أفرجت السلطات الفنلندية، الأحد الماضي، عن الناقلة Eagle S التي تحمل نفطاً روسياً، ويشتبه في تسببها في تعطيل خط الكهرباء البحري Estlink 2 الواصل بين فنلندا وإستونيا في ديسمبر الماضي، وذلك بعد أن فشل حلف شمال الأطلسي “الناتو” في إيجاد دليل ضد روسيا، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وفي منتصف ليل 26 ديسمبر الماضي، نزل فريق من القوات الخاصة الفنلندية من طائرتيْ هليكوبتر على سطح ناقلة نفط روسية متداعية في بحر البلطيق وأمروا طاقم السفينة بالإبحار إلى الميناء، إذ تصرفوا بناء على أوامر من مسؤولين فنلنديين يشتبهون في أن السفينة “إيجل إس” جرّت قبل ساعات مرساها على طول قاع البحر لقطع كابل طاقة حيوي يربط فنلندا وإستونيا.
وقال المسؤولون إن الإجراء الفنلندي “منع السفينة من قطع كابل آخر قريب”، إذ كانت هذه أحدث واقعة تخريب مشتبه بها تتضمن سفناً تحمل شحنات روسية في المنطقة، والمرة الأولى التي تصعد فيها السلطات على متن سفينة مشبوهة أثناء إبحارها.
واستجوب مسؤولو إنفاذ القانون الفنلنديون، الطاقم، وفحصوا السفينة التي يبلغ طولها 750 قدماً، وفحصوا مرساها، لكن المسؤولين الفنلنديين وغيرهم من المسؤولين المطلعين على التحقيق، قالوا إنهم “لم يتمكنوا من الكشف عن أدلة كافية لإصدار أوامر اعتقال أو لكي يوجهون اتهامات تتعلق بارتكاب مخالفات متعمدة”.
لذلك، أُطلق سراح السفينة في الثاني من مارس الجاري، لكن ثلاثة من أفراد الطاقم، ما زالوا قيد التحقيق ويجب أن يبقوا في البلاد، وتم منع أفراد طاقم “إيجل إس” الثمانية من مغادرة فنلندا أثناء التحقيق، وتحول التحقيق إلى التركيز على التأثير البيئي السلبي للسفينة المتداعية المحملة بالنفط الروسي، والتي يستقلها مواطنون من جورجيا وهنود.
ويقول المحققون والمسؤولون المشاركون في التحقيقات، إن “إثبات التخريب أمر صعب ويتطلب أدلة أو شهادات مهمة لدعم النتيجة”، ولإصدار أمر اعتقال أو رفع قضية، يتعين على المدعين العامين تقديم أدلة جوهرية على ارتكاب مخالفات متعمدة.
موقف “الناتو”
ونفى الكرملين، شن هجمات على البنية التحتية الغربية في الماضي، لكن حلف الناتو اتخذ موقفاً عدوانياً جديداً، رداً على مثل هذه الأحداث في بحر البلطيق، موطن عدد قليل من الموانئ التجارية الخالية من الجليد في روسيا، وواحد من أكثر ممرات التجارة ازدحاماً في العالم.
وقالت مصادر للصحيفة، إن إفراج الحكومة الفنلندية عن السفينة، جاء لـ”عدم توصلها إلى أي صلة بين الكابل التالف والكرملين أو أي حكومة أخرى”، موضحين أنه للحفاظ على السفينة حتى الآن، ركز المدعون على جرائم أقل خطورة مثل الانتهاكات البيئية والجمركية.
بدوره، قال جيمس أباتوراي، نائب الأمين العام المساعد لحلف الناتو والمسؤول عن الحرب الهجينة، إن الحلف “سيواصل العمل بقوة لردع الهجمات على البنية التحتية الحيوية”، مضيفاً: “يجب أن يكون قادة وأطقم السفن التي تفكر في أعمال تخريب، على دراية”.
وقال الأدميرال الهولندي المتقاعد روب باور، الذي أكمل مؤخراً فترة ولايته كأعلى مسؤول عسكري في حلف الناتو، إن الكابل الثاني ربما كان من الممكن إنقاذه من الضرر المحتمل بفضل التحرك السريع لخفر السواحل الفنلندي.
وأضاف باور: “سواء كان ذلك بسبب سوء الإدارة البحرية أو الإهمال من جانب هذه السفن، أو ما إذا كان ذلك مخططاً من قبل الروس، فلا ينبغي لنا أن نهتم. إنه إشارة جيدة للروس وغيرهم ليروا أننا نتخذ إجراءات”.
