بدأ مجلس النواب المصري مناقشة قواعد مراقبة الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، ضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً وسط اتهامات بانتهاك الخصوصية، بجانب المخاوف من تعارض المواد مع الدستور، فيما دافع رئيس المجلس حنفي جبالي عن الخطوة، قائلاً إنها “لا تحمل توسعاً في صلاحيات سلطات الضبط”.
وتسمح المادتان 79 و 116 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، للنيابة العامة بإمكانية مراقبة وتسجيل المراسلات والهواتف الخاصة، والتنصت على الاجتماعات الخاصة؛ بموجب إذن مسبب من القضاء يصدر لمدة 30 يوماً، مع إمكانية تجديدها لمدة أو لمدد مماثلة.
وحددت التعديلات المطروحة الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى ذلك الإجراء، إذ نصت المادة 79 على تنفيذه “في أي جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على 3 أشهر”، فيما نصت المادة 116 على أنه “متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في أبواب قانون العقوبات: الأول (الجنايات المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج)، والثاني (الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل)، والثاني مكرر (المفرقعات)، والثالث (الرشوة)، والرابع (اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر)، بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة”.
وعلى الرغم من تطمينات رئيس مجلس النواب وأعضاء بالمجلس، بأن المراقبة ستكون بإذن قضائي محدد بمدة 30 يوماً قابلة للتجديد، إلا أن نشطاء حقوق إنسان، ونواب اعترضوا على صياغة المادة التي تؤدي إلى مراقبة طويلة، دون مبرر واضح.
تقييد مدد المراقبة
عضو لجنة الاتصالات بمجلس النواب، مها عبد الناصر، ترى أن مراقبة الاتصالات الهاتفية موجودة مسبقاً بالقانون المصري، موضحة أن الإضافة تتعلق بفرض رقابة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة أنها باتت الأكثر تأثيراً في السنوات الأخيرة.
وقالت مها، لـ”الشرق”، إن الرقابة تُفرض على المُتهمين على ذمة قضايا، وليس أي شخص عادي، معتبرة أن الرقابة على منصات التواصل لا تنتهك خصوصية المواطنين، لا سيما أنهم ينشرون ما يتعلق بحياتهم وآرائهم على الملأ، وأمام الآلاف على المنصات.
وبينما أثار مشروع القانون الجديد، مطالب برلمانية بتقييد مُدد المراقبة، لفتت مها إلى أن تلك النقطة “بالغة الأهمية”، وقدمت مع عدد من النواب طلباً لتقييد مدة المراقبة على أن تكون “فترتين بحد أقصى”، إلا أن الطلب قوبل بالرفض، ما يعني أن الرقابة تكون لمدة قابلة للتجديد دون حد أقصى.
النائبة مها عبد الناصر ترفض أن تكون المادة وسيلة لتقييد الحُريات، على الرغم من أنها تطبق في إطار قانوني على المُتهمين فقط، على غرار “المُنتمين لجماعة إرهابية أو المُحرضين على العنف”، ومختلف أشكال الجريمة.
النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، قال إن المادة 79 تنص على أن أي أمر بمراقبة الاتصالات أو حسابات مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من الوسائل التقنية؛ لا يمكن أن ينفذ إلا بعد صدور إذن مسبب من القاضي الجزئي، وبالتالي فهناك حالات محددة ومقيدة قانونياً.
وأوضح رضوان لـ”الشرق” أن المراقبة مشروطة بوجود تحقيق في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على 3 أشهر، ولا يجوز تطبيق هذه الإجراءات في حالات أخرى أو بشكل عشوائي.
ولفت إلى أن المادة أضافت ضمانة قانونية تتمثل في أن يكون الإذن القضائي مسبباً، ما يعزز الشفافية والمشروعية في إصدار الأوامر المتعلقة بالمراقبة.
