بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة “حزب الله” اللبنانية، تتجه الأنظار إلى الدور الذي سيلعبه الجيش اللبناني في جنوب البلاد، إذ نص الاتفاق على أن تكون قوات الأمن والجيش اللبناني الرسمية هي المجموعات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب البلاد.
كما نص الاتفاق أيضاً على أن ينشر لبنان قوات الأمن الرسمية والجيش الخاص به على طول جميع الحدود ونقاط العبور، والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية كما هو معروض في خطة الانتشار.
وفي وقت سابق الثلاثاء، قال وزير خارجية لبنان عبد الله بوحبيب، إن الجيش اللبناني سينشر 5 آلاف جندي في جنوب البلاد، كجزء من الاتفاق الذي من المنتظر أن يفضي إلى انسحاب إسرائيل تدريجياً من جنوب “الخط الأزرق” خلال فترة تصل إلى 60 يوماً.
وتسلط هذه التطورات الضوء على الجيش اللبناني، ووضعه ومدى استعداده لما يمكن أن يوكل إليه من مهام، علماً أن مجلس الوزراء اللبناني، مهّد لهذه المرحلة بإقرار تأمين الاعتمادات اللازمة في السادس من نوفمبر الماضي، لإنفاذ قرار اتخذه المجلس في منتصف أغسطس الماضي، يقضي بتجنيد 1500 عنصر للجيش، من أجل تطبيق القرار الدولي 1701 الذي يقضي بنشر 15 ألف جندي جنوب نهر الليطاني.
وبحسب الخبير العسكري، واللواء الركن السابق في الجيش اللبناني، عبدالرحمن شحيتلي، فإن رقم 5 آلاف جندي، الذين تحدث وزير الخارجية اللبناني، الثلاثاء، عن نشرهم في الجنوب، يشكّلون ما مجموعه فوجين من القوات المسلحة اللبنانية، وسيضافون إلى نحو 5 آلاف عسكري من الجيش يتواجدون في المنطقة أصلاً.
وأشار شحيتلي، إلى أن لبنان اضطر لسحب عدد من قواته التي كانت منتشرة في الجنوب، على دفعات، من أجل مواجهة التطورات الأمنية، المتعاقبة على البلاد، وبالتالي، في حال الالتزام بإرسال هذا العدد، سيبلغ عديد الجيش في منطقة جنوب الليطاني نحو 10 آلاف عسكري.
ويتوقع أن يعمد لبنان إلى نشر المزيد من القوات في مراحل لاحقة لتلبية متطلبات القرار الدولي، الذي ينص على نشر 15 ألف جندي لبناني في تلك المنطقة.
هيكل قيادة الجيش اللبناني
تبدأ هرمية الجيش بقائده، ويشغل هذا المنصب حالياً، العماد جوزف عون، ويتبع مباشرة لوزير الدفاع، بينما يتولى قيادة الأركان، اللواء حسّان عودة، ويخضع مع نوابه لسلطة قائد الجيش.
وينقسم الجيش إلى 3 أجنحة هي القوات البرية، والجوية والبحرية، وهي مكلفة بمهام الدفاع والأمن والتنمية.
ويتشكّل هذا الجيش من 15 لواءً، 12 منها مُشاة، أحدها (ويُسمى الأول) مؤلّل، وواحد لوجيستي، ولواء الحرس الجمهوري (أي الرئاسي، ومهمته بالإضافة إلى حماية الرئيس، تأمين الشخصيات الأجنبية والتشريفات)، بالإضافة إلى لواء الدعم، ومهمته دعم الجيش في جوانب الهندسة والاتصالات، ويقاتل كلواء مُشاة عند تكليفه بذلك.
ويضم الجيش أيضاً 6 أفواج تدَخُّل، وأفواج مُدرعات، مدفعية، أشغال، إشارة، فوج مُضاد للدروع، وواحد هندسة، وآخر للحدود البريّة.
كما تضم الوحدات الخاصة، والتي تشبه وحدات النّخبة، 4 أفواج، وهي: المجوّقل (أي المحمولة جواً)، والمغاوير، ومغاوير البحرية (وهي وحدات بحرية خاصة)، والرابعة لمدرسة الوحدات الخاصة.
