أظهرت دراسة حديثة، أجرتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، أن أداء رواد الفضاء في بعض المهام المعرفية أصبح أبطأ خلال إقامتهم في الفضاء، لكن لم تُظهر أي علامات على تدهور إدراكي دائم، وفق “Frontiers in Physiology”.
ومع استمرار استكشاف الفضاء، والاهتمام بالبعثات طويلة الأمد، يواجه رواد الفضاء تحديات بيئية وصحية قد تؤثر على أدائهم الإدراكي، فرحلات الفضاء الطويلة تعرضهم لمخاطر وظروف بيئية تؤدي إلى إجهاد ذهني وجسدي، وهو ما يمكن أن يؤثر على قدراتهم العقلية.
الأداء الإدراكي لرواد الفضاء
إلا أن الأداء الإدراكي لرواد الفضاء خلال المهام الحالية إلى محطة الفضاء الدولية لا يزال غير مدروس بشكل كافٍ، لذلك، أجرت وكالة ناسا، ضمن إطار برنامج البحوث البشرية، دراسة شاملة لتقييم الأداء الإدراكي لرواد الفضاء المحترفين في رحلات تستمر لمدة 6 أشهر إلى محطة الفضاء الدولية.
شملت الدراسة 25 رائد فضاء محترف، إذ تم استخدام “مقياس الإدراك” الذي طوَّرته ناسا كجزء من مشروع “الإجراءات القياسية الشاملة”.
وتم جمع بيانات الأداء الإدراكي في خمس مراحل مختلفة من المهمة: قبل الرحلة، وخلال الفترة المبكرة من الرحلة، والفترة المتأخرة من الرحلة، وفترتي ما بعد الرحلة (مبكراً ومتأخراً).
كما تم تقييم سرعة الأداء ودقته، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات التكرار، وحساب نتائج القياس بالنسبة إلى الأداء الأساسي لكل رائد فضاء (قبل الرحلة)، ثم استخدام نماذج إحصائية لفحص العلاقة بين مراحل الرحلة المختلفة، وأداء الرواد في المهام الإدراكية.
الميل إلى المخاطرة
وأظهرت الدراسة أن الأداء الإدراكي لرواد الفضاء كان مستقراً بشكل عام عبر مختلف مراحل المهمة، مع بعض الفروق الملحوظة في اختبارات محددة.
ولوحظ تباطؤ في الأداء في المهام المتعلقة بسرعة المعالجة، والذاكرة البصرية العاملة، والانتباه المستمر خلال المرحلة المبكرة من الرحلة، كما لوحظ انخفاض في الميل إلى المخاطرة خلال المراحل المتأخرة من الرحلة وبعدها.
وأظهرت الدراسة أيضاً أن 11.8% من نتائج الأداء في مراحل الرحلة، وما بعدها، كانت أقل من 1.5 عن المتوسط الأساسي للأداء قبل الرحلة.
اختلافات محددة
وفيما يتعلق بالعوامل الأخرى، لم تشر التحليلات إلى وجود ارتباط واضح بين الأداء الإدراكي ومدة النوم أو مستويات اليقظة.
ولم تظهر الدراسة أدلة تشير إلى تدهور منهجي في الأداء الإدراكي لرواد الفضاء خلال مهام تستمر لمدة 6 أشهر في محطة الفضاء الدولية، إلا أن هناك اختلافات محددة تم ملاحظتها في بعض الاختبارات خلال مراحل معينة من المهمة، مما يشير إلى أن سرعة المعالجة، والذاكرة البصرية العاملة، والانتباه المستمر، والنزعة إلى المخاطرة قد تكون المجالات الإدراكية الأكثر تأثراً في المدار الأرضي المنخفض لدى الرواد المحترفين.
توفر الدراسة إحصائيات وصفية للأداء الإدراكي قبل الرحلة لعدد من الرواد، وهي أكبر قاعدة بيانات تم نشرها حتى الآن، مما يساعد في تحديد أي تدهور كبير في الأداء في العينات المستقبلية.
العمل في الفضاء
وأكدت المؤلفة الأولى للدراسة، شينا ديف، الباحثة في مختبر الصحة النفسية والأداء في ناسا أنه “لا يوجد دليل على وجود تدهور إدراكي، أو تدهور عصبي لدى رواد الفضاء الذين قضوا ستة أشهر على محطة الفضاء الدولية”.
وأضافت أن “العيش والعمل في الفضاء لم يرتبط بإعاقة معرفية واسعة النطاق، تشير إلى تلف كبير في الدماغ”.
ورغم أن الأداء المعرفي لرواد الفضاء كان بطيئاً في بعض المهام المتعلقة بسرعة المعالجة، والذاكرة العاملة والانتباه، إلا أن دقة الإجابات لم تتأثر.
يعد هذا البحث أكبر دراسة حتى الآن حول الأداء المعرفي لرواد الفضاء المحترفين، إذ يوفر بيانات قيمة لفهم كيفية تأثير البيئة الفضائية على الدماغ.
وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تتيح للعلماء التنبؤ بالتغيرات المعرفية التي قد تحدث أثناء السفر إلى بيئات قاسية، مثل القمر أو المريخ، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الإضافية مثل الإشعاع، وتأخيرات التواصل.