أمام الصورة التفاؤلية للعلاقة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تقف ملفات عالقة بين روسيا والولايات المتحدة لترسم ملامح توترات أعمق، وفق “وول ستريت جورنال”.
في السابق، وصف ترمب نفسه بأنه صانع صفقات بارع، يمكنه استغلال علاقته الودية مع بوتين، لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتهدئة التوترات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، وإعادة تشكيل السياسة العالمية.
لكن هذا التفاؤل يتناقض مع سجل الرئيسين والواقع الجيوسياسي الجديد، إذ فشل ترمب وبوتين في التوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا مثل ضبط التسلح، وأوكرانيا خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي، كما أن الفجوة بين البلدين اتسعت منذ مغادرته البيت الأبيض، بحسب الصحيفة الأميركية.
وأشاد بوتين بترمب منذ انتخابه، ووصفه بـ”الشجاع”، في منتدى عقد الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، نفى الكرملين أن يكون بين الرجلين أي تواصل منذ الانتخابات، رغم تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أفاد بأنهما أجريا مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي.
واعتبرت “وول ستريت جورنال” أن المخاطر لم تتصاعد إلى هذا الحد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ تتواجه روسيا والولايات المتحدة في صراع متصاعد في أوكرانيا، وتُتهم موسكو بتنفيذ عمليات تخريبية في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك خططاً سرية لإشعال حرائق في طائرات شحن، أو ركاب متجهة إلى الولايات المتحدة.
“توازن القوى العالمي”
وعلى نطاق أوسع، يسعى بوتين إلى تغيير توازن القوى العالمي، من خلال تعزيز تحالف مع خصوم الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، بحسب الصحيفة.
ويسعى كل من بوتين وترمب إلى تعزيز مواقفهما القوية قبل المفاوضات المتوقعة بشأن أوكرانيا، لكن أي نافذة أمل ستعتمد إلى حد كبير على “قدرة ترمب على تحويل الكلمات الطيبة إلى إنجازات دبلوماسية ملموسة”.
وقالت “وول ستريت جورنال” إن النواب الروس احتفلوا في قاعة البرلمان عندما فاز ترمب في انتخابات 2016، متوقعين عصراً جديداً في العلاقات الأميركية-الروسية تحت قيادة رجل الأعمال الذي أمضى شهوراً خلال حملته الانتخابية في الإشادة ببوتين.
ولم يرد الكرملين حينها على طرد الرئيس الأسبق باراك أوباما 35 دبلوماسياً روسياً، بتهمة التدخل في الانتخابات قبل تسليم السلطة إلى ترمب، بل فضَّلت روسيا فتح صفحة جديدة مع السيد الجديد للبيت الأبيض.
ومع ذلك، ازدادت الأجواء بين واشنطن وموسكو توتراً خلال ولاية ترمب الأولى، إذ أخفق البلدان في التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا محورية مثل ضبط التسلح، والتعاون الأمني، واستمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا التي غزتها روسيا في فبراير 2022، في تصعيد للحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في عام 2014.
سعت روسيا إلى إبرام اتفاقيات تتعلق بالأسلحة النووية التكتيكية والعابرة للقارات، إضافة إلى صفقة تلبي مطالب موسكو بأن تظل أوكرانيا دولة محايدة وخارج نطاق حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وتعرقلت جهود ترمب لعقد صفقات مع بوتين جزئياً بسبب اتهامات بأنه كان “مديناً سراً” للكرملين بسبب الحملة الإلكترونية التي اتُهم الروس بشنِّها ضد هيلاري كلينتون، منافسة ترمب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
وتفاقمت الشكوك بشأن انحياز ترمب لموسكو بسبب اتهامات لاحقة، ثبت لاحقاً عدم صحتها، تفيد بتواطؤ حملته مع قراصنة تابعين للكرملين، وفقاً لـ”وول ستريت جورنال”.
