بعد مفاوضات وجولات طويلة على مدار أشهر توصلت إسرائيل وحركة “حماس” إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لتتوجه الأنظار إلى خطط وسيناريوهات اليوم التالي للحرب، إذ يتطلع سكان القطاع والمجتمع الدولي إلى الخطوة المقبلة في القطاع المدمر جرّاء حرب استمرت لنحو 15 شهراً، من أجل إرساء السلام في المنطقة.
مؤسسة Research ANd Development (راند – RAND) للأبحاث والتطوير، اقترحت مسارات عدة من أجل إرساء سلام دائم بين إسرائيل وفلسطين، عبر خارطة طريق استراتيجية لحل أحد أطول الصراعات في العالم لأكثر من 75 عاماً، تتمثل في تفكيك حركة “حماس” كهيئة حاكمة في غزة، وإنشاء حكومة تكنوقراطية انتقالية، على أن تتولى الولايات المتحدة دور التنسيق وليس الوساطة، بالإضافة إلى إعادة إعمار غزة، بدعم عربي ودولي.
وتناول التقرير الذي حمل عنوان: “مسارات السلام الإسرائيلي الفلسطيني الدائم”، العوامل التي أعاقت جهود السلام السابقة، إذ اقترح نهجاً متعدد الجوانب، من الممكن أن يمهد الطريق لحل طويل الأمد.
ومؤسسة RAND، هي منظمة أميركية بحثية غير ربحية، وتُعِدّ حلولاً لتحديات السياسات العامة للمساهمة في جعل المجتمعات حول العالم أكثر أماناً وسلامة وازدهاراً.
إزالة الحواجز عن طريق السلام
اعتبر التقرير أن هناك 3 عوائق رئيسية أمام تحقيق السلام، حال تم إزالتها ستسهم في معالجة التحديات المرتبطة بها في تحقيق الاستقرار الدائم.
وأشار إلى أن “العائق الأول” يتمثل في الانقسام الفلسطيني عبر “افتقار الثقة بالقيادة على الجانبين”، فيُنظر إلى السلطة على أنها “ضعيفة وغير فعّالة”، بينما تصر “حماس” على مواصلة استراتيجيتها عبر “المقاومة المسلحة”، وفق التقرير.
وعلى الجانب الإسرائيلي، أدى التحول السياسي إلى التيار المتشددة إلى تآكل الدعم لحل الدولتين.
وذكر التقرير أن “العائق الثاني” يتمثل في “المطالب المتضاربة بشأن السيطرة على الأراضي”، إذ أدت الخلافات بشأن القدس والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والمخاوف الأمنية إلى إعاقة جهود السلام بشكل متكرر.
وقد أدى توسيع المستوطنات، على وجه الخصوص، إلى جعل احتمالات إقامة دولة فلسطينية متجاورة صعبة بشكل متزايد.
ورأى التقرير أن “العائق الثالث” هو “تدويل الصراع”، خاصة أن تورط وانخراط القوى العالمية والإقليمية، التي غالباً ما تكون مصالحها متضاربة، من شأنه أن يعقد المفاوضات.
وفي حين أن الولايات المتحدة طرف رئيسي في هذا الملف، إلا أن قدرتها على التوسط قد تضاءلت، وفي الوقت نفسه، تعمل إيران والجماعات المتحالفة معها، بما في ذلك “حزب الله” اللبناني وجماعة “الحوثي” في اليمن، على تأجيج التوترات.
تحديات تواجه السلام وفق مؤسسة RAND:
- الافتقار إلى شركاء موثوقين للسلام.
- انقسام فلسطيني بين السلطة في الضفة الغربية (التي يُنظَر إليها على أنها فاسدة وغير فعالة) و”حماس” في غزة (الملتزمة بتدمير إسرائيل).
- السياسة الإسرائيلية مستقطبة بشكل عميق، مع التحول نحو سياسات اليمين المتشدد، مما يقلل دعم حل الدولتين.
