تدرس الصين خططاً لتقديم تخفيضات جمركية وإعفاءات من التأشيرة واستثمارات وحوافز أخرى لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، وذلك لتعويض التأثير المحتمل الناجم عن وعود الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإلحاق الضرر باقتصاد بكين عبر إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ونقلت الصحيف عن مصادر مقربة من دائرة صانعي القرار في الصين قولهم إنه رغم استعداد بكين للحوار مع واشنطن بمجرد تشكيل فريق ترمب الجديد، فإنها تستغل أيضاً هذه الفرصة لكسب ود الشركاء التقليديين لأميركا من أجل تعزيز قدرتها على التنافس مع الولايات المتحدة.
وأضافت المصادر أن القطاعات المستهدفة أيضاً تشمل المعدات الكهربائية ومعدات الاتصالات، بالإضافة إلى المأكولات البحرية ومنتجات زراعية أخرى، حسب البلدان التي تستهدفها بكين.
وتواجه بكين تحديات كبيرة بالفعل للتحقيق هذه الاستراتيجية، خصوصاً مع تشديد الاتحاد الأوروبي موقفه تجاه الصين في السنوات الأخيرة، وشعوره بالغضب من دعم بكين للحرب الروسية في أوكرانيا، والتي يعتبرها “تهديداً أمنياً وجودياً”، فيما يزداد حذر حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، تجاه جارتهم “العدوانية”.
انفتاح أحادي
وخلال الأشهر الأخيرة، ألغت الصين بالفعل متطلبات استخراج التأشيرات للمسافرين من نحو 20 دولة، منها أستراليا ونيوزيلندا والدنمارك وفنلندا وكوريا الجنوبية، دون أن تشترط المعاملة بالمثل على الفور.
وتمثل الاستراتيجية، التي يطلق عليها “الانفتاح الأحادي” في دوائر السياسة الصينية، تغييراً تكتيكياً لقيادة طالما فضلت الصفقات الاقتصادية والدبلوماسية المتبادلة.
وفي معرض تجاري كبير استضافته شنغهاي، الثلاثاء، قال رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج إن الصين ستواصل تنفيذ سياسة “الانفتاح الأحادي” لتوفير فرص للأجانب للوصول إلى السوق الصينية.
كما ألمح نائب رئيس الوزراء الصيني، هي ليفينج، في اجتماعاته الأخيرة مع قادة الأعمال الغربيين إلى درس تطبيق تخفيضات جمركية استباقية في قطاعات متنوعة؛ لتعزيز الاستثمارات الأجنبية والتجارة مع أوروبا ودول آسيوية أخرى.
ورجحت “وول ستريت جورنال” أن يتعامل القادة الأوروبيون بـ”حذر” مع العروض الصينية، ويبدون تردداً في اتخاذ أي موقف قد يعمق الانقسامات التي يخشون بالفعل أن تنشأ مع إدارة ترمب.
ولطالما قال المسؤولون الأوروبيون إن بكين “لم تلتزم بتعهداتها التجارية السابقة”، كما أنهم يشعرون بالقلق من أن زيادة الوصول إلى الأسواق قد تكون “ستاراً” لسرقة التكنولوجيا الأوروبية من قبل الشركات الصينية.
ويعكس التغيير في نهج بكين التحديات التي تتوقعها الصين في التعامل مع إدارة ترمب، الذي أعادت سنواته الأربع الأولى في البيت الأبيض تشكيل سياسة واشنطن تجاه الصين، من خلال استبدال التواصل المستمر على مدار عقود بنهج أكثر صدامية.
وقالت الصحيفة إن النزاع التجاري الواسع النطاق الذي شهدته الولاية الأولى لترمب أدى إلى توتر العلاقات الثنائية بشكل كبير.
وأرسل شي تهنئة إلى ترمب، الخميس، لانتخابه رئيساً للولايات المتحدة، لكنه وجه أيضاً تحذيراً غير مباشر للإدارة القادمة بشأن خوض صراعات اقتصادية جديدة مع الصين.
وقال شي: “التاريخ يخبرنا أن كلا البلدين يستفيدان من التعاون ويخسران من المواجهة”، إذ تأمل بكين من خلال استراتيجية الانفتاح الجديدة في استغلال المخاوف في أوروبا وآسيا من أن يُحيي ترمب الخطاب العدائي الذي استخدمه ضد حلفاء الولايات المتحدة خلال ولايته الأولى.
وكان ترمب، قال خلال حملته الانتخابية في وقت مبكر من هذا العام، إنه “سيشجع روسيا على مهاجمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي لا تسهم بما يكفي في تمويل التحالف”، وهي تصريحات أثارت قلقاً واسعاً في أوروبا.
الضغط على أميركا
وتهدف الصين من خلال هذه المبادرة إلى زيادة الضغط على الولايات المتحدة ومحاولة تفكيك تحالفاتها، كما تسعى إلى تنويع أسواقها بعيداً عن الولايات المتحدة التي قد تغلق أبوابها أمامها. وأحرزت بكين تقدماً في أسواق العالم النامي، لكن وصولها بشكل أوسع إلى الأسواق الأوروبية أو الآسيوية قد يحمل تأثيراً أكبر.
ويرى القادة الصينيون في عودة ترمب إلى البيت الأبيض فرصة للصين، إذ نقلت مصادر مقربة من صانعي القرار في الصين قولهم، إن القادة يعتبرون ترمب “صانع صفقات متقلب” قد يسرع تراجعاً محتوماً للولايات المتحدة كقوة عالمية وحيدة، ويزيد من الاضطراب السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، ويدفع بالحلفاء الذين استمالهم بايدن بعيداً، ما يساعد بكين في إعادة بناء علاقاتها مع الأوروبيين وغيرهم.
وعندما بدأ ترمب في فرض رسوم جمركية على الصين في أوائل عام 2018، لإجبار بكين على تغيير ممارساتها الاقتصادية التي تقودها الدولة، ردت بكين بالمثل في كل مرة، معتقدة أن رجل الأعمال الذي أصبح رئيساً سيتراجع في نهاية المطاف.
وتبع ذلك تصعيد متبادل؛ إذ ارتفعت الرسوم الأميركية على واردات السلع الصينية لتتضاعف أربع مرات من 3% إلى 12% في المتوسط خلال الولاية الأولى لترمب.
ومع ذلك، استفاد المُصدرون الصينيون من الطلب القوي في الولايات المتحدة خلال جائحة فيروس كورونا، عندما تلقى المستهلكون الأميركيون مساعدات نقدية مباشرة من الحكومة، في وقت أدى فيه انخفاض كبير في قيمة العملة الصينية إلى جعل المنتجات الصينية أرخص في الأسواق الخارجية.
وتوقع بعض الاستراتيجيين الجمهوريين أن يبدأ ترمب في الوفاء بوعده بفرض الرسوم الجمركية بمجرد أدائه لليمين، وذلك من خلال التركيز على عدم امتثال الصين الكامل لما يُسمى “اتفاق المرحلة الأولى” الذي وقعته واشنطن وبكين في عام 2020، والذي كان يتطلب من الصين زيادة مشترياتها من السلع والخدمات الأميركية بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين.