أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، جير بيدرسون، في حديث إلى مجلة “المجلة”، اعتزامه زيارة دمشق، لإجراء مباحثات مع فصائل المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” التي أطاحت بنظام الرئيس بشار الأسد. وقال: “مهمة الأمم المتحدة هي التحدث مع جميع الأطراف، بما في ذلك (هيئة تحرير الشام)”.
وتابع مبعوث منظمة الأمم المتحدة، التي تصنف “هيئة تحرير الشام”، “منظمة إرهابية”: “نحن نتعامل مع وجود حكومة مؤقتة. خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، نهدف إلى التعاون مع الأطراف السورية للتحضير لترتيبات انتقالية”. وأوضح رداً على سؤال: “إذا نفذت (هيئة تحرير الشام) ما تقول إنها تنوي القيام به– وتحديداً تعزيز عملية شاملة تضمّ جميع المجتمعات والأطراف السورية– فربما يكون الوقت قد حان لإعادة النظر في تصنيفها”.
وكان وزراء خارجية “مجموعة الاتصال العربية” وعدد من الدول العربية اجتمعوا، في وقت سابق، السبت، في مدينة العقبة الأردنية قبل لقائهم بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، للتباحث بشأن التطورات في سوريا. وأكد الوزراء في بيان مشترك، وقوف بلدانهم إلى جانب الشعب السوري وخياراته، و”دعم عملية انتقالية سياسية سورية–سورية جامعة”. كما أكدوا دعمهم “دور المبعوث الأممي إلى سوريا، ومطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتزويده بكل الإمكانات اللازمة وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها ومساعدة الشعب السوري في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254”.
وقال بيدرسون رداً على سؤال: “هناك مبدآن أساسيان مضمنان في القرار الدولي. الأول أن يكون الانتقال السياسي في سوريا بقيادة الشعب السوري نفسه. أما المبدأ الثاني، فهو التأكيد على حماية سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وهو مبدأ لا يزال ذا صلة حتى اليوم”.
وبسؤال بيدرسون عن سرعة سقوط نظام بشار الأسد ووصول “هيئة تحرير الشام” إلى دمشق، أجاب أن “جميع الأطراف فوجئت بما حدث”، مستبعداً وجود صفقة إقليمية–دولية لإسقاط الأسد. وقال إن “كانت هناك صفقة، فلم يبلغني بها أحد. وبصراحة، سأكون متفاجئاً جداً لو أن هناك مثل هذه الصفقة. أعتقد- كما ذكرت في البداية- أن الجميع أُخذ على حين غرة، حين انتهت الأمور فعليا بهذا الشكل في دمشق”.
وهنا نص الحديث الذي جرى في مكتب بيدرسون في جنيف:
* توقيت هذه المقابلة مناسب للغاية. جميعنا نعلم أنه خلال الأيام الاثني عشر الماضية، الأسبوعين الأخيرين، حدثت تغييرات هائلة في دمشق. ما قراءتك لما حدث؟
– بصراحة، لا يمكن إنكار أننا جميعاً فوجئنا بما حدث. أعتقد أن السوريين تفاجأوا، بل إنني أعتقد أن الجماعات المسلحة نفسها التي أصبحت الآن في دمشق كسلطات الأمر الواقع قد فوجئت أيضاً بسرعة ما حدث. لا أعتقد أن أحداً توقع انهيار الجيش السوري بالطريقة التي حدثت بها، وعدم تدخل روسيا أو إيران بشكل فعلي، أيضاً. وهكذا، بعد وصولهم إلى حلب خلال فترة قصيرة جدا، ثم انتقالهم إلى حماة وحمص، ومن ثم دمشق في غضون 14 يوماً، كان الأمر أشبه بالعاصفة وهكذا، لم أكن وحدي من فوجئ، فالعالم كله كان متفاجئاً، كما أعتقد.
