تواجه مبادرة النائب الجمهوري آندي أوجلز لتعديل الدستور الأميركي، بهدف السماح للرئيس دونالد ترمب (أو أي رئيس آخر مستقبلاً) بتولي فترة ولاية ثالثة، تحديات كبيرة في ظل التوازن السياسي الحالي في الكونجرس الأميركي والهيئات التشريعية.
وتقدّم أوجلز، وهو نائب عن ولاية تينيسي، بمشروع تعديل للمادة الثانية والعشرين للدستور، التي تنص حالياً على أنه “لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين”.
وينص التعديل على أنه “لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من ثلاث مرات، ولا يجوز انتخابه لأي فترة إضافية بعد انتخابه لفترتي ولاية متتاليتين”.
وأوضح أوجلز في بيان له أن هذا التعديل “سيسمح للرئيس ترمب بالخدمة لفترة ثالثة، مما يضمن الحفاظ على القيادة الجريئة التي تحتاجها أمتنا”.
واعتبر النائب الجمهوري أن ترمب “أثبت أنه الشخصية الوحيدة في التاريخ الحديث القادرة على عكس تدهور أمتنا واستعادة عظمتها، ويجب منحه الوقت اللازم لتحقيق هذا الهدف”.
لماذا تعديل الدستور؟
وبحسب مجلة “نيويوزويك”، فإن التعديل ينص على منع الرئيس من الترشح لولاية ثالثة إذا تم انتخابه لفترتين متتاليتين، مما يمنع أي من الرؤساء السابقين بيل كلينتون أو جورج دبليو بوش أو باراك أوباما من الترشح لولاية ثالثة إذا حدث التعديل.
وبدلك بفيد النص بشكل حصري إما ترمب، الذي يقضي فترة ولايته الثانية من فترتين غير متتاليتين، أو نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي يحتل المرتبة الأولى في خط الخلافة الرئاسية.
وجاءت خطوة أوجلز بعد ثلاثة أيام من أداء ترمب اليمين الدستورية كرئيس.
ويأتي القرار أيضاً بعد شهرين من تقديم النائب دان جولدمان، وهو ديمقراطي من نيويورك، لقرار في مجلس النواب “يؤكد أن التعديل الثاني والعشرين يجب أن ينطبق على جميع الرؤساء”، بما في ذلك ترمب البالغ من العمر 78 عاماً. وأوضح جولدمان أن الهدف هو التأكيد على مبدأ التناوب.
وفي عدة مناسبات أعرب ترمب عن عدم معارضته لفكرة تولي المنصب لفترة ثالثة، وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قال للجمهوريين في مجلس النواب: “أظن أنني لن أترشح مرة أخرى، ما لم تقولوا، إنه جيد جداً، لدرجة أننا يجب أن نفكر في شيء آخر”.
لكن ترمب قال في وقت سابق لمجلة “تايم”، إنه لن يؤيد تغيير التعديل، قائلاً إنه “لن يؤيد التحدي. لن أؤيده على الإطلاق”.
كما توقع الصحفي السابق في قناة “فوكس نيوز”، جيرالدو ريفيرا، الذي كان صديقاً لترمب لعقود من الزمان في نيويورك، في ديسمبر الماضي، أن ترمب وحلفائه سيحولون انتباههم قريباً إلى التعديل الثاني والعشرين.
وكتب ريفيرا على منصة “إكس”: “سيبدأ الرئيس ترمب وشركاؤه قريباً في الحديث عن إلغاء/تعديل التعديل الثاني والعشرين، الذي يحد من مدة الرئاسة بفترتين مدتهما أربع سنوات”.
روزفلت يكسر التقليد الأميركي
تاريخياً، بدأ تقليد الرئاسة لفترتين في الولايات المتحدة مع أول رئيس للبلاد، جورج واشنطن، الذي اختار طواعية عدم الترشح لفترة ثالثة بعد انتهاء فترته الثانية عام 1797.
كان هذا القرار مثالاً قوياً على الالتزام بالديمقراطية وتجنب الاستبداد، إذ يجب على ولاية الرئيس أن تكون محدودة ومتناوبة.
وعزز توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة، هذا التقليد بمدحه لفكرة الفترتين، معتبراً أنها “ضمانة ضد تركز السلطة في يد شخص واحد لفترة طويلة”.
وظل هذا التقليد الأميركي غير المكتوب قائماً لأكثر من 140 عاماً، حتى قرر الرئيس، فرانكلين ديلانو روزفلت، كسره في فترة استثنائية من التاريخ الأميركي، خلال الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية، ترشح روزفلت وأعيد انتخابه أربع مرات (1933-1945). لكنه توفي بعد 83 يوماً من بداية فترته الرابعة في عام 1945.