“البحث عن صفقة”
ويرى كورت فولكر، السفير الأميركي السابق لدى الناتو في عهد ترمب، أن كلمات الرئيس المنتخب الودية تجاه بوتين تخفي “تكتيكاً تفاوضياً تجارياً” مع القادة العالميين، مشيراً إلى أن ترمب يتجنب تشويه صورة الشخص الذي يتحدث معه “لأنه يريد إبرام صفقة”.
وأضاف فولكر: “إذا نظرتم إلى ولايته الأولى، ستجدون له تصريحات ودية للغاية تجاه بوتين، لكنه في الوقت نفسه رفع حظر الأسلحة عن أوكرانيا، وطرد الروس من سان فرانسيسكو، واعتبرها عملية تجسس، وطرد حوالي 80 ضابط استخبارات من نيويورك وواشنطن”.
وعاد ترمب وبوتين الآن إلى الخطاب العلني الودي بينهما، إذ هنأت موسكو ترمب على فوزه، بينما وصف ترمب بوتين خلال حملته الانتخابية مراراً بأنه قائد قوي وذكي.
وترى “وول ستريت جورنال” أن هذه المشاعر تعكس شعبية ترمب بين بعض الروس، مشيرة إلى أن المواطنين الروس العاديين عبَّروا عن مزيج من الاستياء تجاه الولايات المتحدة والابتهاج بفوز ترمب بالانتخابات على وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الود “يخفي توترات أعمق”.
تحديات حاسمة
وتواصل القوات الروسية، منذ أشهر، تقدمها على جبهة واسعة داخل أوكرانيا، مستحوذة على أراضٍ تعتزم موسكو الاحتفاظ بها في أي اتفاق سلام.
ويقول مسؤولون أميركيون إن موسكو تعتقد أنها تحقق النصر في الحرب، ما يجعل أي محادثات للسلام “مستحيلة”، حسبما ذكرت الصحيفة.
وقال أندريه كوليسنيكوف، الخبير في الشأن الروسي، للصحيفة: “بوتين غير مستعد لأي نقاش جاد حول أي خطة سلام محتملة، لأنه غير مستعد لتقديم أي تنازلات”.
وأضاف: “هو يعتقد أن لديه من الموارد المالية والعاطفية ما يكفي للاستمرار”.
ومع ذلك، توجد لدى الرئيس الروسي دوافع تجعله يخشى من أهداف ترمب السياسية الأوسع نطاقاً، والتي قد تضع ضغوطاً إضافية على جهود روسيا الحربية بطرق جديدة، وفقاً للصحيفة.
وقالت “وول ستريت جورنال” إن اختيار ترمب للنائب مايك والتز، وهو محارب قديم من القوات الخاصة، ليكون مستشاره للأمن القومي في البيت الأبيض قد يشكل “سلاحاً ذي حدين” بالنسبة لبوتين.
وأوضحت الصحيفة أن والتز انتقد حجم المساعدات الأميركية المقدمة إلى أوكرانيا، ودعا أوروبا إلى بذل المزيد، لكنه في الوقت نفسه حذَّر من أن واشنطن قد ترفع القيود عن الأسلحة طويلة المدى التي توفرها لأوكرانيا، ما قد يسمح لكييف بشن ضربات أعمق داخل الأراضي الروسية إذا لم يأت بوتين إلى طاولة المفاوضات.
وأشارت الصحيفة إلى تعهد ترمب بتحفيز التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى زيادة فائض إمدادات النفط عالمياً، وهو مصدر رئيسي للعائدات بالنسبة للاقتصاد الروسي الذي تأثر بشكل كبير جراء العقوبات الغربية.
ويرغب ترمب أيضاً في تكثيف الضغط على كوريا الشمالية، التي أصبحت حليفاً استراتيجياً لموسكو خلال حربها في أوكرانيا من خلال تزويدها بملايين القذائف المدفعية، ومؤخراً إرسال قوات بالقرب من جبهة القتال في غرب روسيا.
كما هدد الرئيس الأميركي المنتخب بتحميل إيران، الحليف الآخر للكرملين والتي زودته بالطائرات المُسيرة، المسؤولية المباشرة عن الأنشطة التخريبية التي يقوم بها وكلاؤها في الشرق الأوسط.