قالت شبكة CNN الأميركية، إن الرئيس الصيني شي جين بينج سعى خلال السنوات الأولى من “حربه على الفساد” إلى ترسيخ سيطرته على أكبر جيش في العالم، من خلال “الإطاحة بجنرالات أقوياء من فصائل متنافسة، واستبدالهم بحلفاء ومقربين مخلصين له”.
وأضافت الشبكة الأميركية في تقرير، الأحد، أن الرئيس الصيني أجرى إصلاحات هيكلية في جيش التحرير الشعبي، وعيّن موالين له في مناصب قيادية خلال السنوات العشرة الماضية، لكنه ما زال “غارقاً في صراع يبدو بلا نهاية ضد الفساد والخيانة”. وكما هو الحال مع العديد من القادة “الأقوياء” في التاريخ، بدأ شي على نحو متزايد في “الانقلاب” على موالين اختارهم بعناية.
وأشارت CNN إلى الإجراء، الذي اتخذه الرئيس الصيني ضد أحد أقرب أتباعه في الجيش، وهو أحد أصدقائه القدامى، والذي كُلّف بمهمة ترسيخ الولاء السياسي في جيش التحرير الشعبي، وإجراء مراجعات لترقيات كبار الضباط.
وأعلنت وزارة الدفاع الصينية عن وقف الأدميرال مياو هوا، عضو اللجنة العسكرية المركزية التي يرأسها شي، عن العمل للتحقيق معه في اتهامات تتعلق بـ”انتهاكات جسيمة للقواعد”، مُستخدمة تعبيراً “مُخفف” شائع للإشارة إلى الفساد والخيانة، وفقاً للشبكة.
“حملة تطهير”
وبصفته رئيس قسم العمل السياسي في اللجنة العسكرية المركزية، وهو المنصب المسؤول عن التوجيه السياسي وتعيين الموظفين، يُعتبر مياو أكبر شخصية تطالها ما وصفته الشبكة الأميركية بأنه “حملة تطهير” شي الأخيرة في الجيش.
ومنذ الصيف الماضي، أُقيل أكثر من 12 شخصية بارزة في المؤسسة العسكرية الصينية، يشمل ذلك وزيري الدفاع الأخيرين اللذين تمت ترقيتهما إلى اللجنة العسكرية المركزية بواسطة شي. لكن أحداً من هؤلاء لا يرتبط بعلاقة طويلة الأمد مع شي كما كان الحال مع مياو، بحسب CNN.
وأوضحت الشبكة أن علاقة مياو بشي يمتد تاريخها لعدة عقود، إذ تعود إلى بدايات مسيرة شي السياسية في محافظة فوجيان الساحلية.
واعتبرت CNN، أن التحقيق مع مياو يفتح جبهة جديدة في “حملة تطهير” واسعة النطاق أثارت تساؤلات بشأن قدرة شي على القضاء على “الفساد الممنهج” في الجيش، وتعزيز جاهزيته القتالية، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية.
وخلال العقد الماضي، أشرف شي على “تحول طموح” لجيش التحرير الشعبي، ليصبح قوة قتالية “عالمية” قادرة على منافسة الجيش الأميركي. وكان أحد الأهداف الرئيسية لهذا التحديث هو ضمان جاهزية الصين لخوض حرب، والفوز بها في حال نشوب صراع حول تايوان، الجزيرة الديمقراطية ذات الحكم الذاتي التي تطالب بكين بالسيادة عليها.
واعتبر جويل ووثنو، وهو باحث كبير بجامعة الدفاع الوطني الممولة من وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، أن سقوط مياو يثير مجدداً تساؤلات بشأن “مدى ثقة شي في كبار الجنرالات، الذين سيقودون أي حرب مستقبلية”.
وقال ووثنو: “إذا كان (شي) يخشى أنه جلب أشخاصاً ليسوا مخلصين له، أو لأجندته بشكل لا لبس فيه، فسيمثل هذا مشكلة كبيرة”.
ويقول خبراء إن تخلص شي من أحد مساعديه القدامى يشير إلى معضلة مألوفة بالنسبة للحكام “المستبدين”، بمن فيهم سلفه ماو تسي تونج. وتتمثل هذه المعضلة في عدم توقف الزعيم الأعلى عن البحث عن تهديدات جديدة لسيطرته المطلقة على السلطة، حتى بعد القضاء على خصومه السياسيين، وفقاً لـCNN.
وقلل شي من الانقسامات داخل الحزب الشيوعي الحاكم، ووصفها بأنها “أمر لا مفر منه”، بينما دعا إلى بذل جهود أكبر لـ”غرس الانضباط”، وفقاً لتصريحات تم الكشف عنها حديثاً أدلى بها في اجتماع لمكافحة الفساد في يناير الماضي، ونقلتها وكالة “بلومبرغ”.
وقال شي في الاجتماع السنوي للجنة المركزية للانضباط إن “التغييرات في البيئة الخارجية وفي الحزب ستؤدي حتماً إلى صراعات ومشاكل مختلفة داخل الحزب”، وأضاف: “من الضروري القضاء على جميع أنواع التأثيرات السلبية في الوقت المناسب لضمان أن يكون الحزب دائماً مليئاً بالحيوية والنشاط”.
وتم الكشف عن تصريحات شي جين بينج في مجلة الحزب الشيوعي “تشو شي” الأحد، بعد أسابيع فقط من توقيف مياو هوا، وهو مسؤول عسكري رفيع المستوى، عن الخدمة بشكل مفاجئ رغم أنه كان واحداً من الموالين لشي.
