”
في خطوة من شأنها ردع الحوثيين وإحباط أنشطتهم العسكرية في البحر الأحمر، أعلن وزير الدفاع الأميركي في 18 ديسمبر 2023، تشكيل تحالف دولي تحت اسم “حارس الازدهار”.
وضم التحالف أكثر من 20 دولة، منها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وإسبانيا.
وبدأ التحالف ضرباته في يناير 2024، مستهدفاً مواقع الحوثيين العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والمراكز اللوجستية ومخازن الأسلحة.
وقالت واشنطن إن الهدف الأساسي من التحالف هو ضمان حرية الملاحة والتجارة.
اغتيال قادة “حماس”
بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، وضعت إسرائيل قائمة اغتيالات تضم عدداً من أبرز قادة “حماس” في غزة والخارج، وفي 2 يناير 2024 أسفرت ضربة إسرائيلية جوية، استهدفت مقراً للحركة في ضاحية بيروت الجنوبية عن اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري.
وفي 1 أغسطس 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال محمد دياب إبراهيم المصري المعروف باسم ”محمد الضيف”، القائد العسكري لـ”حماس”، في ضربة جوية يوم 13 يوليو من العام نفسه، في حين لم تؤكد الحركة” حتى الآن، كما لم تنفِ وفاة الضيف.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي مصرع نائب القائد العسكري لـ”حماس” مروان عيسى في غارة جوية خلال مارس 2024، لكن الحركة لم تؤكد نبأ وفاته أيضاً.
“العدل الدولية” تأمر باعتقال نتنياهو
في 11 يناير 2024، انطلقت جلسات استماع محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بارتكابها جريمة “إبادة جماعية” في قطاع غزة.
وفي قرار وُصف بـ”التاريخي”، أدانت محكمة العدل الدولية في نوفمبر من العام نفسه، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما يشمل استهداف المدنيين واستخدام التجويع كسلاح.
ثم أصدرت المحكمة أوامر باعتقال نتنياهو جالانت، وملاحقتهما دولياً من قبل الدول الموقعة على ميثاق روما، وبينما رحبت فلسطين وبعض البلدان بالقرار، باعتباره خطوة نحو العدالة، رفضته إسرائيل واعتبرته معادياً للسامية.
ضرب قنصلية إيران بدمشق
في مطلع أبريل 2024، تعرضت القنصلية الإيرانية بدمشق إلى غارة جوية خلال اجتماع لعدد من كبار القادة العسكريين، أسفرت عن سقوط عدد منهم، مثل العميد في الحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي.
وأثار القصف غضب السلطات في طهران، إذ وصفته بـ”الهجوم الإرهابي والجبان” وتوّعدت بالرد، موجّهة أصابع الاتهام نحو إسرائيل، بينما لم تعترف هذه الأخيرة بمسؤوليتها.
إيران تقصف إسرائيل
بعد نحو أسبوعين، ردت طهران بإطلاق مئات الصواريخ البالستية، والطائرات المسيرة في عملية ضد إسرائيل أطلقت عليها اسم “الوعد الصادق”.
وفي ليل 13 أبريل، بدأ الهجوم بالتنسيق مع الفصائل الموالية لإيران في العراق، و”حزب الله” اللبناني، وجماعة الحوثي في اليمن، وذكر الجيش الإسرائيلي أن منظومته الدفاعية والقبة الحديدية تصدّت لأكثر من 170 طائرة مُسيرة وأكثر من 120 صاروخاً باليستياً.
مع ذلك لم يوقع الهجوم الإيراني أضراراً كبيرة أو خسائر بشرية في إسرائيل.
وفي مطلع أكتوبر، شنّت إيران هجومها الثاني على إسرائيل خلال العام 2024، واستخدمت فيه أكثر من 180 صاروخاً، رداً على اغتيال إسماعيل هنية بطهران، وحسن نصر الله في بيروت، إلا أن الهجوم الذي أعلنت طهران عن توقيته قبل وقوعه على غرار الأول، كان محدوداً في تأثيره وأضراره.
اغتيال إسماعيل هنية
في 31 يوليو الماضي 2024، تعرض إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” لعملية اغتيال أثناء إقامته في طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان.
وسرعان ما وجهت السلطان الإيرانية أصابع الاتهام نحو إسرائيل.
ولا تزل الروايات متضاربة بشأن الطريقة التي نُفذت فيها العملية، إذ تُشير بعضها إلى استهداف الغرفة التي كان يقيم فيها هنية بصاروخ، بينما ذكرت مصادر أخرى أن عملاء الموساد قاموا بزرع قنبلة قرب سريره.
ولم تعترف إسرائيل بوقوفها خلف الاغتيال حتى ديسمبر، عندما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن تل أبيب ستُكرر ما فعلته مع هنية في إيران، ويحيى السنوار في غزة، وحسن نصر الله في لبنان.
وقال كاتس: “لقد هزمنا حماس، وانتصرنا على حزب الله، وأعطبنا أنظمة الدفاع الإيرانية ووجهنا ضربة لقدراتهم الإنتاجية، وأسقطنا نظام (بشار) الأسد في سوريا، وضربنا بقوة محور الشر، وسنضرب بقوة أيضاً جماعة الحوثي في اليمن”.
هجمات “البيجر”
على مدى يومي 17 و18 سبتمبر الماضي، فجّرت إسرائيل آلافاً من أجهزة الاتصال اللاسلكية “البيجر” و”الوكي توكي”، كان يستخدمها عناصر “حزب الله” اللبناني، ما أدى إلى مصرع نحو 40 شخصاً وإصابة 4 آلاف على الأقل، من بينهم السفير الإيراني في بيروت.
