أظهر تقرير جديد، أصدره باحثون في بريطانيا والسودان، أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 61 ألفاً قضوا في ولاية الخرطوم خلال أول 14 شهراً من الحرب في السودان.
وتحدث التقرير عن وجود أدلة تشير إلى أن العدد الكلي أعلى بكثير مما سُجِّل من قبل.
وشملت التقديرات سقوط نحو 26 ألفاً بجروح خطرة أصيبوا بها بسبب العنف، وهو رقم أعلى من الذي تذكره الأمم المتحدة حالياً للحصيلة في البلاد بأكملها.
وتشير مسودة الدراسة، التي صدرت عن مجموعة أبحاث السودان في كلية لندن للحفاظ على الصحة وطب المناطق الحارة، الأربعاء، قبل مراجعة من زملاء التخصص، إلى أن التضوّر جوعاً، والإصابة بالأمراض أصبحا من الأسباب الرئيسية للوفاة في أنحاء السودان.
وقال الباحثون إن تقديرات أعداد الوفيات الناجمة عن كل الأسباب في ولاية الخرطوم أعلى بنسبة 50% عن المتوسط المسجَّل على مستوى البلاد، قبل بدء الحرب التي نشبت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023.
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع دفع 11 مليوناً إلى الفرار من منازلهم، وتسبب في أكبر أزمة جوع في العالم.
ويحتاج نحو 25 مليون نسمة، أي نصف سكان السودان تقريباً، إلى المساعدات في وقت تنتشر فيه المجاعة في مخيم واحد للنازحين على الأقل.
ويشكل إحصاء عدد الضحايا تحدياً في ظل الحرب.
عزل الملايين عن العالم
ويقول باحثون إنه حتى في أوقات السلم لا يتم تسجيل الكثير من الوفيات في السودان.
ومع تصاعد حدة القتال، تقطعت بالسكان السبل للوصول إلى الجهات التي تسجل الوفيات، مثل المستشفيات، والمشارح، والمقابر.
كما تسبب الانقطاع المتكرر في خدمات الإنترنت والاتصالات في عزل الملايين عن العالم الخارجي.
تقول ميسون دهب المختصة بعلوم الأوبئة والمديرة المشاركة بمجموعة أبحاث السودان، وهي أيضاً من قادت الدراسة، إن الباحثين حاولوا “رصد (الوفيات) غير المرئية”، من خلال أسلوب عينات يعرف باسم “الرصد وإعادة الرصد”.
وأضافت أن هذا الأسلوب، المصمم بالأساس للأبحاث البيئية، استُخدم في دراسات منشورة لتقدير عدد من قضوا خلال احتجاجات مطالبة بالديمقراطية في السودان في 2019، ووفيات جائحة كوفيد-19 في وقت لم يكن يتسنى فيه إحصاء الأعداد بالكامل.
وباستخدام بيانات من مصدرين مستقلين على الأقل، بحث الباحثون عن أفراد يظهرون في عدة قوائم. وكلما قل التداخل بين القوائم، زادت فرص وجود وفيات غير مسجلة، وهي معلومات يمكن البناء عليها لتقدير الأعداد الشاملة للوفيات.
وفي تلك الحالة، جمع الباحثون 3 قوائم للمتوفين؛ القائمة الأولى بناءً على مسح للجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي بين نوفمبر 2023 ويونيو 2024.
أما القائمة الثانية، فقد اعتمدت على نشطاء في المجتمع المدني و”سفراء للدراسة”، لتوزيع المسح بشكل شخصي على معارفهم وشبكات تواصلهم.
وجٌمعت القائمة الثالثة من منشورات نعي على وسائل تواصل اجتماعي، وهو أمر شائع في مدن الخرطوم وأم درمان وبحري التي تشكل معاً منطقة العاصمة السودانية.
وفيات “دون رصد”
وكتب الباحثون: “ما خلصنا إليه يشير إلى أن الوفيات ظلت دون رصد إلى حد كبير”.
ولا تشكل الوفيات التي رصدتها القوائم الثلاث سوى 5% فحسب من تقديرات إجمالي الوفيات في ولاية الخرطوم، و7% من تلك الوفيات التي تُعزى إلى “إصابات متعمدة”.
وتقول الدراسة إن النتائج تشير إلى أن مناطق أخرى منكوبة بالحرب من البلاد، ربما شهدت خسائر بشرية مماثلة، أو أسوأ.
وأشار الباحثون إلى أن تقديراتهم لعدد الوفيات الناتجة عن العنف في ولاية الخرطوم تجاوزت 20 ألفاً و178 حالة تم تسجيلها في أنحاء السودان خلال نفس الفترة، بجهود من مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (أكليد)، وهي مجموعة معنية بمراقبة الأزمات، مقرها الولايات المتحدة.
وقالت ميسون دهب إن الباحثين لم يكن لديهم بيانات كافية لتقدير معدلات الوفيات في مناطق أخرى من البلاد، أو تحديد عدد الوفيات إجمالاً الذي يمكن ربطه بالحرب.
اتهامات متبادلة
وتبادل طرفا الصراع الاتهامات بشأن ارتفاع عدد الضحايا.
وأحال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، الأسئلة بشأن التقديرات التي خلصت إليها الدراسة إلى وزارة الصحة، لكنه قال: “السبب الرئيسي في كل هذه المعاناة هي ميليشيا الدعم السريع الإرهابية التي لم تتردد منذ اللحظة الأولى في استهداف المدنيين”.
وقالت وزارة الصحة في بيان، لـ”رويترز”، إنها رصدت عدداً أقل كثيراً من الوفيات، مقارنة بالتقديرات الواردة في الدراسة. وأضافت أن إجمالي عدد الوفيات المرتبطة بالحرب نحو 5 آلاف و565.
في المقابل، لم تشكك قوات الدعم السريع في تقديرات الدراسة، وعزت سبب الوفيات في العاصمة إلى “الضربات الجوية المتعمدة على المناطق المأهولة بالسكان، بالإضافة إلى القصف المدفعي والغارات بالطائرات المسيرة”.
وقالت في بيان، لـ”رويترز”: “من المعروف أن الجيش هو الوحيد الذي لديه” مثل هذه الأسلحة.
واندلعت الحرب في السودان نتيجة صراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع قبل انتقال كان مقرراً إلى الحكم المدني.
وسرعان ما سيطرت قوات الدعم السريع على معظم العاصمة، وانتشرت الآن في نصف البلاد على الأقل، لكن الجيش استعاد السيطرة على بعض الأحياء في أم درمان وبحري خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي سبتمبر الماضي، قالت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إن الجانبين ارتكبا انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم الحرب، بما في ذلك مهاجمة المدنيين.
كما تسببت الحرب في أعمال عنف عرقية في منطقة دارفور غرب البلاد، أُلقيت مسؤوليتها إلى حد كبير على قوات الدعم السريع.
عرقلة المساعدات
ويواجه طرفا الحرب في السودان اتهامات بعرقلة المساعدات الدولية التي تشتد الحاجة إليها.
وفي أكتوبر، أصدرت المملكة المتحدة، إلى جانب 10 مانحين آخرين، بياناً مشتركاً بشأن وصول المساعدات الإنسانية إلى السودان، داعين الأطراف المتحاربة إلى التوقف عن منع وصول المساعدات إلى السكان المتضررين.
وقال البيان إن الوضع في السودان يتطلب التدخل بشكل عاجل للزيادة الفورية، والمنسقة للمساعدات، إلى جانب وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن ودون عوائق إلى السكان المحتاجين، وذلك للحد من الخسائر واسعة النطاق في الأرواح.