عرف الفلسطينيون والإسرائيليون الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى، لكن الكثيرين منهم يظهرون عدم قدرة على التنبؤ ما يحمله في ولايته الثانية.
في الولاية الأولى، اتخذ ترمب جانب إسرائيل في مختلف الملفات: اعترف بضم القدس والجولان السوري المحتل، واعتبر بناء المستوطنات قانونياً، وأوقف الدعم المالي الأميركي للسلطة الفلسطينية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأغلق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وأغلق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن.
أما في الولاية الجديدة، فإن الإسرائيليين يأملون أن تستمر هذه السياسة، لكنهم غير متيقنين من ذلك.
وكذلك الأمر للفلسطينيين الذين قطعوا علاقتهم مع إدارته الأولى، لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سارع إلى تهنئته بالفوز في الولاية الثانية مبدياً الاستعداد للتعاون مع إدارته لتحقيق “السلام والأمن في المنطقة”.
قلق فلسطيني
لا يخفي الفلسطينيون قلقهم من أن يواصل ترمب سياسته القديمة، لكنهم قرروا هذه المرة عدم اللجوء إلى مقاطعة إدارته، كما فعلوا في ولايته السابقة، والانخراط في نقاش مع هذه الإدارة بشأن الحل السياسي.
وقال المسؤول في حركة “فتح” جبريل الرجوب لـ”الشرق”: “المطلوب منا هو أن نكون جاهزين للتعامل مع هذه الإدارة، من خلال تقديم مقاربة سياسية واقعية وفعالة تقوم على الدولة المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية، وحدة نظامنا السياسي، ووحدة مفهومنا للعمل الوطني القائم على المقاومة الشعبية، وعلى مسؤولية الدولة عن السلاح والأمن”.
ويعلق الفلسطينيون آمالاً كبيرة على الدور الذي قد تلعبه المملكة العربية السعودية في المرحلة المقبلة.
وقال رجوب: “موقف القيادة السعودية يشكل مفتاحاً مهماً للتعامل مع مرحلة ترمب، فالمملكة حددت موقفها قبل وصول ترمب إلى كرسي البيت الأبيض ومفاده ألا تطبيع مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، واعتقد أن صانع القرار في المملكة أراد استباق سيناريو وصول ترمب إلى الحكم بوضع هذا الخط الأحمر أمامه”.
ويرى الرجوب أن موقف المملكة بثقلها السياسي والاقتصادي إقليمياً ودولياً سيكون له أثر كبير في توجهات الإدارة الأميركية الجديدة إزاء المنطقة وخاصة ملف القضية الفلسطينية.
وقف الحرب
ويشكل وقف الحرب على قطاع غزة الأولية الأولى عند الفلسطينيين في هذه المرحلة.
وكان ترمب أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سيسعى إلى إنهاء الحروب المندلعة في أكثر من مكان في المنطقة والعالم، وهو ما يثير بعض التفاؤل بين الفلسطينيين.
لكن الكثيرين يتساءلون عن الثمن المترتب على إنهاء الحرب، معربين عن شكوك كبيرة بقيام إسرائيل بترتيبات أمنية دائمة في قلب قطاع غزة وعلى حدوده لمواصلة الهجمات العسكرية على القطاع تحت ذريعة منع نشوء قوة عسكرية جديدة تهدد بتكرار هجوم السابع من أكتوبر.
إسرائيل تعد ملفاتها
من جانبها، بدأت إسرائيل بإعداد ملفاتها لعرضها على طاولة ساكن البيت الأبيض الجديد القديم، حتى قبل إجراء الانتخابات.
وتشير التقارير الواردة من تل أبيب إلى أن الاستعدادات لعودة ترمب لا تقتصر على الحكومة، بل تشمل المعارضة وأيضا المجموعات المختلفة مثل لوبي المستوطنين.
ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية أنباء عن اجتماعات عقدها قادة المستوطنين، في الأيام الأخيرة، مع السفير الأميركي السابق في القدس ديفيد فريدمان المقرب من دونالد ترمب، وأنهم طلبوا منه العمل على إقناع ترمب بالسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.
ونشر فريدمان مؤخراً كتاباً يحمل اسم “دولة يهودية واحدة”، وقد اختار مستوطنة “نوفيم” في شمال الضفة الغربية لإقامة حفل إطلاق الكتاب.
ونشرت صحيفة “هآرتس” في عددها الصادر، الخميس، أن 6 من الوزراء شاركوا في الحفل، وهم يسرائيل كاتس، ونير بركات، وإيلي كوهين، وعميحاي شكلي، واوريت ستروك، وجيلا جامليئيل.
وحسب الصحيفة، فقد شرح فريدمان رؤيته للدولة اليهودية التي ستفرض سيادتها على الضفة الغربية، قائلاً: “نحن نأمل أنه ذات يوم، بعون الله، سيكون لإسرائيل سيادة يهودية على كل وطننا التوراتي”.
وسارع قادة المستوطنين للترحيب بعودة ترمب إلى البيت الأبيض آملين أن يعمل على مساعدة إسرائيل في ضم الضفة الغربية. وكتب رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية إسرائيل جانتس، في منشور له على شبكة “إكس”: “هذا زمن السيادة يا ترمب القوي، دولة يهودية واحدة”.
وشارك إسرائيل جانتس في صلاة أقيمت في يوم الانتخابات الأميركية في مستوطنة “شيلو” للدعاء لنجاح ترمب. وأعلن في ختام الصلاة أنه تحدث مع أصدقاء في الحزب الجمهوري حول خطط الضم. وقال: “بعون الله، سننفذها معاً”.
نتنياهو يترقب تشكيل إدارة ترمب
وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو الذي يسعى لاستمرار الحرب على قطاع غزة لأهداف يقول منتقدوه بأنها شخصية وسياسية، يترقب تشكيلة الإدارة الجديدة في محاولة للتأثير على سياسات الرئيس ترمب.
وقالت الكاتبة في صحيفة “إسرائيل اليوم” يوآف ليمور، في مقال نشرته الخميس، إن العلاقة بين نتنياهو وترمب تعتمد بدرجة كبيرة على الأشخاص الذين سيشغلون المواقع الأساسية في إدارته، خاصة وزارتي الخارجية والدفاع ورئيس الطاقم ومستشار الأمن القومي.
وقالت إن نتانياهو يأمل في أن يشغل كل من مايك بومبيو وماركو روبيو القريبين جداً من إسرائيل، بعضاً من هذه المواقع، خاصة في غياب جارد كوشنير، صهر ترمب، الذي كان الأكثر تأثيراً عليه في هذا الملف في ولايته السابقة.
صفقة القرن
وكان ترمب عرض في الولاية الأولى مشروعاً للحل السياسي أطلق عليه اسم “صفقة القرن”. وسمحت الخطة لإسرائيل بضم 30% من مساحة الضفة الغربية الصغيرة أصلاً، والتي تبلغ مساحتها أقل من 6 آلاف كيلو متر مربع، وإقامة دولة فلسطينية على الأجزاء المتبقية.
ورفض الفلسطينيون الخطة، فيما اعتبرها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أساساً صالحاً للحل.
وعارض قادة المستوطنين الخطة المذكورة، مطالبين بضم كامل الضفة الغربية والعودة للاستيطان في قطاع غزة.
ويأمل الفلسطينيون ألا يعيد ترمب طرح هذه الخطة مجدداً، مراهنين على موقف عربي صلب بقيادة المملكة العربية السعودية.
وقال جبريل الرجوب: “المملكة العربية السعودية حددت موقفها من منظور استراتيجي، ويرفض التطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة قبل إقامة الدولة الفلسطينية”.