وكشف ذلك الهجوم عن اختراق أمني كبير لمنظومة “حزب الله”، إذ تمكّنت الاستخبارات الإسرائيلية عن طريق وسطاء وشركات وهمية من توريد آلاف أجهزة اللاسلكي المفخخة إلى الجماعة الموالية لإيران.
وبحسب تقارير عديدة، صمم عملاء الموساد الإسرائيلي الذين صنعوا الأجهزة، بطارية تخفي كمية صغيرة، لكنها قوية من المتفجرات البلاستيكية وأداة تفجير جديدة لا تكشفها الأشعة السينية.
اغتيال حسن نصر الله
في حدث لم يكن متوقعاً على نطاق كبير، لقي زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله حتفه في ضربة جوية إسرائيلية، يوم 27 سبتمبر 2024 في الضاحية الجنوبية لبيروت.
واستخدمت إسرائيل في عملية الاغتيال 80 طناً من القنابل، أسقطتها على المبنى حيث كان نصر الله يعقد اجتماعاً مع عدد من قادة الحزب في الطابق الـ14 تحت الأرض، بحسب تقارير.
وأودى ذلك الهجوم أيضاً بحياة قائد الجبهة الجنوبية في حزب الله علي كركي، ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفوروشان، وآخرين.
وعندما تم تنفيذ الضربة كان نتنياهو في زيارة إلى نيويورك، لكنه سرعان ما عاد أدراجه ليتابع تطورات اغتيال نصر الله، معلناً نجاح العملية، بينما اعتبر “حزب الله” ما حدث ضربة قاسية، وتوعد بالرد والانتقام لزعيمه.
وفي أكتوبر 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال القيادي البارز في “حزب الله” هاشم صفي الدين، في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان يُنظر إلى صفي الدين على أنه الخليفة المحتمل لـ”نصر الله”.
صدفة تغتال يحيى السنوار
بعد مرور أكثر من عام على عملية “طوفان الأقصى”، استطاعت إسرائيل اغتيال يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يوم 16 أكتوبر، خلال تبادل لإطلاق النار جنوبي غزة.
وكان يُنظر إلى السنوار على أنه العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر، وهو معتقل سابق قضى 24 عاماً في السجون الإسرائيلية قبل أن يتم الإفراج عنه في صفقة تبادل عام 2011.
وذكرت مصادر استخباراتية إسرائيلية بعد إعلان رحيل السنوار، أن الجيش اكتشف موقعه بالصدفة، وذلك عندما دخلت قوة عسكرية إلى أحد المباني في رفح ورصدت وجود 3 مسلحين، لتقوم باغتيالهم جميعاً، وبحسب الرواية الإسرائيلية، حينما اقترب الجنود للتعرف على هويات من لقوا مصرعهم، اكتشفوا أن أحد الجثامين يشبه بشكل شبه مؤكد يحيى السنوار.
ونعت “حماس” زعيمها في بيان أعقب اغتياله بيومين، مشيرة إلى أنه قضي في اشتباك مسلح مع القوات الإسرائيلية بغزة، ووصفته بقائد معركة “طوفان الأقصى”، مؤكدة أن رحيله لن يزيدها إلا قوة وتمسكاً بثوابت الحركة.
قصف منزل نتنياهو
في خضم التصعيد العسكري بين إسرائيل، و”حزب الله”، تعرض منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا لهجومين منفصلين عام 2024، الأول خلال أكتوبر، عندما استهدفت طائرة مسيرة يُعتقد أنها أُطلقت من لبنان باتجاه المدينة الساحلية حيث يقع منزل نتنياهو الذي لم يكن موجوداً هو وعائلته.
واتهمت تل أبيب، “حزب الله”، وإيران بالمسؤولية عن الهجوم، واعتبرته “خطأً فادحاً”.
وفي نوفمبر، سقطت قنبلتان ضوئيتان في ساحة منزل نتنياهو، وتم اعتقال 3 متهمين، من بينهم ضابط احتياط إسرائيلي، للاشتباه بضلوعهم في الهجوم.
سقوط نظام الأسد
وبالتزامن مع توقيع إسرائيل و”حزب الله” على اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، 27 نوفمبر 2024، بدأت فصائل المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” هجوماً واسعاً أطاح خلال 10 أيام بنظام بشار الأسد، الحليف الرئيسي لـ”حزب الله”، وإيران.
لم يكن الأسد متورطاً بعملية “طوفان الأقصى”، وحاول النأي بنظامه عن الصراع المسلح الذي طال معظم حلفائه في المنطقة، إلا أن تداعيات 7 أكتوبر التي غيّرت ملامح الشرق الأوسط وصلت أخيراً إلى دمشق، وجعلت الأسد لاجئاً في موسكو.
ولم تكن المفاجأة بسقوط الأسد فحسب، بل بالسلطة الجديدة في سوريا أيضاً، إذ يتولى قيادة البلاد منذ 8 ديسمبر زعيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم “أبو محمد الجولاني”، والذي رغم أنه لا يزال مدرجاً في قائمة “الإرهاب” الأميركية، لكنه يستقبل الوفود الدبلوماسية بشكل مستمر من مختلف دول العالم، ويُنظر إليه حالياً على أنه الحاكم الفعلي للبلاد، بينما لا تزال الأنظار شاخصة إلى الطريقة التي سيقود فيها المرحلة الانتقالية والتغير السياسي في سوريا.