أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ثمين الخيطان، الجمعة، أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان سترسل فريقاً صغيراً من الموظفين المعنيين بحقوق الإنسان إلى سوريا الأسبوع المقبل، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات.
وبعدما أطاحت فصائل المعارضة المسلحة السورية بنظام الرئيس بشار الأسد، فتحت الفصائل السجون والمقرات الحكومية، ما أثار آمالاً في محاسبة الجناة في الجرائم المرتكبة خلال الحرب السورية التي استمرت أكثر من 13 عاماً.
وقال الخيطان في إفادة صحافية، إنه في ظل حكم الأسد، لم يُسمح لفريق حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدخول البلاد لسنوات، وكان يراقب الانتهاكات عن بعد.
وأضاف أن الفريق سيدعم قضايا حقوق الإنسان، وسيسهم في ضمان أن يكون أي انتقال للسلطة “شاملاً للجميع وفي إطار القانون الدولي”.
وتابع المتحدث باسم الأمم المتحدة: “من المهم بالنسبة لنا أن نبدأ في تأسيس وجودنا”.
وتأمل هيئة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أيضاً أن تتوجه إلى سوريا لجمع أدلة قد تدين كبار المسؤولين في الحكومة السابقة.
آلاف الضحايا والمفقودين
وتشير تقديرات إلى أن مئات الآلاف من السوريين لقوا حتفهم منذ عام 2011، عندما تحولت حملة لقمع الاحتجاجات إلى حرب واسعة النطاق اجتذبت تدخل قوى إقليمية.
واتهمت دول وجماعات لحقوق الإنسان بشار ووالده حافظ الأسد، الذي توفي في عام 2000، بارتكاب “عمليات قتل” كثيرة خارج نطاق القانون بطرق تشمل الإعدام الجماعي داخل منظومة السجون سيئة السمعة في البلاد. ونفى الأسد مراراً ارتكاب أي انتهاكات، ووصف منتقديه بـ”الإرهابيين”.
وقالت اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين في لاهاي بشكل منفصل، إنها تلقت بيانات تشير إلى احتمال وجود ما يصل إلى 66 موقعاً لمقابر جماعية في سوريا لم يتسن التحقق منها بعد، وإن عدد المفقودين الذين تلقت بلاغات بشأنهم تجاوز 150 ألفاً.
وقالت المديرة العامة للجنة كاثرين بومبرجر لوكالة “رويترز”، إن الموقع الإلكتروني المخصص للإبلاغ عن المفقودين يستقبل خلال هذه الفترة عدداً “هائلاً” من البلاغات الجديدة من أسر المفقودين.
وللمقارنة، بلغ عدد المفقودين خلال حروب البلقان في التسعينيات زهاء 40 ألفاً.
وأمام أسر المفقودين في سوريا طريق طويل وشاق للتحقق من مصير ذويهم. وقالت بومبرجر إن مطابقة الحمض النووي تتطلب أن يتقدم ثلاثة على الأقل من أقارب كل مفقود بعينات يمكن الرجوع إليها، فضلاً عن أخذ عينات مماثلة من كل بقايا الهياكل العظمية الموجودة في القبور.
مقابر جماعية
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة تعمل مع عدد من هيئات الأمم المتحدة لضمان المساءلة وحصول السوريين على إجابات عن تساؤلاتهم المتعلقة بالمقابر الجماعية ومواقع الاحتجاز والتعذيب في سوريا.
وظهرت تفاصيل المقابر الجماعية في سوريا لأول مرة خلال جلسات بمحكمة في ألمانيا وشهادة في الكونجرس الأميركي في عامي 2021 و2023. وأدلى رجل عُرف فقط باسم “حفار القبر” بشهادته مراراً على عمله بموقعي “نجها” و”القطيفة” خلال محاكمة في ألمانيا لمسؤولين حكوميين سوريين.
وفي أثناء عمله في المقابر المحيطة بدمشق نهاية عام 2011، حضر اثنان من ضباط المخابرات إلى مكتبه وأمراه وزملاءه بنقل جثث ودفنها. وشهد بأنه كان يستقل شاحنة صغيرة (فان) مزينة بصور الأسد ويتوجه إلى المواقع أكثر من مرة أسبوعياً بين عامي 2011 و2018، وتتبعه شاحنات تبريد كبيرة مليئة بالجثث.
وقال خلال المحاكمة إن الشاحنات نقلت عدة مئات من الجثث من مستشفيات تشرين والمزة وحرستا العسكرية إلى “نجها” و”القطيفة”.
وأضاف أن خنادق عميقة كانت قد حفرت بالفعل في تلك المواقع وأنه كان يعمل مع زملائه على إلقاء الجثث فيها. وقال إن الحفارات كانت تهيل التراب على الجثث بمجرد امتلاء جزء من الخندق.
وقال للكونجرس في بيان مكتوب: “كل أسبوع، أو مرتين في الأسبوع، كان يصل ثلاث شاحنات محملة بما يتراوح بين 300 و600 جثة لضحايا التعذيب والجوع والإعدام من مستشفيات عسكرية وأفرع المخابرات في محيط دمشق”.
وفر هذا الشاهد من سوريا إلى أوروبا في عام 2018، وأدلى بشهادته عن المقابر الجماعية مراراً، لكن هويته كانت دوماً مخفية عن الجمهور ووسائل الإعلام.