وأدى خرق روزفلت للتقليد إلى جدل واسع بشأن طول مدة بقاء الرئيس في المنصب، مما دفع الكونجرس إلى تمرير التعديل الثاني والعشرين في عام 1947، والذي أصبح قانوناً بعد التصديق عليه في عام 1951. بهذا، أصبح التقليد الذي بدأه واشنطن قانوناً دستورياً، مؤكداً التزام الولايات المتحدة بمبدأ تداول السلطة وفصلها عن أي شخص مهما كانت الظروف.
عقبات أمام تعديل الدستور
وبالنظر للدستور والتقليد التاريخي الراسخ في السياسة الأميركية، تواجه مبادرة أوجلز الطموحة، عقبة ليست بالهينة في ظل النظام الحالي لتعديل الدستور الأميركي، وفي الحقيقة هي ليست عقبة واحدة وإنما عقبات متعددة؛ بما فيها الحصول على موافقة أغلبية الثلثين في الكونجرس، إذ يتطلب تعديل الدستور موافقة أغلبية الثلثين في مجلس النواب (290 من أصل 435 عضواً) ومجلس الشيوخ (67 من أصل 100 عضو).
ويأتي مطلب تعديل الدستور في وقت يسيطر فيه الجمهوريون حالياً على أغلبية ضئيلة جداً في المجلسين (218 مقعداً في مجلس النواب و53 مقعداً في مجلس الشيوخ).
ولتحقيق أغلبية الثلثين، سيحتاج الجمهوريون إلى دعم 72 ديمقراطياً في مجلس النواب و14 ديمقراطياً في مجلس الشيوخ، وهو أمر غير مرجح في ظل الاستقطاب الحزبي.
بعد موافقة الكونجرس، يجب أن يصادق على التعديل ثلاثة أرباع الهيئات التشريعية في الولايات الأميركية (38 من أصل 50 ولاية).
وحالياً، يسيطر الجمهوريون على 28 هيئة تشريعية فقط، مما يعني الحاجة إلى دعم 10 ولايات ذات أغلبية ديمقراطية أو مختلطة، وهو احتمال ضعيف للغاية.
أما التحدي الثالث، فهو مرتبط بزمن التعديل، وهو حاجز يقف أمام طموحات أنصار ترمب، إذ تستغرق هذه العملية عادة سنوات طويلة للتصديق عليها، ما يجعل تحقيق هذا الهدف بسرعة أمراً غير واقعي، خاصة في ظل المناخ السياسي المشحون.
طرق أخرى للبقاء في السلطة
وتعديل الدستور ليس الطريقة الوحيدة التي قد يظل بها ترمب في السلطة بعد انتهاء ولايته الحالية.
وكتب فيليب كلينكنر، أستاذ الحكومة في كلية هاملتون، في مقال نُشر مؤخراً في The Conversation: “على الرغم من أن التعديل الثاني والعشرين يحظر على ترمب انتخابه رئيساً مرة أخرى، إلا أنه لا يمنعه من العمل كرئيس بعد 20 يناير 2029”.
وقال كلينكر: “السبب في ذلك هو أن التعديل الثاني والعشرين يحظر فقط على أي شخص أن يُنتخب أكثر من مرتين، ولا يقول شيئاً عن أن يصبح شخص ما رئيساً بطريقة أخرى غير انتخابه لهذا المنصب”.
واعتبر المحلل الأميركي، أن أحد السيناريوهات الافتراضية سيكون ترشح ترمب لمنصب نائب الرئيس في عام 2028، وأن يترشح نائب الرئيس جي دي فانس على رأس القائمة، لمنصب الرئيس.
وقال: “إذا انتُخب، يمكن لفانس أن يستقيل، مما يجعل ترمب رئيساً مرة أخرى، ولكن لن يضطر فانس حتى إلى الاستقالة حتى يتمكن نائب الرئيس ترمب من ممارسة سلطة الرئاسة”.
ينص التعديل الخامس والعشرون للدستور على أنه إذا أعلن الرئيس أنه “غير قادر على أداء صلاحيات وواجبات المنصب.. يجب أن يقوم نائب الرئيس بأداء هذه الصلاحيات والواجبات بصفته رئيساً بالإنابة”.
سيناريو آخر تخيله كلينكر، هو أن يشجع ترمب أحد أفراد أسرته على الترشح للبيت الأبيض والفوز به. بمجرد انتخابه، لن يخدم أكثر من مجرد رئيس صوري، بينما يتخذ ترمب القرارات الرئيسية.