ورداً على الجدل المثار بشأن مدد المراقبة، اعتبر رضوان أن الأمر يتوافق مع المادة 57 من الدستور، والتي اشترطت أن يكون الأمر القضائي ذاته الصادر بالمراقبة محدد المدة، ولم يضع حداً أقصى لجميع مدد المراقبة على اختلافها، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 207 لسنة 32 قضائية دستورية بجلسة 1 ديسمبر 2018.
وتنص المادة 57 من الدستور المصري على أن “لحياة المواطنين الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال، حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون”.
ويرى رضوان أن التعديلات تهدف إلى أن تتماشى مع التطور التكنولوجي، ولذلك وسعت المادة 79 نطاق الأدوات المشمولة بالمراقبة لتشمل حسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو الصوتية أو المصورة، بما يتماشى مع التغيرات التقنية الحديثة، موضحاً أن المادة تتضمن ذات الأحكام الواردة في المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية المعمول به حالياً، مع تعديل السلطة المختصة؛ لتكون لعضو النيابة العامة بدلاً من قاضي التحقيق.
التعارض مع الخصوصية
المحامية بالنقض ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة، انتصار السعيد، ترفض مواد القانون، مبررة رفضها بأن مراقبة الاتصالات تتعارض مع الحق في الخصوصية المنصوص عليه في العديد من الوثائق الحقوقية الدولية.
وقالت لـ”الشرق” إن مراقبة منصات التواصل الاجتماعي تتداخل مع حرية التعبير، المنصوص عليها في المادة 19 من العهد الدولي لحقوق الإنسان، خاصة إذا كانت المراقبة تؤثر على قدرة الأفراد على التواصل بحرية دون خوف من رقابة أو ملاحقة.
وأضافت انتصار أن المادة 79 تتيح للسلطات القضائية مثل النيابة العامة أو المحكمة، إصدار إذن قضائي لمراقبة اتصالات الأفراد، سواء كانت عبر الهواتف أو الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي، في حال الاشتباه بارتكاب جريمة، وفي بعض الحالات الاستثنائية ربما يجري تنفيذ هذا الإجراء قبل الحصول على الإذن القضائي، بشرط إخطار النيابة في أسرع وقت ممكن.
المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أعرب عن قلقه البالغ من موافقة مجلس النواب على المادة 79، وقال، في بيان، إن المادة بنصها الجديد تخالف النصوص الدستورية، خاصة الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور، التي تكفل حق الاجتماع الخاص سلمياً، دون حاجة إلى إخطار سابق، وتحظر على رجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه.
وشدَّد المركز على أنه إذا كان الواجب قراءة نصوص الدستور جملة وعدم تجزئتها، فإن هذه القراءة تقتضي من المشرع أن يحذف عبارة “أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص” اتساقاً مع نص الفقرة الثانية من المادة 73 بالدستور”.
“الدستور الثاني”
ويوصف قانون الإجراءات الجنائية بـ”الدستور الثاني”، كونه ينظم مجريات التقاضي الجنائي ويحدد آليات سير المحاكمات وحقوق وواجبات كل طرف من المتقاضين ومحاميهم والنيابة والقضاء وجهاز الشرطة ووسائل الإعلام وفئات المجتمع.
وظهر أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر عام 1875 باسم “قانون تحقيق الجنايات”، وكان مأخوذاً من القانون الفرنسي الصادر عام 1810، ثم صدرت مجموعة من القوانين حتى أكتوبر عام 1950، ثم صدر قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وتعرّض لتعديلات كثيرة حتى وصل إلى شكله الحالي.
ومن المقرر أن يواصل مجلس النواب المصري مناقشة تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية خلال جلسات مقبلة، وإذا جرت الموافقة يتم إرساله لرئيس الجمهورية، وإذا حصل القانون على موافقة الرئيس يتم نشره في الجريدة الرسمية. ولرئيس الجمهورية في حال اعترض على القانون أن يرده إلى مجلس النواب ثانية.