قالت صحيفة “هآرتس” إن الجيش الإسرائيلي يعتزم البقاء في قطاع غزة حتى نهاية العام 2025 على الأقل، مستندة في ذلك إلى تصريحات ضباط يخدمون في القطاع المحاصر، وصور تظهر أعمال توسعة الطرق وبناء نقاط استيطانية ضخمة وبنية تحتية لاستقرار طويل الأجل.
وأشارت الصحيفة في تقرير نشرته الأربعاء، إلى أن “العمل يتقدم بأقصى سرعة، فما كان قبل بضعة أشهر مجرد سد ترابي به أنقاض المباني المدمرة، أصبح الآن موقع بناء نشط للغاية، حيث تم بناء طرق واسعة، ويتم تركيب هوائيات الهواتف الخلوية، وشبكات المياه والصرف الصحي”.
واعتبرت أن “الهدف واضح، سواء تم الحديث عنه علناً أم لا، وهو بناء البنية التحتية للبقاء العسكري المطول في الميدان”.
ونقلت عن مصادر دفاعية رفيعة المستوى، قولها إن ما يتم عرضه على الإسرائيليين ليس بالضرورة ما يحدث بالفعل، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي مطالب حالياً بإخلاء القرى والمدن من سكانها.
وقالت الصحيفة إنه لم يتبق سوى نحو 20 ألف شخص في منطقة كانت موطناً لأكثر من 500 ألف من سكان غزة قبل الحرب.
تدمير وبناء
ووفقاً لـ”هاآرتس” فإن الجيش الإسرائيلي قام منذ بداية الحرب، بالسيطرة على مناطق وطرق في القطاع، لكن البيانات التي حصلت عليها، أظهرت حجم ونطاق هذه المناطق التي تذكر بالأيام التي سبقت الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في عام 2005.
وقال قائد كبير خدم في غزة للصحيفة: “في الأشهر الأخيرة، كان الشيء الوحيد المطلوب من القوات القيام به في المنطقة هو نقل السكان إلى الجنوب – وتسوية المباني على بعد بضعة كيلومترات من المحاور اللوجستية والمناطق التي تقيم فيها القوات في كامل أراضي القطاع (..) هذه ليست مواقع يتم بناؤها لمدة شهر أو شهرين”.
وتشير الصحيفة إلى أن نفس الاستنتاج يتبين من خلال قراءة نوع من “الرسم البياني القتالي لعام 2025” الذي تم توزيعه في الأسابيع الأخيرة على الجنود والقادة المقاتلين.
ويقول الجنود الإسرائيليون إن الجيش بدأ قبل بضعة أسابيع “بتعرية مناطق واسعة” في القطاع، أي حسب الصحيفة، دمر المباني والبنية الأساسية القائمة بطريقة لا يمكن أن تختبئ فيها الأخطار التي تهدد القوات، ولكن لا يمكن لأحد أن يعيش فيها أيضاً. هذا بالإضافة إلى بناء الطرق والاستعدادات لتشييد المزيد من المرافق العسكرية الدائمة.
ونقلت “هآرتس” عن ضابط خدم في إحدى البؤر الاستيطانية بالقرب من ممر نتساريم قوله: “كنا ننام في حاويات مسلحة ومزودة بمنافذ كهرباء وتكييف وكل شيء، وكان مستوى المعيشة أعلى من معظم البؤر الاستيطانية التي كنت فيها أثناء خدمتي”.
وأضاف المصدر: “كان لدينا مطبخ وكنيس، وكانت غرفة العمليات العسكرية أيضاً داخل حاوية محمية”.
وتابع: “كنا نتجول بدون خوذات وبدون سترات، ولعبنا كرة القدم داخل البؤرة الاستيطانية (..) كنا نشوي اللحوم في الخارج كل ليلة تقريباً. لم يكن هناك شعور بأننا في منطقة حرب”.
شمال غزة “جزء” من الصورة
وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن شمال غزة، رغم أنه يشكل جزءاً كبيراً من الصورة، إلا أنه ليس الصورة بأكملها، فحسب الخطة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، تعمل إسرائيل على الاحتفاظ بما لا يقل عن 4 مناطق كبيرة في أجزاء مختلفة من القطاع.