وكانت وكالة أنباء “شينخوا” الرسمية قد نشرت في وقت سابق، أجزاء أخرى من خطاب شي جين بينج في يناير، دون ذكر مثل هذه التفاصيل.
“فساد فاحش”
وتعود علاقة مياو مع شي إلى 30 عاماً مضت. وخدم مياو، وهو من مواليد فوجيان، كضابط سياسي في المجموعة 31 العسكرية من ثمانينيات القرن الـ20 وحتى أوائل العقد الأول من القرن الـ21، عندما كان شي يترقى في المناصب المحلية حتى أصبح حاكماً لمقاطعة فوجيان.
وقال جيمس تشار، الباحث في كلية “إس. راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة، للشبكة: “وفقاً لمصادر موثوقة، شي كان يزور بانتظام المجموعة 31 العسكرية في ذلك الوقت”، ومن المعروف أنه كان له اتصالات شخصية مع مياو.
وبدأت مسيرة مياو العسكرية بعد وصول شي إلى السلطة. ففي عام 2014، حصل على ترقية كبيرة ليصبح المفوض السياسي لبحرية الجيش التحرير الشعبي، في تحول “غير معتاد” من مسيرته في القوات البرية. وبعد 3 سنوات، ترقى مرة أخرى ليصبح عضواً في اللجنة العسكرية المركزية، والتي تمثل قمة السلطة العسكرية.
وقال تشار: “لا يوجد معاون أكثر ولاءً لشي من مياو”. وأضاف: “إذا اتُهم مياو بالفساد في النهاية، فمن الواضح أن شي نفسه لم يكن يتوقع هذا المستوى الفاحش من الفساد بين كبار القادة العسكريين في الجيش”.
وعلى مدار الـ18 شهراً الماضية، استهدفت “حملة تطهير” شي بشكل رئيسي مرتبطين بعمليات توريد أسلحة، وقوة الصواريخ التي تشرف على الصواريخ النووية والتقليدية للصين؛ لكن سقوط مياو يشير إلى توسع نطاق هذه الحملة لتشمل قطاعات جديدة مثل العمل السياسي، الذي وصفه شي بأنه “شريان الحياة” للجيش والبحرية، وفق CNN.
وقال تشار: “أينما نظروا، أثق أنهم سيجدون مشكلات وقضايا. الأمر يتعلق بأي قطاع يختارونه”.
“فقدان ثقة”
وأشارت شبكة CNN إلى أن وزارة الدفاع الصينية لم تقدم أي تفاصيل بشأن التهم الموجهة إلى مياو.
وأوضحت CNN أن مياو بصفته المفوض السياسي لجيش التحرير الشعبي، كانت مهمته “ضمان ولاء الجيش للحزب الشيوعي الحاكم. وكان يشرف على الترقيات فيi، ويقوم بمراجعة أبرز المرشحين لضمان ولائهم السياسي، وهي نفس المهمة التي كان يشغلها في البحرية”.
ولفتت إلى أن هذه الأدوار كانت توفر “أرضاً خصبة للفساد، خاصة تلقي الرشاوى مقابل الترقيات”. وكان سلف مياو، الجنرال تشانج يانج، انتحر أثناء التحقيق معه بسبب الرشوة.
من جانبه، قال فيكتور شيه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “سان دييجو”، إن تصاعد التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين أدى إلى زيادة كبيرة في شراء البحرية الصينية للسفن الحربية والأسلحة الأخرى، وهو ما يوفر فرصاً كبيرة للفساد.
لكن ربما يكون هناك سبب آخر محتمل لسقوط مياو، يتمثل في كونه “واضحاً للغاية في محاولته لتعزيز فصيل في الجيش”، وفقاً لما ذكره شيه.
وأشار شيه إلى تحذيرات الرئيس الصيني المتكررة من تشكيل فصائل داخل الحزب والجيش، مضيفاً: “بالطبع، الشخص الوحيد الذي يُسمح له بذلك هو شي نفسه”.
ويعتقد بعض المحللين أن مياو أوصى بترقية عدد من المقربين له في البحرية إلى مناصب عليا، بينهم قائد قوة الصواريخ وانج هو بين، ووزير الدفاع الصيني دونج دون، بحسب CNN.
وجاء الإعلان عن التحقيق مع مياو غداة نشر صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية تقريراً أفاد بأن دونج يخضع للتحقيق في اتهامات “فساد”، استناداً إلى مصادر أميركية حالية وسابقة. لكن وزارة الدفاع الصينية نفت ما جاء في التقرير، ووصفته بأنه “محض افتراء”، وبعد أيام ظهر دونج في منتدى أمني.
ورجح ووثنو، الخبير في “جامعة الدفاع الوطنية”، أن أحد السيناريوهات المتعلقة بسقوط مياو، هي أن شي ربما رأى أن مياو “أصبح قوياً ومستقلاً للغاية، وأراد اقتلاع ما رآه معقلاً للنفوذ، لا يستطيع السيطرة عليه بالكامل”.
وأضاف: “لا أعتقد أن القادة الذين يشعرون بالثقة في قوتهم وقدرتهم على السيطرة على البيروقراطية يتصرفون هكذا. في الواقع، يبدو لي أن هذا علامة على الضعف، إن لم يكن جنون عظمة، إذا شعر أنه بحاجة إلى الانقلاب على الأمور بشكل مستمر”.