أثار قرار “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، إعادة سكان مخيم الهول، الواقع على بُعد 40 كيلومتراً شرق الحسكة على الحدود السورية العراقية، إلى مدنهم، ردود فعل متباينة بين مرحب بالقرار، ورافض له، إذ يرى المتمسكون بالبقاء أن المخيم يوفر لهم إقامة مجانية مع إمدادات غذائية وإنسانية، وهو أمر يقولون إنه غير متوفر في مناطقهم المدمرة.
وقالت مديرة مخيم الهول، جيهان حنان، إن السلطات التي تدير المخيم مترامي الأطراف للسجناء المرتبطين بتنظيم “داعش” في شمال شرق سوريا تستعد لأولى رحلات عودة على الإطلاق للمعتقلين إلى المناطق السورية، وهي الخطوة التي أصبحت ممكنة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وذكرت أن “الاستعدادات جارية للعودة الطوعية التي تشمل 66 عائلة إذ يمثل النساء والأطفال الغالبية العظمى من النزلاء”، مشيرةً إلى “هناك نحو 16 ألف سوري من بين المقيمين حالياً في المخيم”، وفق “رويترز”.
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان “الإدارة الذاتية”، الخميس، في بيان، “السماح للنازحين السوريين في مخيم الهول بريف الحسكة بالعودة الطوعية إلى مناطقهم”، مشيرة إلى أنها “ستقدم جميع التسهيلات مع تأمين رحلات مجانية للعوائل الراغبة في العودة”.
وأضافت: “مع سقوط نظام الأسد، لم يعد هناك داعٍ للخوف أو للبقاء في المخيم”، لافتة إلى أنها “اتخذت هذا القرار منذ عام 2020، إلّا أن العوائل المقيمة في المخيم كانت تخشى العودة إلى ديارها بسبب وجود نظام الأسد”.
وتدير “الإدارة الذاتية”، وهي تجمع من أحزاب كردية وشخصيات عشائرية، محافظة الحسكة وأجزاء واسعة من ريفي الرقة ودير الزور بالإضافة إلى ناحيتي عين العرب وصرين بريف حلب، وهي تشكل جميعها نحو ثلث مساحة سوريا.
كما أن “الإدارة الذاتية” تُعد الذراع الإداري لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي شكلتها “وحدات حماية الشعب” الكردية بدعم أميركي لمحاربة تنظيم “داعش” في عام 2015 خلال ذروة تمدده العسكري بسوريا والعراق.
وأُسس مخيم الهول في عام 2014 لاستقبال العوائل العراقية الفارة من هجمات “داعش” في محافظتي الموصل والأنبار، قبل أن يتم استقبال العوائل الفارة من مدن الرقة ومنبج وأرياف دير الزور إبان المعارك بين “داعش” و”قسد”، بالإضافة لعوائل أخرى من مختلف المحافظات السورية بعد أن فروا من مناطقهم خشية الملاحقة من التنظيم أو النظام السوري السابق، أو ممن دمرت منازلهم ولم يتبق لديهم أي مأوى.
وبلغ عدد سكان المخيم ذروته في عام 2019 بعد إعلان قوات التحالف الدولي و”قسد” القضاء على آخر معاقل “داعش” في بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، ووصل العدد حينها إلى أكثر من 70 ألفاً بينهم أكثر من 30 ألف عراقي.
وبدأت أعداد المخيم بالانخفاض التدريجي مع بدء عدد من الدول العربية والأجنبية سحب رعاياها منه، بعد منتصف عام 2021، بالإضافة إلى تسيير رحلات شبه منتظمة للعوائل السورية والعراقية الراغبة بمغادرة المخيم.
مخاوف من عدم الاندماج
وعلى الرغم من الجدل الذي ثار بين الأوساط السياسية والاجتماعية في العراق بمخاطر إعادة هذه العوائل، وصعوبة دمجها من جديد في المجتمع العراقي، إلّا أن الحكومة في بغداد واظبت على نقل دفعات متعددة من هذه العوائل، مع نقلهم إلى “مخيم الجدعة” قرب مدينة الموصل، وإخضاعهم لبرامج تأهيل خاصة قبل إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية بعد ضمانات أمنية.
وأشار مراقبون، إلى أن “الإدارة الذاتية” تواجه صعوبة في تقسيم العوائل السورية والعراقية بين عوائل مدنية أو متهمة بالانتماء لـ”داعش”، وذلك بسبب أعدادهم الكبيرة، وتأكيد الغالبية أنهم فروا من بطش التنظيم، مع تأكيد إدارة المخيم أن الأغلبية تلقى برامج خاصة بإعادة التأهيل والاندماج مع المجتمع، بهدف حثّهم على تعديل سلوكهم.