عديد الجيش اللبناني
وبحسب موقع “جلوبال فاير باور” المتخصص بالشؤون العسكرية، فإن الجيش اللبناني يحتل المرتبة 118 بين أقوى 145 جيش في العالم.
ووفق المصدر نفسه، فإن عديد الجيش اللبناني يصل إلى 160 ألفاً، 60 ألفاً منها قيد الخدمة الفعلية، و35 ألفاً من قوات الاحتياط، و65 ألفاً قوات شبه عسكرية، والتي يمكن أن تكون من قوات الدرَك/الشرطة، أو أجهزة الأمن الأخرى التابعة للدولة، وذلك وفق تصنيف مركز جنيف لحكومة الأمن.
ومن أصل عدد سكان لبنان البالغ نحو 5.3 مليون نسمة، فإن 1.76 مليون نسمة، مؤهلون للانخراط في الخدمة العسكرية، إلى جانب قوات الجيش النظامية.
القوات البريّة اللبنانية
يمتلك الجيش اللبناني 204 دبابات، 133 منها فقط صالحة للخدمة. ومن الأنواع التي في حوزته، الدبابة الأميركية M48 A5، M60 A3، بالإضافة إلى نحو 4 آلاف و522 آلية ومركبة عسكرية، الصالح منها للاستخدام أكثر من 2900.
وفي سلاح المدفعية، هناك 84 مدفعاً ذاتي الدفع، 55 منها قيد الخدمة، و374 مدفعاً بآلية السحب، 243 منها صالح للخدمة، إلى جانب 20 راجمة صواريخ صالحة، من أصل 30.
القوات الجوية اللبنانية
يبلغ عديد القوات الجوية 2500 عسكري وضابط، وتمتلك 81 طائرة، 45 منها صالحة للاستعمال، و9 طائرات قتالية، 5 منها فقط صالحة للطيران، بالإضافة على 9 طائرات تدريب، 5 منها فقط صالحة، إلى جانب 69 مروحية، 38 منها قادرة على الطيران.
ومن المقاتلات التي يمتلكها الجيش اللبناني 6 مقاتلات، من نوع “سوبر توكانو” Tucano (A-29)، وهي من صنع شركة “إمبراير” البرازيلية، وتعتبر من الطائرات الهجومية الخفيفة وتُستعمل لأغراض التدريب، وحصل عليها كَهِبة، على مرحلتين، من الجيش الأميركي، بهدف مساعدة الجيش على “مواجهة الأخطار والإرهاب.. والدفاع عن لبنان”، وفق السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد.
كما يمتلك الجيش اللبناني طائرات من طراز “سيسنا 208 كارڤان”، مزودة بنظام صواريخ “هيل فاير”، وعدد من الطائرات من دون طيار من طراز AeroVironment RQ-11 Raven، المطورّة في الولايات المتحدة وتستخدمها عدد من الجيوش الحليفة بحسب موقع “ميليتاري فاكتوري”.
القوات البحرية اللبنانية
تم تأسيس القوات البحرية اللبنانية في عام 1950، وتضم في وحداتها 1700 فرد، وتمتلك 69 سفينة وقارب في أسطولها، بينها 44 سفينة دورية واعتراض.
ميزانية الجيش اللبناني
وعن ميزانية الجيش اللبناني، قال مسؤول عسكري لبناني سابق لـ”الشرق”، كان مطلعاً ومنخرطاً، على أعلى مستوى، على التفاصيل المالية المتعلقة بتسيير أمور لجيش اللبناني، إن “الجزء الكبير من ميزانية المؤسسة العسكرية، استهلاكية، وليست تسليحية، إذ لا توجد شريحة منها تذهب لشراء أسلحة”.
وأوضح المسؤول السابق أن “50% من ميزانية الجيش تذهب إلى رواتب منتسبيه، والـ50% الباقية من الميزانية توّزع على الطبابة، والمحروقات والتغذية”.
وقدّر المصدر، أن ميزانية الجيش قبل الهبوط الحاد لليرة، كانت تعادل نحو 1.33 مليار دولار أميركي، مستبعداً أن يكون قد حصل فيها أي تغيير، وتُقسّم على النحو الذي شرحه.
