تتزايد معدلات التضخم في إيران بشكل مضطرد، كلما تصاعدت وتيرة الأزمة العسكرية مع حلفائها وفيها.
وشهد الريال الإيراني انخفاضاً حاداً، منذ أغسطس الماضي، ما ساهم في خلق أزمة تهدد حياة الإيرانيين اليومية ومصداقية القيادة الإيرانية.
ويواجه الرئيس المنتخب حديثاً، مسعود بزشكيان، كما النظام برمته، تحديات هائلة لتحقيق الاستقرار في اقتصاد يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية صعبة.
بينما كان يأمل المرشد الإيراني علي خامنئي من خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إعادة تقديم الجمهورية الإسلامية إلى الغرب، كطرف جاهز لإعادة الحياة إلى الاتفاق النووي 2015.
كما كرر الرئيس مسعود بزشكيان غير مرة أثناء حملته الانتخابية، وعوداً في الإصلاح الاقتصادي وتعزيز الحريات الاجتماعية وإعادة الانخراط مع المجتمع الدولي.
العملة الإيرانية تنهار؟
تراجعت العملة الإيرانية إلى أدنى مستوياتها التاريخية، ووصلت إلى حوالي 705,000 ريال للدولار الأميركي، ما عكس عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد.
هذا الانخفاض الحاد أدّى إلى زيادات كبيرة في أسعار السلع الأساسية، وفاقم معدل التضخم الذي ارتفع إلى ما يقرب من 50٪ في السنوات الأخيرة.
ويشعر الإيرانيون بتأثيرات هذا الانهيار بشدة، حيث يعانون من صعوبة توفير احتياجاتهم الأساسية في ظل ثبات الأجور وارتفاع الأسعار.
ويعكس تراجع الريال نقص ثقة المستثمرين في فرص استقرار السوق، وهو ناجم عن سنوات مما اعتبره الرئيس الإيراني الجديد أثناء حملته الانتخابية “سوء الإدارة الاقتصادية”، هذا فضلاً عن التوترات الجيوسياسية المتعاقبة.
وكذا تأثير العقوبات الأميركية القاسية، فقد تأثرت القطاعات الحيوية مثل النفط والبتروكيماويات، وحُرمت إيران من الإيرادات الأجنبية الأساسية، مما زاد من تعمق الأزمة الاقتصادية.
العقوبات والضغوط السياسية
تعود جذور الأزمة الاقتصادية في إيران إلى التحديات الناجمة عن العقوبات المرتبطة بالجدل حول البرنامج النووي والسياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية.
فالعقوبات المفروضة منذ سنوات طويلة تركت البلاد عاجزة عن الانخراط في الأسواق العالمية بفعالية، ما قلل من قدرتها على تحقيق عائدات من صادرات النفط وغيرها.
ومع استمرار الوضع الراهن، شهد الاقتصاد الإيراني تدهوراً حاداً، اضطر الحكومة للاعتماد على الاحتياطيات المحدودة واتخاذ تدابير مؤقتة لتحقيق الاستقرار في العملة.
هذه الصعوبات الاقتصادية دفعت إلى موجات من الاحتجاجات الشعبية، إذ شهدت البلاد اضطرابات واسعة النطاق نتيجة خفض الدعم للمواد الأساسية مثل الغذاء والوقود.
تزامناً مع ذلك، يتصاعد التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة على نحو لم تشهده إيران والمنطقة منذ ثورة الخميني، التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979.
وتواصل القيادة الإيرانية دعم حلفائها الإقليميين كحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن والجهاد وحماس في فلسطين والحشد الشعبي في العراق، ما أدّى إلى زيادة التوترات، مع إسرائيل.
وقد ساهمت التوترات العسكرية والسياسية بين البلدين في إحداث حالة من القلق لدى المستثمرين، ما زاد من تقلبات الأسواق الإيرانية.
وعود بزشكيان وواقع الحكم
وسط هذا الوضع المتأزم، جاء انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً للبلاد في يوليو 2024، بفضل انتخابات حصل فيها على 16 مليون صوت من أصل 61 مليون صاحب حق اقتراع، ما عزز الضوء الأحمر لدى طهرن، بخصوص رفض جمهور واسع للوضع الاقتصادي ومسبباته.
فيما كان النظام يطمح إلى أن يمنح انتخاب الإيرانيين لمسعود بزشكيان بصيصاً من الأمل في التغيير.
ويُعد الرئيس الجديد على فريق الإصلاحيين وشغل سابقاً منصب وزير الصحة، وركز في حملته الانتخابية على برنامج للإصلاح الاقتصادي، واعداً بإعادة هيكلة الاقتصاد، ومكافحة الفساد، وتحسين مستوى المعيشة.
كما تعهد بإعادة الانخراط مع المجتمع الدولي، ووعد بإعادة إحياء المحادثات حول الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة)، في خطوة تهدف إلى رفع العقوبات التي تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني.
كما استقطب بزشكيان الفئات الشابة الأكثر ليبرالية بوعود بإصلاحات اجتماعية، مثل تخفيف القيود على زي المرأة، وحل شرطة الأخلاق، محاولاً معالجة القضايا الاجتماعية المتفاقمة وتعزيز الحريات الشخصية.
لكن سرعان ما دخلت إيران في مستوى جديد غير مسبوق من التصعيد في المواجهة مع الغرب، فور تسلمه الحكم، إذ جاء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في إيران، يوم تنصيب مسعود بزشكيان، جرس إنذار على ما يبدو لطهران، أنها قد لا تستطيع السير في مصافحة الغرب بيد وتدعم محور حلفائها بيد ثانية.
هذا بينما يحتفظ المرشد الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري بسلطة القرار النهائي على التوجهات السياسية والعسكرية للبلاد. وبينما تنال رسائل بزشكيان رضا فئات إصلاحية، إلّا أن شعاراته تصطدم بالنفوذ الراسخ لأصحاب النفوذ الفعلي الذين يلعبون دوراً قوياً اقتصادياً وسياسياً في إيران كالحرس الثوري الذي يسيطر على نحو 40% من الاستثمارات التي تنافس القطاع الخاص في البلاد.
استياء شعبي ومستقبل غامض
قامت إدارة بزشكيان بمحاولات عاجلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بما في ذلك ضخ عملات أجنبية في السوق لمحاولة استقرار الريال، لكن هذه التدابير المؤقتة لم تنجح إلّا بشكل محدود، حيث لم تعالج جذور المشاكل الهيكلية التي تعاني منها إيران.
وتأتي هذه التدابير وسط توقعات بعجز في الميزانية يبلغ حوالي 11 مليار دولار، مما يبرز حجم الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد.
بالنسبة للكثير من الإيرانيين، فإن التحديات الاقتصادية أصبحت مسألة حياتية مباشرة.
إذ تدهور مستوى الحياة، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر. وفي ظل هذا الوضع، الذي يُنذر بمزيد من التراجع والسوء مع استمرار التصعيد العسكري بين طهران وتل أبيب.
مستقبل مجهول؟
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران، قد يُحدد مستقبل النظام بمدى قدرته على سد الفجوات بين رغبة الجمهور بحياة اقتصادية مزدهرة، ورغبة أركان النظام في الاستمرار في سياسات تعمق الإنفاق وتراجع الاقتصاد.
وفي الوقت الحالي، يُترك الإيرانيون لمواجهة الأوضاع الصعبة، والتشبث بالأمل، وتحمّل الصعوبات الاقتصادية التي أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية في الجمهورية الإسلامية.