أما منظمات الأمم المتحدة الناشطة في المخيم، فتعتبر كافة العوائل العراقية والسورية القاطنة في المخيم مهجرين قسرياً من مناطق سكنهم الأصلية، وتتعامل فقط مع قسم “المهاجرات” على أنهم عوائل تنظيم “داعش”، وتواجه صعوبة في التعامل معهم.
قرار العودة.. أسباب أخرى
وتقول “الإدارة الذاتية”، إن السبب الرئيسي وراء السماح بعودة سكان مخيم الهول إلى مناطقهم، هو انتهاء مبررات قاطنيه بالخشية من ملاحقة نظام الأسد لهم، لكن لا يبدو أن هذا السبب هو الوحيد، في ظل تأكيدات عن وجود ضغوط تركية وسورية مشتركة على “قسد” عبر كل من الولايات المتحدة وفرنسا الوسيطين في المفاوضات بين الطرفين، لتسليم هذا الملف للإدارة السورية الجديدة.
يأتي ذلك بعد تصريحات تركية سابقة، بشأن استعداد أنقرة مستعدة لمساعدة الإدارة الجديدة في تأمين المخيمات والسجون التي تضم عناصر من “داعش” في شمال شرق سوريا.
واعتبر مسؤول شؤون النازحين واللاجئين في “الإدارة الذاتية”، شيخموس أحمد، في حديثه لـ”الشرق”، أن “الهواجس الأمنية للسوريين القاطنين في مخيم الهول تبددت أغلبها بعد سقوط نظام بشار الأسد، ما دفعنا لاتخاذ قرار بالسماح لجميع الراغبين بالعودة إلى مناطقهم من السوريين بالعودة إليها”.
ولفت إلى أن “الإدارة الذاتية ستفتح باب التسجيل لكل العوائل والأشخاص الراغبين بالعودة لتنظيم أسمائهم بجداول، وتأمين وسائل النقل المناسبة لنقلهم إلى مناطق سكنهم بأمان”.
ودعا أحمد، المنظمات الدولية والأمم المتحدة لـ”مساعدة الإدارة الذاتية في إفراغ بقية المخيمات من قاطنيها من السوريين في كل من مخيمات العريشة وتوينة والطلائع ومخيمات الرقة ودير الزور”، لافتاً إلى ضرورة “ضغط المنظمات لإعادة كافة المهجرين في هذه المخيمات إلى مناطقهم الأصلية”.
ويبدو أن “قسد” أرادت من خلال هذا القرار، إبداء حسن نوايا للوسطاء على الأقل، والتأكيد على أنها تعمل على معالجة ملف المخيم، عبر السعي للتقليل من الأفراد القاطنين داخله، وتقديم تسهيلات للمهجرين للعودة إلى منازلهم.
كما أنها تريد استغلال هذا الملف للضغط على الإدارة السورية الجديدة والمنظمات الدولية لتفكيك المخيمات التي تضم عوائل كردية، والسعي لإعادتهم إلى مناطقهم التي خرجوا منها نتيجة سيطرة فصائل مسلحة على ريفي الحسكة والرقة ومدن عفرين وعين العرب “كوباني” ورأس العين وتل أبيض في عامي 2018 و2019.
بالإضافة إلى ذلك، تتهم وسائل إعلام محسوبة على الإدارة الجديدة، “قسد”، بالسعي لإعادة وضع مخيم الهول تحت الضوء، والإشارة إلى مخاطر فقدان السيطرة عليه في حال شنت تركيا هجمات واسعة على مناطق سيطرتها شمال شرق البلاد.
تفكيك مخيم الهول
ويفتح قرار “الإدارة الذاتية” الباب لإمكانية تفكيك مخيم الهول، والذي يطلق عليه محلياً اسم “مدينة الخيام”، نظراً لكثافة الخيام والسكان فيه، كما أنه يساعد في تحفيز كافة الدول التي تملك رعايا في المخيم من عوائل “داعش” لسحب رعاياهم، والمساعدة بتفكيك المخيم بشكل تدريجي.
وقضت العديد من العوائل السورية والعراقية نحو 10 سنوات داخل مخيم الهول، ونجح العديد منهم في تأمين فرصة عمل، سواء في السوق العام بوسط المخيم، أو بالجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية والتي يعمل بها مئات العاملين والمتطوعين داخل المخيم، لتقديم خدمات التعليم والصحة والدعم النفسي والصحة الإنجابية، ومكافحة العنف.
ويقول “أبو هاني”، سوري مقيم في المخيم، وينحدر من دير الزور، إنه “لا يفكر في العودة إلى حيه في مدينة دير الزور بسبب الدمار الذي حل بمنزله في المدينة، وعدم وجود فرص عمل حقيقية تساعده في تأمين دخل لعائلته المؤمن حالياً من خلال العمل كحارس في إحدى الجمعيات الخيرية”.