مصادر التسليح
وعن وضعية سلاح الجيش، لفت المصدر نفسه لـ”الشرق”، إلى “الحالة المزرية” التي تعانيها معدات الجيش اللبناني، مشيراً إلى أن تسليحه، يأتي، بشكل أساسي، من الولايات المتحدة، وبدرجة أقل بكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية، ولا سيما الأردن، الذي يقدم معدات وآليات كانت ضمن عمليات الجيش الأردني، بالإضافة إلى قوات “اليونيفيل”، التي تقدم أيضاً آليات ومعدات مستعملة كهبات للجيش.
لكنه أشار إلى مآخذ على تسليح الولايات المتحدة للجيش اللبناني، ومنها أنها تحصر هباتها، بالآليات والعربات والأسلحة الخفيفة، ولكنها لا تقدم أسلحة متطورة أو مضادات طيران مثلاً، وهو ما يناقض مطالبات الغرب بتعزيز دور الجيش.
وفي هذا السياق، كشف المصدر عن خطة سابقة لتعزيز الجيش في الجنوب، وتم وضع خطة للحصول على دعم دولي له، لكن كانت اليونيفيل تعارض “طلبنا مدفعية مثلاً، وتعتبر أن ذلك لا يتطابق مع القرار الأممي 1701، علماً بأن تسليحهم يتضمن هذا النوع من الأسلحة”.
15 ألف جندي مقاتل في الجنوب
وتوقع المسؤول العسكري اللبناني السابق، الذي كان ممن تولوا مسؤولياتٍ في الجنوب، وكانوا ينسقّون مع القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل)، أن تكون السلطات اللبنانية مُلزِمة “بنشر 15 ألف عسكري مقاتل”، وفق متطلبات القرار الدولي، متوقعاً أن “يكون مطلوباً من هذه القوى، تكثيف الدوريات، أو القيام بمداهمات، وأحياناً القتال ربما، وبالتالي، سيكون المطلوب دماء عسكرية جديدة”.
خزينة “مُفلسة”
وكشف المصدر عن “نقاش بشأن تجنيد 6 آلاف عسكري جديد، أعمارهم تكون بالعشرينات، وهؤلاء سيحتاجون إلى رواتب، وتغذية ومحروقات وسلاح وتدريبات، لِما لا يقل عن 3 أشهر، لكي يكونوا جاهزين لتأدية مهامهم، ليضاف هؤلاء على الـ12 ألف المنتشرين في الجنوب”.
وقال المصدر إن الجيش اللبناني لديه القدرة على “التأقلم على المهام المطلوبة منه، لكنه نبّه إلى ضرورة أن يتأقلم السياسيون مع هذه المتطلبات”، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل على تأمين التمويل لهذه المهمات، لأن خزينة الدولة مفلسة، على مبدأ القول (للجهات الراعية للمفاوضات) إذا أردتم أن ننفذ القرار فيجب أن تساعدونا على تمويل هذه التنفيذ”.
وبشأن ما طُرح في الإعلام عن حاجة لبنان إلى نحو مليار دولار أميركي لتمويل خطة تنفيذ قرار مجلس الأمن، اعتبر المصدر أن الهدف من هذا المبلغ، “هو في الأساس، لتسليح القوة العسكرية، وتجهيزها بعربات جديدة، مثل آليات اليونيفيل، وعربات مُصفحّة، وأجهزة مراقبة ليلية لتكون قادرة على القيام بالمهام الموكلة وتطبيق القرار 1701، لمكافحة الخروق للقرار” الدولي، في منطقة جنوب الليطاني التي تمتد على مساحة تُقارب الـ850 كيلومتراً من الحدود الجنوبية- الخط الأزرق.
وتمتد هذه المنطقة، من الخط، الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل، إلى مجرى نهر الليطاني، وفق متطلبات القرار الدولي، الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس من العام 2006، منهياً حرباً استمرت 34 يوماً بين إسرائيل و”حزب الله”.
وأبرز ما ينص عليه القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن في أغسطس من عام 2006، “التزام الحكومة اللبنانية ببسط سلطتها على الأراضي اللبنانية.. من خلال قواتها المسلحة الشرعية، بحيث لا يكون هناك سلاح من دون موافقة حكومة لبنان، ولا سلطة غير سلطة الحكومة.. وانتشار قوة للأمم المتحدة مستكملة ومعززة”، وتنفيذ “القوات الإسرائيلية انسحاباً فورياً من جنوب لبنان”، على أن يتم نشر قوة مسلحة لبنانية مؤلفة من 15 ألف جندي في جنوب لبنان، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي”.
وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، زار لبنان مؤخراً، وحمل معه مبادرة لدعم الجيش اللبناني بـ200 مليون يورو، بهدف تعزيز قدرات الجيش، لتطبيق القرار 1701.
لماذا لا ينخرط الجيش اللبناني في النزاع؟
لطالما نأت الدولة اللبنانية، بجيشها عن الانخراط في صراع مسلّح مباشر مع إسرائيل، بسبب ضعف الإمكانيات العسكرية التي يمتلكها مقارنة بما لدى الجيش الإسرائيلي.
ولم تستثن إسرائيل مراكز، وآليات للجيش اللبناني من استهدافاتها، على مدى الحروب المتتالية التي شنتها على لبنان.
وكانت معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، شعاراً استخدم للمرة الأولى في بيان أول حكومة لبنانية تم تشكيلها بعد محادثات رعتها قطر في عاصمتها الدوحة في العام 2008، بهدف معالجة الانقسام اللبناني بين فريق “الثامن من آذار (مارس)”، والذي يضم “حزب الله” و”حركة أمل” و”التيار الوطني الحُر”، وغيرها من القوى التي كانت محسوبة بالداخل من حلفاء وإيران في لبنان، من جهة، وبين تحالف “14 آذار(مارس)”، الذي يضم القوى المناوئة للحزب ودمشق وعلى رأسهم “تيار المستقبل” وغيرها من الأحزاب والتيارات.
واعتبر “حزب الله” وحلفاؤه شعار “الجيش والشعب والمقاومة”، معادلة تجعل من سلاح الحزب “رادعاً” في وجه التهديدات الإسرائيلية، إلى جانب سلاح الجيش، لكنه في نظر مناوئيه، تكريس لانكفاء الدولة عن بسط سلطاتها على أراضيها، وشرعنة لوجود سلاح غير سلاح الشرعية على الأراضي اللبنانية.
ولم يُسجّل، أي اشتباك مسلح، في المدى المنظور، بين الجيشين الإٍسرائيلي واللبناني، ما عدا اشتباك وقصف متبادل، في الثالث من أغسطس من العام 2010، في بلدة العديَسة الحدودية، وسقط خلالها 3 جنود لبنانيين، وصحافي، وضابط إسرائيلي برتبة مقدم إلى جانب عدد من الجرحى. واندلعت الاشتباكات بعدما حاولت قوة إسرائيلية اقتلاع شجرة داخل الحدود اللبنانية، فتدخلت قوة من الجيش اللبناني لمنعها.
كيف تأسس الجيش اللبناني؟
وفق الموقع الرسمي للجيش اللبناني، فإن مسيرته بدأت إثر تطوع مجموعات من الشباب اللبناني في “فرقة الشرق”، التي أنشأها الحلفاء لقتال القوات العثمانية، وتحرير لبنان.
وفي 1918، صارت الفرقة تضم أول سرية من سرايا الجيش اللبناني، التي انخرطت “تناضل” مع مواطنيها “ضد الانتداب” الفرنسي، بحسب الموقع الإلكتروني للجيش.
وبقي الجيش اللبناني تحت سلطة الانتداب الفرنسي، إلى ما بعد استقلال لبنان في 22 نوفمبر 1943، إلى أن صدر بيان من هيئة الأركان الإنجليزية – الفرنسية المشتركة في الشرق، في 25 يوليو 1945، نصّ على انتقال الجيش الى سلطة الدولة اللبنانية في الأول من أغسطس من العام نفسه.
وتعرّض الجيش لعدد من الهزات، بينها حالة الانقسام التي عاشها، على أساس طائفي، بعد الحرب الأهلية، التي اندلعت في أبريل عام 1975، إذ تورّطت ألوية من الجيش، تبعاً للميول الطائفية لقيادات ومأمورين فيه، في معارك هجوم أو دفاع، حماية لمناطق محسوبة عليهم طائفياً.
ودفع توقيع اتفاق الطائف في العام 1989، ونهاية الحرب الأهلية، باتجاه إعادة توحيد الجيش، وإعادة بنائه وتوحيد عقيدته العسكري، ما أنهى هذا الانقسام في المؤسسة العسكرية.