على خطى أجداده القدماء، الذين أبدعوا في توثيق تراثهم وحياتهم اليومية بأساليب فنية مختلفة، يسير الفنان التشكيلي أيمن السعداوي من خلال معرضه “حواديت مصرية”، في قاعة الزمالك للفنون في القاهرة.
تصحبك الأعمال الفنية، وعددها 27 منحوتة، إلى مشاهد متنوّعة من التراث المصري، من الموالد القديمة، إلى العادات اليومية، والقطع الموسيقية، وغيرها.
يبدأ المعرض بتمثال “البلياتشو”، الذي ارتبط وجوده بالموالد الشعبية والاحتفالات التقليدية في شمال مصر وصعيدها، ثم تمثال “مركب الهواء”، أو “المرجيحة” الشهيرة، التي تأخذ شكل القارب الصغير، حيث أبدع الفنان في نحتها باستخدام الجرانيت والبرونز.
يقول السعداوي “إنه حرص على أن يظهر تلقائية وبهجة هذا المشهد، بنحت سيدة منطلقة أعلى مراجيح المولد، ساعياً إلى عرض التراث المصري الأصيل”.
كما يتضمن المعرض منحوتات لراقصي المولوية، يجاورها منحوتة “هيام”، وهي فتاة ترتدي فستاناً طويلاً وتغطي وجهها بوشاح، وإلى جانبها تماثيل لعازفي العود والربابة، والغازية، والعرافة، وتمثال “بائع الهواء”، الذي يبيع البالونات للأطفال في الموالد.
يحرص الفنان على التعبير عن “الحارة المصرية”، بعاداتها وتقاليدها، متأثراً بروايات الأديب نجيب محفوظ، الذي أبدع في وصف الحارة بمشاهدها الخالدة المحفورة في الوجدان.
الليلة الكبيرة
“الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة، ماليين الشوادر يابا من الريف والبنادر”.. كلمات شهيرة من أوبريت الليلة الكبيرة، تلك الملحمة الفنية التي ارتبط بها المصريون، وعاشت على مدار عقود، وأبدع كلماتها الشاعر الكبير صلاح جاهين، ولحّنها سيد مكاوي، وصمّم عرائسها الشهيرة الفنان ناجي شاكر، وأخرجها مسرحياً صلاح السقا.
بعض المنحوتات في المعرض، ارتبطت بهذه الملحمة، كما يؤكد الفنان، الذي نحت أعمالاً تخلّد أجزاء من مقاطعها الشهيرة. وعبّر تمثال المرأة الحامل، وهي تجرّ ابنها بحثاً عن طفلتها الضائعة، عن المقطع الشهير في الأوبريت “يا ولاد الحلال بنتي تايهه طول كده”.
تكريم محمود سعيد
يضمّ المعرض منحوتات مستوحاة من اللوحة الشهيرة للفنان الكبير محمود سعيد “بنات بحري”، التي تتألف من ثلاث فتيات من الإسكندرية، يجاورهم بائع العرقسوس.
يقول السعداوي: “حرصت على تكريم الفنان محمود سعيد مؤسس الفن المصري الحديث، فجاءت تلك المنحوتات، التي استخدمت فيها الخشب والبرونز، فنحتت ملابس الفتيات من الخشب، واستكملت باقي التفاصيل من خامة البرونز، واستغرقت مني وقتاً كبيراً”.
التفرّغ للفن
اكتشف الفنان السعدواي موهبته في النحت منذ طفولته في محافظة البحر الأحمر، وساهمت الطبيعة في تكوينه بصرياً، وساعدته الخامات الطبيعية مثل المواد المأخوذة من الجبال، والأصداف البحرية وغيرها، على تشكيل منحوتات متنوّعة .
انتقل بعد ذلك إلى محافظة الفيوم، والتحق بالدراسة في معهد المعلمين، وخلال تلك الفترة، استخدم السعداوي خامة الطين الأسواني، وعمل وقتها مدرّساً للتربية الفنية، لكنه ترك مهنته في مطلع القرن الحالي من أجل التفرّغ للفن.
يوضح السعداوي انه أثقل موهبته في النحت من خلال القراءة عن التشريح وأساليب النحت، وقام بتجربتها على الصخور والجرانيت، وتشكيل الخامات المختلفة من الطين. كما شارك في العديد من المعارض داخل مصر وخارجها .
مراحل النحت
تمرّ منحوتات السعدواي بمراحل عدّة، قبل أن تأخذ الشكل النهائي، ويقول: “أبدأ بنحت التمثال بالطين الأسواني، ثم أضعه في قالب من مادة السيلكون أو الجبس، بعدها أقوم بصبّ التمثال من الشمع، وصولاً إلى مرحلة التغليف، ثم يوضع الدليك، خليط يشبه الطوب الأحمر، ويوضع القالب في الفرن لحرق الشمع، لأتمكن من صبّ البرونز قبل اللمسات الأخيرة عليه”.
يستعدّ السعداوي لمعرض جديد يضم نماذج مصغّرة، وصفها بـ”اسكتشات النحّات”، وعرض منحوتات كثيرة أنجزها خلال مسيرته الفنية.