طرحت أطراف سياسية عراقية، مجدداً، فكرة تعديل قانون الانتخابات، على الرغم من أنها لم تلق دعماً حتى الآن داخل البرلمان، في وقت تتزايد فيه الأحاديث بشأن مخاوف من أن يكون منافسو رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، يسعون إلى استهدافه بهذا التغيير لـ”الحد من الأصوات التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة”.
وبينما شرع ائتلاف دولة القانون برئاسة نور المالكي في طرح أفكار تعديل قانون الانتخابات، اتهم مصدر مقرب من رئيس الحكومة القوى الداعمة للتعديل بمحاولة إضعاف محمد شياع السوداني، فيما أكد خبير قانوني أن أي “تعديلات محتملة تنطوي على حسابات سياسية، وليس جوانب فنية وتقنية”.
وقال مصدر نيابي عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”الشرق”، إن “المتبني الأساسي لفكرة تعديل قانون الانتخابات الحالي، هو ائتلاف دولة القانون، لكن الحديث حتى الآن ما زال هادئاً بشأن هذا التعديل، لأنها ليست فكرة جميع الأطراف السياسية.. ولم نلمس أي تأييد لها من باقي القوى، لذا فإن الحراك البرلماني لا زال ضعيفاً”.
وكان نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، قال في تصريحات تلفزيونية، أغسطس الماضي، إن “هناك صفقة بين الإطار التنسيقي والرئيس عبد اللطيف رشيد يجري العمل عليها، لتعديل قانون الانتخابات، وتحجيم نفوذ السوداني انتخابياً، ما أثار غضب رئاسة الجمهورية”، والتي وصفت ذلك بـ”الشائعات من أجل إرباك الساحة السياسية، ولوحت بمقاضاته”.
مقترحات التعديل
من جهته، ذكر النائب عن ائتلاف دولة القانون مهند الخزرجي، خلال حديثه لـ”الشرق”، أن “هناك مقترحات لتعديل قانون الانتخابات، إلا أن أي اتفاق أو قناعات بهذه المقترحات لم تتم، وإنها مجرد مقترحات، وأفكار بدأت تنشط خصوصاً بعد إجراء التعداد السكاني، وظهور الأرقام الحقيقية للكثافة السكانية في المحافظات”.
وأضاف الخزرجي، أن “هناك مقترحات عدة للتعديل منها العودة إلى قانون الدوائر المتعددة، وهناك آراء تفضل أن تنقسم المحافظات ذات الكثافة السكانية الكبيرة إلى دائرتين انتخابيتين، وهناك مقترحات أخرى قيد المناقشة”.
وأجرت بغداد في نوفمبر الماضي، تعداداً هو الأول من نوعه منذ 37 عاماً، حيث كان قد أجري آخر تعداد شامل عام 1987، وبعده تعداد 1997، والذي لم يشمل محافظات إقليم كردستان.
وعما إذا كانت الغاية من تعديل القانون تحجيم نفوذ السوداني، لم يستبعد الخزرجي ذلك، قائلاً: “قد يكون هذا الدافع موجوداً، لكن أي رأي أو اتفاق على قانون للانتخابات من أجل تحقيق هذه الغاية لم يطرح في العلن، وبين الأوساط السياسية”.
وخيمت خلافات كبيرة على العلاقة بين “الإطار التنسيقي” والسوداني، تتمحور حول عدم استجابته لقرارات “الإطار” في القضايا الداخلية، مثل عدم التوجه لانتخابات مبكرة، أو الخارجية مثل ملف إخراج القوات الأميركية.
وأقر نواب بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي بين الكتل الكبيرة، منوهين إلى أن “كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها”.
جدل بشأن القانون
وأكد المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، أن “التغيير المقترح في قانون الانتخابات يثير الكثير من الجدل بشأن تأثيره على القوى السياسية الرئيسية، ومن بينها السوداني، إذ تشير بعض التحليلات إلى أن تعديل القانون قد يكون محاولة للحد من نفوذ بعض الأطراف”.
وقال الهلالي في حديث مع “الشرق” إن “أبرز الجهات التي قد تكون وراء الضغط لتعديل قانون الانتخابات، هي القوى السياسية التي تشعر بأن النظام الانتخابي الحالي لا يخدم مصالحها بما فيه الكفاية”.
وأضاف: “بعض الأطراف، قد تسعى إلى تعديل النظام الانتخابي، ليشمل المزيد من القوائم الحزبية، أو تعديلات في توزيع المقاعد، ما يتيح لها التمدد السياسي على حساب قوى أخرى، وقد تكون هذه القوى تحاول استخدام التعديلات لجعل النظام الانتخابي أكثر ملاءمة لها في المنافسة الشرسة على السلطة، بما في ذلك سحب البساط من تحت أقدام السوداني”.