وأوضحت أن أحد أبرز هذه المناطق هو ممر نتساريم، الذي سيطر عليه في بداية الحرب سلاح الهندسة القتالية كمحور لوجستي للقوات، وفي وقت لاحق استخدم لإدخال المساعدات الإنسانية، ومع ذلك، تغير هدفه وشكله بمرور الوقت. مشيرة إلى أنه الآن، بعد أعمال حفر واسعة النطاق في المنطقة المحيطة، لم يعد طريقاً بل منطقة كبيرة خالية من المباني.
وقال أحد الجنود للصحيفة: “اليوم عندما تقف على الطريق، في بعض الأماكن لم تعد ترى أي منازل”. مشيراً إلى أن عرض الممر الذي يؤدي إلى الموقع السابق يتراوح بين 5 و6 كيلومترات، بطول نحو 9 كيلومترات، فيما تبقى هذه الأبعاد غير نهائية، إذ يعمل الجيش الإسرائيلي حالياً على توسيعه.
ويقوم الجيش الإسرائيلي بإجراء تعديلات في منطقة أخرى هي ممر فيلادلفيا، حيث تقول الصحيفة إن الجيش نجح بالفعل في تسوية مساحات واسعة على جانبي الطريق بالأرض.
وذكرت الصحيفة أن القيادة السياسية طالبت بتوسيع السور إلى كيلومتر إضافي، ولكن المصادر العسكرية تقول إن توسيع السور إلى 4 كيلومترات أمر غير ممكن في بعض المناطق، لأن ذلك يعني تدمير أحياء بأكملها في رفح.
وأضافت “هآرتس” أن المنطقة الرابعة هي الأكبر على الإطلاق. فهي عبارة عن شريط يمتد على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، وهي المنطقة التي تتحمل “فرقة غزة” مسؤولية إعادة تشكيلها.
وقالت الصحيفة إنها منطقة عازلة يبلغ عمقها كيلومتراً واحداً على الأقل، تفصل بين المجتمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع غزة والمنازل الحدودية داخل القطاع، والهدف من ذلك، حسب الصحيفة، هو إبعاد خطر الصواريخ المضادة للدبابات عن منازل الإسرائيليين.
واقع ميداني جديد
واعتبرت الصحيفة أن ما يجري بالقرب من “كيبوتس كيسوفيم” هذه الأيام، يشير إلى أن مشروع الجيش الإسرائيلي لم ينته بعد. إذ أعلن الجيش الأسبوع الماضي أنه سيفتح طريقاً لأغراض لوجستية من هناك إلى غزة.
وأشارت إلى أنه في هذه المرحلة، فإن هذا الطريق قصير وضيّق، وينتهي بمنطقة تجميع صغيرة نسبياً. ولكن وفقاً لضباط في الجيش الإسرائيلي تحدث لـ”هآرتس”، فإن هذه هي الطريقة التي بدأت بها المشاريع السابقة، متوقعاً أن يصبح ممر “كيسوفيم” ممر فيلادلفيا آخر.
وتقول “هآرتس” إن هذه الطرق تكشف الطريقة التي تتحول بها الاحتياجات القصيرة الأجل إلى مشاريع دائمة. مثل ما حدث للمعبر الذي أقيم على عجل في بداية الحرب للسيطرة على الحركة من شمال غزة إلى جنوبها، والذي كان في البداية يشبه نقطة تفتيش مؤقتة، ليبدو الآن على حد تعبير الصحيفة، وكأنه معبر حدودي بين بلدين.
وقال أحد ضباط الجيش الإسرئيلي للصحيفة: “من الواضح أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من غزة قبل عام 2026، كما يبدو على الأرض. وعندما ترى الطرق التي يتم فتحها هنا، فمن الواضح أنها ليست مخصصة للمناورات البرية أو لشن غارات. هذه الطرق تؤدي، من بين أماكن أخرى، إلى الأماكن التي تم إزالة بعض المستوطنات منها. لا أعلم بأي نية لإعادة بنائها، وهذا ليس شيئاً قيل لنا صراحة. لكن الجميع يدركون إلى أين يتجه هذا الأمر”.