خارطة طريق نحو السلام الدائم
واعتبرت مؤسسة RAND أنه لا بد من إيجاد استراتيجية لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، مقترحة 5 محاور من أجل بناء إطار سلام مستدام.
ورأى الباحثون أن الحرب الإسرائيلية على غزة، قد توفر فرصة نادرة لإعادة التقييم، وكذلك إعادة صياغة استراتيجيات بناء السلام، عبر مبادرات أمنية، وأخرى للحكم، وغيرها اقتصادية، بالإضافة إلى إعادة بناء البنية الأساسية والاجتماعية في غزة، وكل ذلك يأتي عبر جهات دولية دبلوماسية فاعلة.
ودعا التقرير إلى “تفكيك أو تهميش حماس كهيئة حاكمة في غزة لأنها تعتمد على أيدولوجية لن تسمح بإرساء السلام مع إسرائيل، ونشر قوة أمنية متعددة الجنسيات، بما في ذلك قوات غربية وعربية من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، على أن تتولى قوة أمنية فلسطينية خاضعة للفحص والتحقق مهام الشرطة، في نهاية المطاف من أجل التعامل بشكل مناسب مع الفلسطينيين في القطاع الذين تعرضوا إلى قدر كبير من الدمار والقتل”، وهذا الاقتراح جاء في إطار “التدابير الأمنية”.
مبادرات أمنية:
- تفكيك أو تهميش حكم “حماس” في قطاع غزة.
- نشر قوة أمنية متعددة الجنسيات مؤقتة (تضم قوات غربية وعربية) لتحقيق الاستقرار في القطاع.
- تطوير قوة أمنية فلسطينية مؤهلة وقادرة على ضمان تطبيق القانون والنظام.
- برامج نزع السلاح وإعادة دمج المسلحين.
- حماية عمليات المساعدات الإنسانية.
كما شدد التقرير على ضرورة “إنشاء حكومة فلسطينية انتقالية (تكنوقراط)، تحت إشراف دولي لضمان الحكم الفعّال”، إلى جانب “هياكل حكم محلية لتعزيز المشاركة العامة”.
واعتبر أنه بمرور الوقت، قد تؤدي عملية المصالحة الوطنية بين الضفة الغربية وغزة إلى خارطة طريق تفضي إلى إجراء انتخابات وصياغة دستور فلسطيني جديد، وهذا الاقتراح جاء لتلبية عملية “إصلاح الحكم”.
مبادرات إصلاح الحكم:
- إنشاء حكومة فلسطينية انتقالية تحت إشراف دولي.
- هياكل حكم محلية لتعزيز المشاركة العامة والشرعية.
- المصالحة الوطنية بين الضفة الغربية وغزة.
- خارطة طريق لصياغة دستور فلسطيني مؤقت يؤدي إلى انتخابات وطنية.
ولم يهمل التقرير “التنمية الاقتصادية”، مشيراً إلى أن التعافي الاقتصادي هو حجر الزاوية من أجل تحقيق الاستقرار.
وتشمل التدابير المقترحة في هذا المسار “فتح ممرات تجارية بين قطاع غزة والضفة وإسرائيل، وتنمية موارد الغاز الطبيعي في غزة، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية التي من شأنها أن تخلق فرص العمل، وتحسن الظروف المعيشية”.
مبادرات اقتصادية:
- إعادة بناء اقتصاد غزة من خلال مشاريع البنية التحتية، وخلق فرص العمل.
- تطوير حقول الغاز في غزة لدعم الانتعاش الاقتصادي.
- إنشاء ممرات تجارية بين غزة والضفة وإسرائيل.
- الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية كوسيلة لاستقرار المجتمع.
وتطرق التقرير إلى أهمية “إعادة بناء البنية الأساسية الاجتماعية والمادية”، لا سيما وأن أغلب البنية الأساسية في غزة مدمرة جراء الحرب الإسرائيلية.
