أفاد مسؤولون أميركيون، حاليون وسابقون، بأن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية سرية مع الإدارة الجديدة في سوريا “في لقاءات مباشرة”، حول تهديدات محتملة لتنظيم “داعش”.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست”، الجمعة، عن المسؤولين قولهم إن الاستخبارات الأميركية ساعدت في “إحباط مؤامرة من تنظيم داعش، لمهاجمة مزار ديني في ضواحي دمشق، في وقت سابق من هذا الشهر”.
وكانت الوكالة السورية للأنباء “سانا”، أعلنت في 11 يناير الجاري، أن جهاز المخابرات السورية أحبط محاولة من تنظيم “داعش” لاستهداف مقام السيدة زينب، في محيط العاصمة دمشق.
وأعلنت وزارة الداخلية السورية اعتقال المتورطين في المحاولة.
وقال مسؤولون أميركيون، حاليون وسابقون، إن “هذا الهجوم تم تجنبه بفضل التحذيرات التي قدمتها وكالات الاستخبارات الأميركية”.
“تنمية العلاقات”
ويعكس تواصل المسؤولين الأميركيين مع الإدارة السورية الجديدة، قلق الولايات المتحدة المتزايد من احتمال عودة “داعش” إلى الظهور.
وقال مسؤولون أميركيون إن “تبادل المعلومات الاستخباراتية مدفوع بمصلحة متبادلة في منع عودة داعش، ولا يعكس قبولاً كاملاً لهيئة تحرير الشام” التي تقود الإدارة الجديدة، وأضافوا أن الهيئة “لا تزال مصنفة منظمة إرهابية”.
وذكر مسؤول أميركي سابق أن “هذا هو الشيء الصحيح والحكيم والمناسب، نظراً لوجود معلومات موثوقة ومحددة (حول تهديدات داعش)، إلى جانب جهودنا الرامية لتنمية العلاقات مع هؤلاء الأشخاص”.
وفي الأيام التي أعقبت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، بدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في التعامل بحذر مع الإدارة الجديدة، بينما من غير الواضح ما هي السياسة التي سيتبعها الرئيس الحالي دونالد ترمب.
لكن ترمب أشار إلى رغبته في البقاء بعيداً عن شؤون سوريا، إذ قال بداية ديسمبر الماضي، بينما كانت فصائل المعارضة المسلحة تتقدم نحو دمشق، إن “هذه ليست معركتنا”.
“لقاءات مباشرة”
وقال المسؤولون إن تبادل المعلومات الاستخباراتية، والذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل، حدث في “لقاءات مباشرة بين مسؤولي الاستخبارات الأميركية وممثلي هيئة تحرير الشام”، و”ليس عبر أطراف ثالثة”، مضيفاً أن تبادل المعلومات بين الجانبين “شمل دولة ثالثة”.
وذكر مسؤول سابق أن ذلك حدث بعد أسبوعين تقريباً من سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر.
وقال المسؤول السابق: “نحن نتشارك المعلومات الاستخباراتية مع الروس، ومع الإيرانيين عندما تكون لدينا تهديدات معينة وفي بعض الحالات، إنه واجب التحذير”.
وأضاف: “كان ذلك نتيجة للجهود المبذولة لتطوير وتنمية العلاقة مع هيئة تحرير الشام، لكنه لم يكن استثنائياً بهذا المعنى، حتى عندما لا تتوافق مصالحنا تماماً، فإننا نتحمل المسؤولية في بعض الحالات لمشاركة المعلومات الاستخباراتية”.
بموجب سياسة طويلة الأمد تُعرف باسم “واجب التحذير”، فإن وكالات الاستخبارات الأميركية ملزمة بتنبيه الضحايا المستهدفين، سواء الأميركيين أو الأجانب، إذا علموا بهجوم عنيف وشيك، أو قتل متعمد، أو اختطاف مخطط له.
لكن هناك بعض الاستثناءات، بما في ذلك عندما قد يؤدي تبادل المعلومات إلى تعريض مصادر الاستخبارات الأميركية للخطر.
وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة حذرت روسيا العام الماضي من هجوم على حفل موسيقي في ضواحي موسكو، كما نبهت إيران إلى هجوم “داعش” بتفجير خلال ذكرى اغتيال قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري قاسم سليماني.
وأضاف المسؤولون أنه “في كلتا الحالتين تم تجاهل التحذيرات، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين”.
وصنّفت الولايات المتحدة “هيئة تحرير الشام” كـ”جماعة إرهابية” في عام 2018، وفي الأيام الأخيرة من إدارة بايدن، قرر المسؤولون الحفاظ على هذا التصنيف، وترك القرارات بشأن التعاملات الأميركية المستقبلية مع الإدارة السورية الجديدة لترمب.
وفي الوقت نفسه، خفف بايدن العقوبات الأميركية على سوريا، مما سمح للمنظمات الإنسانية بالعمل في البلاد والسماح ببيع مواد الطاقة.
وقبل نهاية العام الماضي، سافر وفد أميركي بقيادة باربرا ليف، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، إلى دمشق حيث التقت مع قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع. وأعلنت ليف أن واشنطن ألغت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للإبلاغ عن الشرع.
وقال المسؤولون إن “قناة تبادل المعلومات الاستخباراتية، كانت منفصلة عن اللقاء الدبلوماسي في دمشق”.
وذكرت “واشنطن بوست” أنه من غير الواضح ما إذا كانت هناك أي اتصالات استخباراتية أو دبلوماسية مع المسؤولين السوريين، منذ تولى ترمب منصبه، الاثنين.
“وعود المسؤولين السوريين”
وحثّ المسؤولون الأميركيون قادة سوريا الجدد على توخي اليقظة من عودة “داعش”، وفقاً لمسؤول أميركي كبير سابق.
وأعرب المسؤولون السابقون عن تفاؤلهم بوعود المسؤولين السوريين الجدد بـ”الانفصال عن ماضي الهيئة المتشدد”، وأيضاً عزمهم “محاربة داعش”، ولكنهم في الوقت نفسه عبروا عن قلقهم بشأن قرار ضم مقاتلين أجانب إلى وزارة الدفاع.
ويحذر المسؤولون الأميركيون من أن لتنظيم “داعش” قوة متبقية في صحراء سوريا الجنوبية، على الرغم من أنها الآن أكثر ضعفاً مقارنة بالسابق.
وفي الأسابيع التي تلت الإطاحة بنظام الأسد، نفذ الجيش الأميركي غارات جوية على مواقع لـ”داعش” في سوريا.
وينتشر نحو 2000 جندي أميركي في شرق سوريا، حيث يشتركون مع “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية في مهمة تهدف إلى منع عودة “داعش”.
ولا يزال مستقبل هذا الوجود موضع شك، حيث تعرب الإدارة السورية الجديدة عن رغبتها في خروج كافة القوات الأجنبية، فيما يبدأ ترمب ولاية جديدة، بعدما حاول سحب القوات الأميركية من سوريا خلال ولايته الأولى.
وكرر مستشار الأمن القومي مايكل والتز، ضابط القوات الخاصة المتقاعد، هدف ترمب المتمثل في الحد من المشاركة العسكرية في الخارج، لكنه قال أيضاً إن الولايات المتحدة يجب أن تمنع عودة “داعش”.