* أعتقد أنك كنت في الدوحة بعد اجتماعات آستانه، عندما دخلت الفصائل الى دمشق وسقط النظام. والآن، ثمة نظرية تقول إن صفقة ما قد عُقدت قبل الهجوم الذي شنته “هيئة تحرير الشام”، وأن هناك نوعا من التفاهم بين الأطراف الثلاثة المعنية. ما تعليقك على ذلك؟ هل كانت هناك أي صفقة قبل بدء الهجوم؟
- حسناً، إن كانت هناك صفقة، فلم يبلغني بها أحد. وبصراحة، سأكون متفاجئاً جداً لو كان هناك مثل هذه الصفقة. أعتقد أن الجميع، كما ذكرت في البداية، أن الجميع أُخذ على حين غرة، حين انتهت الأمور فعلياً بهذا الشكل في دمشق. أنا متأكد من أن هناك نظريات مختلفة حول ما يمكن أن يكون قد حدث بالفعل، ولكن خلال محادثاتي في الدوحة، مع الأتراك والإيرانيين والروس، ثم مع وزراء الخارجية العرب، لم يكن ثمة مؤشرات على وجود صفقة قبل بدء الهجوم. بل وأعتقد أن مفاجأة الروس كانت أكبر بشكل خاص حين رأوا الجيش السوري لا يقاوم بشكل جاد. وأعتقد أن الإيرانيين قد تفاجأوا بدورهم. وأحسب أن ما جرى بحلول السبت كان إدراكاً جماعياً بأن الأمور قد بلغت غايتها. ومع ذلك، فإن السرعة والزخم الكبير للتحركات العسكرية للجماعات المسلحة هما ما أنهى القصة بشكل حاسم. هذه قراءتي للأحداث. ولكن، من يدري؟ فقد أكون مخطئاً.
لم يكن هناك أي تفاعل أو اعتراف بأنه كان يمكن تشكيل مستقبل الشعب السوري من خلال حلول سياسية بدلاً من الإجراءات العسكرية
المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون
* بالطبع أنت لست متخصصا في التحليل العسكري، ولكن هل لديك أي نظرية أو تفسير لما حدث… لماذا لم يقاوم النظام أو الجيش السوري؟
– لا بد أن هناك جملة من العوامل، وليس فقط العسكرية. يعود ذلك الأمر إلى قرابة السنوات الأربع عشرة من الحرب والنزاع. لقد أوهِم الشعب السوري بأن الصراع قد انتهى فعلياً، بينما كنا نؤكد دوما خلاف ذلك، ونقول إن تحديات كبيرة ما زالت قائمة. وقد ساهم في ذلك بشكل أكبر الانهيار الاقتصادي الذي كان قد دفع المجتمع بالفعل إلى حافة الهاوية قبل بدء الهجوم. وحين وقع الزلزال في الشمال، كانت هناك آمال بأن التطبيع مع الدول العربية قد يجلب خيراً للشعب السوري. ولكن بدلا من ذلك، تردى الوضع الاقتصادي أكثر، وفشل نظام الأسد في الانخراط في حوار سياسي جاد، فلا هو لبّى مطالب العرب، ولا هو أظهر تفاعلاً جاداً مع الأتراك، كما أنه تجنب بشكل كبير التفاعل معي أيضاً.
* بالتأكيد. لم يتفاعلوا معك، وأنت في هذا المنصب منذ أكثر من خمس سنوات، ولم تلتقِ الأسد. في الواقع، الأسد رفض لقاءك. سؤالي الآن، كيف تشعر اليوم إزاء ذلك الرفض؟ هل أنت سعيد لأنه رفض دائمًا رؤيتك ولم تلتقِ به؟
– لا، لا أحسب أن الأمر يتعلق بي شخصياً. الحقيقة، كما ذكرت، لم يكن هناك أي تفاعل أو اعتراف بأنه كان يمكن تشكيل مستقبل الشعب السوري من خلال حلول سياسية بدلاً من الإجراءات العسكرية. ولدينا أمل الآن أن نستطيع- بمجرد أن نفهم الوضع في دمشق- بدء عملية سياسية تسهّل التنفيذ وتلبي تطلعات الشعب السوري. المشكلة الجوهرية كانت في أن الأسد كان يؤمن بإمكانية الاستمرار كما لو أن المجتمع السوري والشعب السوري لم يكونا منقسمين. والحال أن الشعب السوري كان منقسما وكان يريد تغييراً إيجابياً، لكنه لم يُوافق على ذلك.