وشدد على ضرورة تصميم مخيمات مؤقتة للنازحين، بالإضافة إلى وضع التخطيط الحضري الطويل الأجل في الاعتبار، مع التركيز على الإسكان والرعاية الصحية والتعليم والمرافق.
وأشار إلى ضرورة إعادة بناء شاملة للمساكن والمستشفيات وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه والصرف الصحي، إلى جانب استثمار دولي كبير في الخدمات الاجتماعية لاستعادة الوضع الطبيعي.
إعادة بناء البنية التحتية في غزة:
- إعادة بناء المساكن والمستشفيات وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه والصرف الصحي.
- التخطيط الحضري من أجل الانتقال من المخيمات إلى مجتمعات عمرانية مستقرة.
- استثمار دولي كبير في الخدمات الاجتماعية لاستعادة الوضع الطبيعي.
“تنسيق أميركي.. مسار صعب ولكن ضروري”
وأشار التقرير إلى أنه ينبغي على “الولايات المتحدة أن تعمل كمنسق، وليس وسيطاً مباشراً”، في حين يقدم الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والدول العربية الدعم المالي والدبلوماسي، وذلك في إطار “المشاركة الدولية”.
كما دعا إلى النظر إلى الصين باعتبارها عاملاً مساعداً محتملاً للاستقرار الاقتصادي، مطالباً بردع إيران وروسيا عن لعب دور يساهم في إحباط جهود السلام.
وأقر التقرير بأن الإطار المقترح للسلام، سيواجه عقبات سياسية ولوجستية كبيرة، مؤكداً على أن الفشل في اتخاذ خطوات جريئة نحو السلام، يؤدي إلى دائرة عنف، وتأجيج عدم الاستقرار في المنطقة.
وخلص الباحثون إلى أنه “إذا كان من المقرر أن يكون هناك سلام دائم، فسوف يتطلب ذلك زعامة قوية، وإطار أمني موثوق، والتزام دولي مستدام”.
وفي حين يتصارع المجتمع الدولي مع كيفية الاستجابة لتطورات الأوضاع، فإن تقرير RAND قدم ما يسميه “مساراً” بدلاً من “ضمانة”، وهو ما قد يؤدي في حال تم اتباعه إلى كسر الجمود الذي دام لعقود، ويساهم في إنشاء “الأساس لدولة فلسطينية مستقبلية إلى جانب إسرائيل”.
جهات فاعلة دولياً ودبلوماسياً:
- تتحول واشنطن من الوساطة إلى تنسيق جهود السلام المتعددة الأطراف.
- دعم أوروبي وبريطاني وعربي مالي ودبلوماسي.
- إشراك الصين كجهة فاعلة مستقرة في إعادة البناء الاقتصادي.
- ردع إيران وروسيا عن تعطيل المفاوضات.
- إنشاء إطار أمني إقليمي لدعم الاستقرار على المدى الطويل.
حلول من صراعات سابقة
واستمد التقرير الرؤى من اتفاقيات السلام السابقة وحل النزاعات، بما في ذلك “معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وقعت عام 1979″، و”عملية السلام في إيرلندا الشمالية”، بالإضافة إلى “التدخلات الدولية في كوسوفو وتيمور الشرقية”.
وسلط التقرير الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه “القيادة القوية، والمشاركة الدولية المستدامة، وضمانات الأمن في تحقيق السلام”.
دروس من صراعات أخرى:
- السلام بين مصر وإسرائيل: أثبت أن القيادة الجريئة (مثل الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيجن) والوساطة الأميركية يمكن أن تنتج اتفاقات دائمة.
- عملية السلام في إيرلندا الشمالية: أظهرت أهمية المشاركة الدولية المستدامة والالتزام السياسي بالمصالحة.
- تيمور الشرقية وكوسوفو: دور الضغوط الدولية والضمانات الأمنية في استقرار المناطق التي خرجت من الصراع.