ويشير إلى “حصول سكان المخيم على مساعدات غذائية وصحية شهرية ومنتظمة”، معتبراً أن “إمكانية ترميم منزله المدمر تفوق قدراته، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية بالبلاد”.
يوافقه في الرأي، إبراهيم العبد الله، عراقي الجنسية، إذ يرى أن “الناس اعتادت على نمط الحياة في المخيم، مع عدم توافر الظروف الاقتصادية الصحيحة بالعراق للقدرة على إعادة بناء منازلهم، وتوفير فرص عمل بدخل شهري جيد”.
وأشار إلى أن “الإجراءات الأمنية الصارمة المتخذة في مخيم الهول، تدفع العديد من العوائل إلى التفكير بالبقاء فيه حتى آخر لحظة، بسبب توفر مختلف مقومات الحياة فيه”.
أقسام المخيم
فيما يقول “أحمد” المنحدر من مدينة البوكمال السورية، لـ”الشرق”، إنه “سيحاول التوجه إلى مدينته في القافلة الأولى التي يتم تنظيمها للعوائل الراغبة بالعودة بعد صدور قرار السماح لجميع السوريين بمغادرة المخيم”، مبيناً أنه “حُرِم من مدينته طيلة السنوات الثمانية الماضية بعد سيطرة الميليشيات الإيرانية عليها منذ عام 2017”.
ولفت إلى أن “هناك نظرة تجاه قاطني المخيم بأن جميعهم من عوائل داعش”، مضيفاً أن “الكل مهجر قسراً من منطقته، وعوائل داعش معزولون في قسم خاص بهم، ويقل عددهم عن ربع سكان المخيم”.
وينقسم مخيم الهول إلى 8 أقسام تقطنها عوائل سورية وعراقية، إضافة إلى قسم معزول مخصص لعوائل تنظيم “داعش” من مختلف الجنسيات.
ويقطن الأقسام (الأول والثاني والثالث والسابع) عوائل عراقية، فيما يقطن الأقسام (الرابع والخامس والسادس والثامن) عوائل سورية، أما قسم “المهاجرات” فتم عزله وتخصيص حراسة مشددة عليه، بهدف منعهم من الفرار إلى خارج المخيم.
وتنحدر هذه العوائل الموجودة في “قسم المهاجرات” من جنسيات متعددة من بينها عوائل من جنسيات آسيوية وأوروبية وعربية.
وذكر مصدر من إدارة مخيم الهول لـ”الشرق”، أن “العدد الكامل لقاطني الهول يبلغ الآن نحو 39 ألف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، بينهم أكثر من 15 ألف سوري، و17 ألف عراقي، و6 آلاف آخرين من أكثر من 50 جنسية عربية وأجنبية”، لافتاً إلى “وجود أقل من ألف عائلة أجنبية في مخيم روج بمدينة المالكية على الحدود مع العراق”.
“سجون داعش”.. ملف معطل
وعلى الرغم من أن دولاً عدّة، أجلت بعض رعاياها من مخيم الهول مثل (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، كازاخستان، جنوب إفريقيا، العراق والسودان)، إلاّ أنها امتنعت عن سحب مواطنيها من عناصر “داعش” المحتجزين في سجون “قسد” في شمال شرق سوريا.
وتحتجز “قسد” العناصر السابقة من “داعش” في 18 سجناً بمحافظتي الحسكة والرقة، ويبلغ عددهم أكثر من 12 ألف معتقل غالبيتهم من العراقيين والسوريين، مع وجود أكثر من 2500 عنصر أجنبي من 54 دولة.
وأعلنت “قسد” قبل نحو عامين، تأسيس محكمة محلية لمحاكمة عناصر “داعش” من المحليين والأجانب، ودعت الأمم المتحدة إلى المشاركة في جلساتها، إلّا أن هذه المحكمة لم تعقد أي جلسة، وسط تقديرات بضغوط أميركية لتجميد عملها آنذاك، بسبب عدم وجود أي شرعية محلية أو دولية لـ”الإدارة الذاتية”.
وتجري حالياً مفاوضات بين كل من “قسد” والإدارة السورية الجديدة، للاتفاق على آلية لإدارة هذه السجون لكونها تشكل خطراً أمنياً على البلاد والإقليم، وسط تقاير عن رفض “قسد” تسليم هذا الملف للإدارة الجديدة، إلّا بعد إنجاز اتفاق عسكري وإداري وسياسي شامل، يضمن حقوق الأكراد في الدستور السوري المزمع كتابته في الأشهر القادمة.