إذا نفذت “هيئة تحرير الشام” ما تقول إنها تنوي القيام به– وتحديداً تعزيز عملية شاملة تضمّ جميع المجتمعات والأطراف السورية– فقد يكون الوقت قد حان لإعادة النظر في تصنيفها
المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون
* إذن، الأسد انتهى، والحكومة السورية انتهت، والنظام السوري انتهى. ولقد كانت مهمتك، استنادا إلى القرار 2254، كانت تسهيل الحوار بين الحكومة/النظام السوري والمعارضة. والآن، بعد خمس سنوات، الواقع هو أن الجهة التي لم تتفاعل معها أبدا، الجهة المصنفة كمنظمة إرهابية في القرار 2254، هي الآن المسيطرة في دمشق. ماذا يعني ذلك لتفويضك ولمهمتك؟
– أولاً، من الضروري إعادة النظر في المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي اعتُمِد قبل تسع سنوات بالضبط. هناك مبدآن أساسيان مضمنان في هذا القرار. الأول أن يكون الانتقال السياسي في سوريا بقيادة وملكية الشعب السوري نفسه. أما المبدأ الثاني، فهو التأكيد على حماية سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وهو مبدأ لا يزال ذا صلة حتى اليوم.
ومع ذلك، كما أشرتَ بحقّ، فإن الوضع على الأرض قد تطور بشكل كبير منذ صدور القرار، ونحن بحاجة إلى دراسة هذه التغيرات بعناية وتقييم الحقائق الحالية. وهذا يقودنا إلى السؤال الملح: كيف يجب أن نعرّف “هيئة تحرير الشام” اليوم؟ حتى الآن، لا تزال “هيئة تحرير الشام” مصنفة كمنظمة إرهابية، كما ذكرت. والخبر الإيجابي هو أن هذا التصنيف لا يمنعنا من إجراء حوار معهم.
أود أن أشدد على أنه إذا نفذت “هيئة تحرير الشام” ما تقول إنها تنوي القيام به– وتحديدا تعزيز عملية شاملة تضمّ جميع المجتمعات والأطراف السورية– فقد يكون الوقت قد حان لإعادة النظر في تصنيفها. إذا توافقت أفعالهم مع هذه الالتزامات، فسيشير ذلك إلى تغيير كبير في الواقع على الأرض.
* هل هذا يعني أنك على استعداد لأن تسافر غدا أو الآن إلى بيروت، ثم التوجه بالسيارة إلى دمشق للقاء أحمد الشرع؟
– حسنا، غدا أنا متوجه إلى الأردن لحضور اجتماع وزراء الخارجية، وسنكون هناك لبحث الأمور، ونأمل أن نستطيع توجيه ما أسميه رسالة موحدة للشعب السوري، رسالة أمل للمستقبل، وأيضا رسالة توضح ما هو متوقع، حتى يكون هناك توافق في الرؤى بين ما يحدث الآن في دمشق والمجتمع الدولي. كما آمل أن أتمكن قريبا من زيارة دمشق.
* هل تعملون على ذلك؟
– نعم، ويمكنني أن أؤكد لك أنك ستكون أول من يعلم.
هناك حاجة إلى عملية ذات مصداقية وشاملة. أي إشراك جميع المجتمعات السورية، والأحزاب السياسية المتنوعة، والفصائل المسلحة المختلفة. ومن خلال هذا النهج الشامل، يمكن العمل على بناء توافق حول كيفية المضي قدماً
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن
* بالنسبة لي، المعنى السياسي لذلك مهم. ولكنني أعلم أن الأمر حساس للغاية بالنسبة لك ولهم، فهل اتخذت القرار بأنك ستبدأ التواصل الرسمي مع “هيئة تحرير الشام” وأحمد الشرع؟
– لقد أوضحت منذ اليوم الأول أن مهمة الأمم المتحدة هي التحدث مع جميع الأطراف، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”. لذا، فهذا ليس موضوعاً محظوراً بالنسبة للأمم المتحدة، وسنستمر في اتباع هذا النهج. حالياً، نحن نتعامل مع وجود حكومة مؤقتة. خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، نهدف إلى التعاون مع الأطراف السورية للتحضير لترتيبات انتقالية تتماشى مع الأهداف التي ناقشناها حتى الآن. نحن ملتزمون تماماً بالتواصل والانخراط في حوار مع جميع الأطراف السورية في هذا السياق.
* متابعة لذلك، إذن ستذهب إلى دمشق للقاء الشرع؟
- لم تحدَّد تفاصيل الزيارة بعد. ولكن كما قلت، نحن منفتحون للقاء جميع الأطراف في دمشق. هذه ليست القضية. سيتم توضيح التفاصيل، ونأمل أن نحصل على وضوح بشأنها خلال الأيام القليلة المقبلة.
* أعلن أحمد الشرع/أبو محمد الجولاني قبل بضعة أيام عن الحكومة المؤقتة الجديدة أو الحكومة التي كانت تحكم إدلب والآن تحكم دمشق أو سوريا. كيف ترى هذه الحكومة؟
– ما ذكرتَه عن كون هذه حكومة مؤقتة لمدة 3 أشهر أمر بالغ الأهمية. حتى الآن، لم يتضح بعد إن كان جميع الوزراء قد تم تعيينهم. ولسنا متأكدين من أننا نفهم تماما التطورات الحالية، لذا هناك حاجة إلى المزيد من الوضوح بشأن هذا الأمر. منذ اليوم الأول، كانت نصيحتي دائماً أن سوريا تحتاج إلى هيكل حوكمة شامل، وهو طموح يتشاركه ملايين السوريين. وآمل بصدق أن يتحقق هذا التصور خلال فترة الأشهر الثلاثة.
علاوة على ذلك، لاحظت أنهم يعتزمون التحضير لدستور جديد وترتيبات انتقالية أخرى بعد هذه الفترة. أولويتنا الآن يجب أن تتركز على ضمان أن تحقق هذه الأشهر الثلاثة الاستقرار، وتعزز الشمول، وتشرك جميع السوريين. وتتجنب أي انقسامات أو صراعات جديدة خلال هذه الفترة. أعتقد أن هذا أمر بالغ الأهمية.
* هل يمكنك تكرار الشروط أو المعايير التي تتوقع أن يلتزم بها أحمد الشرع أو “هيئة تحرير الشام” للحكومة المؤقتة؟
– دعني أوضح أن هذه ليست رسالة مني فقط. بل هي تعكس ما أراه رسالة جماعية صادرة عن مجموعات مختلفة. هذا ما نسمعه من السوريين في جميع المجتمعات، ومن المجتمع الدولي الموحد: الحاجة إلى عملية ذات مصداقية وشاملة. ماذا يعني ذلك؟ يعني إشراك جميع المجتمعات السورية، والأحزاب السياسية المتنوعة، والفصائل المسلحة المختلفة. ومن خلال هذا النهج الشامل، يمكنهم العمل على بناء توافق حول كيفية المضي قدماً. قد يبدو هذا بسيطاً، لكننا نعرف جميعا أن الحوكمة بطبيعتها معقدة. قيادة حملة عسكرية لمدة 14 يوما شيء، وإدارة دمشق شيء آخر تماماً وأكثر صعوبة بكثير.
في هذه المرحلة بالتحديد، تعتبر المساعدات الإنسانية أمراً لا غنى عنه، وستلعب الأمم المتحدة دوراً محورياً في تنسيق هذه الجهود. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضايا المساءلة والعدالة مهمة للغاية
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن
* عندما تقول “شاملة”، هل يعني ذلك تضمين عناصر النظام السابق؟ وهل يشمل ذلك “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)؟
– أعتقد أن الحفاظ على مؤسسات الدولة واستمرارها أمر ضروري، ويتماشى ذلك مع ما سمعته حتى الآن بأن هناك رغبة واضحة في ذلك. ومعلوم الآن أنهم وجهوا دعوات للموظفين المدنيين الذين عملوا في ظل الحكومة السابقة، وأرى أن هذه خطوة إيجابية. في النهاية، ستكون القرارات المتعلقة بمن سيتم إشراكه من الحكومة السابقة أو من المجموعات الأخرى متروكة لما أسميه عملية شاملة، لتحديد من سيتم تضمينه من الحكومة السابقة أو المجموعات الأخرى. ولكن يجب أن تكون هذه العملية بقيادة وملكية سورية. وينبغي أن يكون التركيز على جمع جميع الأطراف بشكل جاد وحقيقي، وليس على الإيماءات السطحية أو الانشغال بما يبعد عن القضايا الجوهرية، وهو ما أعربت عنه حتى الجماعات المسلحة نفسها. وهذا يتماشى مع تطلعات الشعب السوري وتوقعات المجتمع الدولي. وأعتقد أن هذا يوفر أساسا قويا للمضي قدما. وبطبيعة الحال، سيكون من الضروري مراقبة كيفية ترجمة هذه الرؤية إلى تنفيذ عملي عن كثب.