واعتبر الهلالي أن من بين القوى التي قد تسعى وراء هذه التعديلات، الكتل التي تمثل المعارضة أو التي تنتمي إلى تيارات سياسية متنوعة، سواء داخل “الإطار التنسيقي” أو خارجه، في حين أن بعض الأطراف قد تسعى إلى تعديل القانون من أجل إضعاف رئيس الحكومة أو إضعاف تحالفه”.
وقال إن “الآخرين قد يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة في النظام السياسي العراقي، الذي يتميز بالتعقيد، والتهديدات السياسية المتعددة”.
سلسلة التحديات
واعتبر الهلالي، أن تعديل قانون الانتخابات يمثل جزءاً من سلسلة التحديات التي يواجهها السوداني وحكومته “حيث أن هذا النوع من التعديلات قد ينعكس بشكل مباشر على مساحات النفوذ في الانتخابات المقبلة، ويعكس الصراع المستمر بين القوى السياسية الكبرى في البلاد”.
وتم تشريع 6 قوانين انتخابية في العراق منذ سقوط الرئيس صدام حسين عام 2003، بدءاً من المرحلة الانتقالية، حين كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، مع إقرار قوائم انتخابية مغلقة.
ولكن القانون الانتخابي (رقم 16 لسنة 2005) أقر القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إذ قسم العراق إلى 18 دائرة انتخابية بحسب عدد محافظاته، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلاً تمثل باعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.
وفي 2014، شرّع البرلمان قانوناً جديداً للانتخابات، اعتمد على نظام “سانت ليجو” حسب معادلة 1.7، والذي تغير في انتخابات 2018 إلى قانون جديد يعتمد معادلة 1.9.
وعقب احتجاجات أكتوبر 2019 تم تعديل القانون ليتماشى مع المطالب الشعبية في عام 2020، والذي اعتمد على الأكثرية، بدلاً من النسبية، وأقر تقسيم المحافظة إلى عدة دوائر انتخابية، ما أسهم بفوز عشرات المستقلين لأول مرة، وتراجعت من خلاله بعض الأحزاب التقليدية التي لم تتمكن من تحقيق الأغلبية، الأمر الذي دفعها للاحتجاج والسعي إلى تغيير القانون.
خبرة في التكيف
من جانبه، أكد رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات، عماد جميل، لـ”الشرق”، أنه “لم يصل أي شيء للمفوضية بخصوص تعديلات أو قانون جديد للانتخابات، فهذه الإجراءات من اختصاص البرلمان، ويصل القانون بعد التصويت عليه في البرلمان لغرض العمل بموجبه وتنفيذه، والمفوضية جهة تنفيذية تنظم الانتخابات بحسب القانون النافذ”.
وبالنسبة للمعوقات والصعوبات، بسبب التغيير المستمر للقوانين، لفت جميل إلى أن “المفوضية وجميع موظفيها أصبحت لديهم خبرة في التكيف مع تنفيذ أي قانون، لا سيما بعد أن عملت على تطبيق قانون الدوائر المتعددة في انتخابات 2021، الذي يعتبر من أصعب القوانين تنفيذاً وتطبيقاً على أرض الواقع”.
وصوت مجلس النواب، خلال جلسته التي عقدت في 27 مارس 2023، بحضور 218 نائباً على قانون “التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018”.
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة، وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
مخاوف وتعديلات
بدوره، يرى الخبير في القانون الدستوري، عدنان الشريفي، أن “قوانين الانتخابات وتعديلاتها في العراق لا تخضع للمعايير الدولية، والاستفادة من تجارب الدول أو من تجارب القوانين السابقة وأخطائها، إنما تتم التعديلات على ضوء المخاوف من فوز الخصوم”.
وأضاف: “تغيير القوانين يأتي دائما، لأن كتلاً معينة تعتقد أن هذا القانون أو ذاك سيكون بصالح كتل أخرىش، ويتم التغيير بعيداً عن النواحي الفنية والتقنية، وبعيداً عن الاستفادة من التجارب الدولية، وهذا الصراع على استبدال القوانين ثلاثي بين المالكي والسوداني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر”.
وأشار الخبير القانوني إلى أن أفضل قانون انتخابي يصلح للعراق هو “قانون انتخابات المجلس الوطني في زمن النظام السابق معللاً ذلك بأنه “يمتاز بالوسطية بين القوانين التي اعتمدتها الكتل السياسية الحالية التي تخبطت بين أن تكون المحافظة دائرة واحدة أو أن تقسم إلى دوائر كثيرة وهذه تجارب فاشلة”.
واقترح الشريفي العودة إلى قانون انتخابي سابق يقسم المحافظة إلى ثلاث مناطق انتخابية (شمال، جنوب، ووسط) باستثناء بغداد إلى 6 مناطق، أو أن تكون الدوائر الانتخابية بحسب عدد الأقضية، وتشمل النواحي التابعة لها داخل المحافظة؛ لأن تقسيم المدن بحسب القوانين السابقة يسبب غبناً كبيراً لا سيما لمن يعيش في مركز المدينة على عكس مرشحي الأرياف.