من جانبه، قال نيك تومسون، ضابط شبه عسكري سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، شارك في عمليات بحرية سرية، إن التحقيقات في السفن المدنية التي تبحر تحت أعلام دول ثالثة “تواجه دائماً تحديات دبلوماسية وإدارية وقانونية شديدة”.
وأضاف أن “البعثات مثل عملية بحر البلطيق التابعة لحلف شمال الأطلسي، يجب أن تكون انتقائية بسبب التكاليف المرتفعة ومتطلبات التشغيل، ويجب أن تعتمد بدلاً من ذلك على المزيد من المسيرات تحت الماء وعلى السطح وفي الجو للتحقيق وردع مثل هذه الحوادث”.
ما نتيجة التحقيقات؟
وقالت مصادر مطلعة على التحقيق، الذي لا يزال مستمراً، إنهم استبعدوا تقريباً إمكانية سقوط المرساة عن طريق الخطأ، لافتين إلى أن النظام الذي يمنع المرساة من السقوط عن طريق الخطأ كان يعمل، موضحين أن أحد التفسيرات قد يكون الإهمال الجسيم، دون استبعاد فرضية العمل المتعمد، لكن لا يوجد دليل يدعم ذلك.
وأظهر سجل السفينة أن المرساة كانت مؤمنة، عندما غادرت ميناء “أوست لوجا” الروسي، ولم يُسجل تعطيل النظام أو إسقاط المرساة في منتصف الرحلة، كما وجد التحقيق أن السفينة التي يزيد عمرها عن عقدين من الزمان، كانت في حالة سيئة للغاية وكان الطاقم غير منظم وغير منسق.
وكان القبطان البالغ من العمر 41 عاماً، قد تولى قيادة السفينة لأول مرة قبل أشهر فقط من الحادث، بعد أن خدم كضابط كبير لمدة عقد من الزمان.
وقال القبطان للمحققين إنه وطاقمه “لم يلاحظوا المرساة المتساقطة بسبب الأمواج العالية”، والتي ألقوا باللوم عليها في ذلك الوقت على انخفاض سرعة السفينة، فيما أوضح القبطان إنه رفع المرساة بمجرد أن هدأ الطقس ولاحظ أنها كانت منخفضة.
ووجد المحققون، الذين أجروا نموذجاً حاسوبياً للحادث، أن السفينة كانت تبحر في ظروف جوية مضطربة إلى حد ما وأن السيناريو الذي وصفه القبطان “كان معقولاً”.
وفي نوفمبر الماضي، اشتُبه في أن السفينة الصينية Yi Peng 3 تسحب مرساها لأميال على طول قاع بحر البلطيق، فيما زعمت وكالات الاستخبارات الغربية في ذلك الوقت، أن القبطان كان يتصرف بناءً على أوامر من عملاء روس، بينما كانت السفينة راسية في رصيف روسي في وقت سابق من ذلك الشهر.
وقال أشخاص مطلعون، إن التحقيقات التي أجرتها السلطات الألمانية وغيرها من السلطات الأوروبية، بما في ذلك تفتيش السفينة الذي سمحت بكين بإجرائه فقط بشرط أن يقوده مسؤولون صينيون، لم تسفر عن أدلة تدعم هذا الادعاء.
ولم يثبت المحققون سوى أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وهو أكبر جهاز أمني في روسيا، والذي يدير أيضاً حدود البلاد، احتجز السفينة لمدة يومين بعد تحميلها في أحد موانئ البلطيق الروسية.
وقطعت السفينة كابلين للبيانات في نفس المنطقة، فيما أجبرت البحرية الدنماركية السفينة على التوقف، وأمرت الصين القبطان بالانتظار حتى يصعد المحققون إلى السفينة، التي كانت محملة بالأسمدة الروسية.
في 26 يناير الماضي، احتجزت الشرطة الخاصة السويدية سفينة الشحن البلغارية “فيجن”، التي غادرت ميناء “أوست لوجا” الروسي، وصعدت على متنها بعد إتلاف كابل بحري، في أول نشر لنظام مراقبة البلطيق التابع لحلف “الناتو”، واحتجزت السفينة ثم أطلق سراحها لاحقاً من قبل المدعين السويديين.
ومع تشديد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للعقوبات ضد صادرات الطاقة الروسية، بدأت موسكو في نشر السفن الحربية لمرافقة “أسطول الظل” من الناقلات في بحر البلطيق، بما في ذلك في بعض الأحيان سفن الصواريخ القوية.