* هل لديك إطار زمني لهذا؟
– كما أسلفت، لقد حددوا إطاراً زمنياً لمدة 3 أشهر، ومن المهم جدا الاستفادة من هذه الفترة بشكل شامل أيضاً للتحضير للترتيبات الانتقالية الجديدة.
* ماذا عن المرحلة الثانية من الانتقال؟ مثل القرار 2254 الذي يمتد لـ18 شهرا؟
– انظر، علينا أن نناقش هذا، بالطبع، عن كثب مع أصدقائنا السوريين لنرى ما هو ضروري. دعونا نتذكر أن الاقتصاد قد انهار. هناك بالفعل 400 ألف لاجئ عادوا من لبنان، وهناك آلاف آخرون يريدون العودة، ولدينا كذلك النازحون داخليا الذين يريدون العودة إلى منازلهم. فإذا لم نتمكن من إصلاح الاقتصاد بسرعة كبيرة، فستكون أمامنا صعوبات هائلة. لذلك أعتقد أن من المهم للغاية وجود تواصل جيد بين سلطات الأمر الواقع في دمشق والمجتمع الدولي، لأن هناك حاجة ماسة لدعم اقتصادي كبير ودعم إنساني فوري.
* يتساءل قادة “هيئة تحرير الشام”: لماذا يجب أن نتعامل مع المبعوث الأممي الخاص؟ لقد تجاهلنا المبعوثون الأمميون لأكثر من 10 سنوات، ولم نكن في يوم جزءا من العملية، فلماذا يجب علينا المشاركة الآن؟ ما الحوافز التي يمكنك تقديمها لـ”هيئة تحرير الشام” للتعامل معك؟
– أود أن أطرح الأمر بشكل مختلف قليلاً. الواقع هو أن الجماعات المسلحة باتت الآن، أو ربما قريبا، تحكم سوريا بأكملها. وكجزء من المجتمع الدولي، فإن سوريا لديها بطبيعة الحال تمثيل دبلوماسي وهي عضو في الأمم المتحدة. هذا يعني أننا لا نفرض أنفسنا على السلطات الفعلية في دمشق؛ بل هذا هو ببساطة كيفية عمل الدول، حيث تتعامل مع الأمم المتحدة. بالطبع، هناك حاجة لإجراء مناقشات لتحديد المتطلبات المستقبلية. على مر السنين، تعاونّا بشكل مكثف مع الأطراف السورية لتطوير أفكار، وهو أمر بالغ الأهمية. هذه الأفكار ليست أمراً نخطط لفرضه، بل هي نتائج حوار مع الآخرين. لقد استكشفنا مسارات متعددة للتقدم خلال الفترة الانتقالية. لقد عملنا منذ 2015 على استكشاف ترتيبات انتقالية في سوريا، وأعتقد أننا يمكن أن نلعب دورا داعما في هذا السياق.
في هذه المرحلة بالتحديد، تعتبر المساعدات الإنسانية أمرا لا غنى عنه، وستلعب الأمم المتحدة دورا محوريا في تنسيق هذه الجهود. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضايا المساءلة والعدالة مهمة للغاية، ويمكن للأمم المتحدة، بخبراتها، أن تسهم بشكل كبير في ضمان معالجتها. وأخيرا، أود أن أشدد على أهمية قضايا اللاجئين، حيث تلعب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دورا حاسما في هذا المجال.
لا يمكنني التحدث نيابة عن الروس، لكنني سأكون مندهشا إذا لم يروا هم أيضاً الحاجة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية في سوريا
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن
* إذا فهمتُك بشكل صحيح، فأنت تتحدث عن شيء يشبه التعاون المشروط أو الانخراط المشروط، يمكن بواسطتها للمجتمع الدولي، بمن في ذلك أنت، تقديم بعض الحوافز إذا ما اتخذوا خطوات في الاتجاه الصحيح، مثل إزالة اسم الجولاني من قائمة الإرهاب، ورفع “هيئة تحرير الشام” من تلك القائمة، وربما رفع بعض العقوبات؟
– أعتقد أنه من الضروري رؤية تقدم يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إزالة “هيئة تحرير الشام” من تصنيفها كمنظمة إرهابية. سيكون ذلك أمرا بالغ الأهمية. ومع ذلك، كما أشرتَ بشكل صحيح، يجب أن نرى أن ما يقولونه يُطبَّق على الأرض. وأنا سعيد أيضا أنك أثرت نقطة العقوبات، فرفع العقوبات لا يقل أهمية، لأنه من دون ذلك، لن يكون التعافي الاقتصادي في سوريا ممكنا. لتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى تفاهم مشترك، خاصة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حول كيفية المضي قدما.
* من يجب أن يتحرك أولاً؟ هل تتوقعون أن تتحرك “هيئة تحرير الشام” أولاً؟
– دعنا نكن صادقين، هذا يحدث بالفعل. كما قلت منذ اليوم الأول، عندما رأينا التحركات نحو دمشق، كان ما يحدث على الأرض إيجابيا. بالطبع، هناك تحديات، ولا ينبغي أن نخفي ذلك. نعم، هناك تحديات، بلا شك. لكنهم يقولون الأشياء الصحيحة. يقولون إنهم يريدون عملية شاملة. يقولون إن سوريا يجب أن تكون لجميع مكوناتها. وأعتقد أننا إذا رأينا ذلك يسير نحو التحقق، فسيكون هناك فرصة جيدة لرفع “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب.
* متى تعتقد أن ذلك قد يحدث؟
– للأسف، لست أنا من يقرر هذا.
* من الذي يقرر؟
– بالطبع، الدول الأعضاء هي التي لها الكلمة في هذا الأمر. ولكنني لاحظت أن ما أقوله الآن يردده بالفعل كثير من الدول الرئيسة.
* حتى روسيا؟
– لا يمكنني التحدث نيابة عن الروس، لكنني سأكون مندهشا إذا لم يروا هم أيضا الحاجة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية في سوريا.
* سأنتقل إلى موضوع مختلف تماماً، وهو موضوع مؤلم للغاية لكثير من السوريين. أنا متأكد أنك تابعت ما كُشف عنه بشأن المفقودين والمعتقلين. وأنا متأكد أنك تابعت ما حدث في صيدنايا. ما تعليقك، سيد بيدرسون؟
– إنه لأمر مفجع للغاية. مجرد رؤية وجوه أولئك الذين أُفرج عنهم أمر يفوق الوصف. بعض المشاهد لا يمكن التعبير عنها بالكلمات– إنها تتجاوز أي وصف. لا يمكن إلا أن تتأثر بعمق عندما تراهم. ثم تفكر في العائلات، ما الذي يشعرون به، والمعاناة التي يتحملونها وهم يعلمون أن عشرات الآلاف ما زالوا مفقودين. نحن نشارك في حزن جميع العائلات التي لم تتمكن بعد من لمّ شملها مع أحبائها أو حتى معرفة مصائرهم. هذه بلا شك واحدة من أعظم مآسي الصراع السوري. وكما تعلم، كان التصدي لهذه القضية إحدى أولوياتي الرئيسة منذ اليوم الأول. ويظل أحد أعمق، أعمق، أعمق مصادر حزني أننا لم نتمكن من تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف.
هناك الآن رغبة حقيقية في تحقيق الاستقرار في سوريا. لهذا السبب أؤكد على أهمية تجنب أي أفعال قد تعرض هذا الاستقرار للخطر
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن
* إنها إحدى القضايا الرئيسة لمستقبل سوريا، لبناء سوريا جديدة. هذا جزء من القضية الكبرى، وكانت عائلتي إحدى العوائل التي تعرضت لها. يمكنك بالفعل أن ترى مدى صعوبة هذا الملف. ما النصيحة إذن، بل ما الدور الذي يمكن لمكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة أن يقوم به الآن لمعالجة هذا الملف؟
– نحن لدينا مؤسسات مختلفة داخل الأمم المتحدة يمكنها المساعدة. لدينا اللجنة المستقلة التي أُنشئت حديثاً للنظر في ملف المفقودين، وأعتقد أن ذلك يمكن أن يكون مفيدا جدا للسلطات الآن في دمشق. ثم هناك بالطبع قضية المساءلة والعدالة، وأيضا قضايا المصالحة، وكشف الحقيقة، وكيفية تحريك كل هذه الأمور بشكل متواز بطريقة تحقق العدالة للضحايا، وفي الوقت نفسه تسهم في تضميد الجراح بعد سنوات طويلة من الحرب والصراع والمعاناة الهائلة التي شهدناها.
* هناك الكثير من التحديات في المستقبل، لقد بدأت حقبة جديدة الآن للسوريين، ولكن أمامها أيضاً الكثير من التحديات. أحدها هو التدخل الإسرائيلي. نحن جميعا نعلم، وهذا معروف للجميع، أنهم دمروا بالفعل الأصول الاستراتيجية للدولة السورية. وانتهكوا، فوق ذلك، فعليا اتفاقية “فض الاشتباك” التي ترعاها الأمم المتحدة لعام 1974. ما تعليقك على هذا؟
– قلت، وأريد أن أكرر ذلك، هذا يجب أن يتوقف. إنه انتهاك، كما قلتَ، لاتفاقية عام 1974، وهو انتهاك لسيادة سوريا وسلامة أراضيها. إنه انتهاك للقانون الدولي. وأيضا قلت إنه من المهم للغاية في هذه المرحلة أن لا يقوم جيران سوريا بأي شيء يمكن أن يعقد العملية الصعبة جدا لخلق ترتيبات انتقالية ستكون ضرورية لإعادة الأمل للشعب السوري. لذلك، نحن بحاجة حقاً لوضع حد لهذه الانتهاكات.
* بالطبع أنت مؤرخ، وأنا متأكد أنك قرأت كتاب باتريك سيل “الصراع على سوريا”. الآن، الكثير من الناس يتحدثون عنه مجددا. يبدو أننا ندخل مرحلة جديدة، حيث تدخل سوريا بأكملها في مرحلة جديدة من الصراع، صراع على دمشق أو صراع على سوريا. ماذا يعني هذا؟ هل ترى أن الصراع على سوريا يحدث الآن؟
– كما قال أحد الشخصيات التاريخية، هناك عقود لا يحدث فيها شيء وأسابيع تظهر فيها عقود.
* لينين قال ذلك…
أنت من ذكر لينين، وليس أنا. لكن هذا يعكس الواقع الحالي. من الصعب التنبؤ بوضوح بالطريق الذي سنسلكه. تغييرات كبيرة تحدث في المنطقة. نحن نشهد الأحداث الجارية في غزة، والتطورات في لبنان، حيث يوجد الآن وقف لإطلاق النار نأمل أن يستمر. لقد شهد “حزب الله” حالة ضعف شديد، وتبدو إيران وكأنها فقدت وجودها في سوريا. وفي الوقت نفسه، يتراجع تأثير روسيا في سوريا بشكل واضح.
في الشمال الشرقي، يستمر الصراع الذي يشمل تركيا– وهي عضو في “الناتو”– مع احتمال حدوث مواجهة مع الولايات المتحدة، وهي أيضا عضو في “الناتو”. كل هذا يخلق حالة من عدم اليقين الكبير. بالإضافة إلى ذلك، تتابع الدول العربية المجاورة عن كثب ما يحدث في سوريا.
بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب والصراع، ومع نزوح ستة إلى سبعة ملايين لاجئ من سوريا إلى الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا ودول عربية أخرى، وكذلك إلى أوروبا، من الواضح أن أي فاعل دولي عاقل لا يريد لهذا السيناريو أن يتكرر. هناك الآن رغبة حقيقية في تحقيق الاستقرار في سوريا. لهذا السبب أؤكد على أهمية تجنب أي أفعال قد تعرض هذا الاستقرار للخطر. إنها مسؤولية هائلة تقع على عاتق الأطراف السورية والمجتمع الدولي لضمان عدم تفويت هذه الفرصة لخلق بداية جديدة للشعب السوري.
بعد انهيار الأنظمة الاستبدادية نرى تحولاً مفاجئاً في مواقف أشخاص كانوا يعتبرون من أعمدة هذه الأنظمة
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن
* هل تعتقد أن الشرق الأوسط يشهد تحولاً هيكلياً شاملاً؟
– لا، لا أعتقد ذلك. لا تزال هناك الكثير من المناطق في المنطقة تتمتع بالاستقرار، ولا تحدث تغييرات كبيرة. ومع ذلك، في سوريا وفلسطين ولبنان، نشهد تطورات دراماتيكية للغاية. السؤال الرئيس هو كيف ستؤثر هذه التغييرات على المنطقة ككل. كما ذكرت سابقاً، هناك أمل في أن تلعب سوريا الآن دوراً إيجابياً بدلاً من دور سلبي. وإذا تمكنت سوريا من تحقيق الاستقرار، فسيكون لذلك تأثير إيجابي واسع، يجلب نتائج إيجابية لبقية المنطقة. هذا هو الهدف الذي نعمل من أجله.
* سؤال شخصي، إذا سمحت. هل صُدمت أو فوجئت بالطريقة التي غادر بها الأسد البلاد؟
– في النهاية، ومع تطور الأحداث، كنت أتوقع أنه على الأرجح سيغادر. غير أن الطريقة التي غادر بها؟ نعم. كانت بالفعل صادمة. لم تكن هناك رسالة، ولا أي تواصل مع الشعب الذي حكمه لسنوات طويلة. من الصعب فهم كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الرحيل.
* بعض المسؤولين البارزين في الحكومة السورية السابقة، مثل بشار الجعفري وغيرهم من الشخصيات الرمزية للنظام السابق، ظهروا بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول بخطاب مغاير تماما لخطابهم السابق. كيف ترى ذلك؟
– ليست هذه أول مرة نشهد فيها مثل هذه التحولات بعد انهيار الأنظمة الاستبدادية، حيث نرى تحولا مفاجئا في مواقف أشخاص كانوا يعتبرون من أعمدة هذه الأنظمة. رأينا ذلك في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. أتذكر عندما كنت أعمل دبلوماسياً في ألمانيا الشرقية مباشرة بعد سقوط جدار برلين. كنت هناك في عام 1991، وكنت أسافر كثيراً في الشرق، وكان من المذهل رؤية كيف تحول الشيوعيون المخلصون سابقا بسرعة إلى أعضاء محافظين ملتزمين في الاتحاد الديمقراطي المسيحي. هذا يحدث الآن أيضا، وأؤكد لك أنه يحدث كذلك في سوريا. ومع ذلك، فإن الأهم هو أن ننظر إلى ما هو أبعد من هذه التحولات. يجب أن ينصب التركيز على تحقيق المساءلة الحقيقية وتعزيز المصالحة الفعلية.
* هل لديك أي رسالة للشعب السوري؟
– حول الحوكمة الشاملة: من الضروري ضمان إشراك النساء.
وحول المعتقلين والمفقودين: عائلات المفقودين تحتاج إلى دعم عاجل وشامل: إنهم بحاجة إلى المساعدة الآن.
* السيد غير بيدرسون، شكرا جزيلا على هذه المقابلة الغنية مع مجلة “المجلة”. آمل أن تكون قريبا في دمشق فتعمل على تشكيل حكومة شاملة لجميع السوريين.
-أشاركك الأمل في أن نتمكن من تقديم دعم ومساعدة فعّالين، وأن نساهم، كما ناقشنا، في تمهيد الطريق لبداية جديدة للشعب السوري. دائمًا ما يسعدني التحدث معك.
هذا المحتوى من مجلة “المجلة”