شهدت الأحداث التي تلت أكتوبر 2023 تحولاً جذرياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، خاصة في الضفة الغربيةالمحتلة، التي صعدت إسرائيل من مساعي تقسيمها، وخلق حقائق غير قابلة للتغيير على الأرض، تكرس لسيطرتها، وتعرقل أي تسوية سياسية مستقبلية.
وفي دراسة موسعة نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان “السيطرة الإسرائيلية المتصاعدة على الضفة الغربية بعد أكتوبر 2023″، يرى أستاذ الدراسات الدولية بجامعة بيرزيت، د. غسان الخطيب، أن الحرب المستمرة، وفّرت لإسرائيل فرصة غير مسبوقة لتصعيد سياساتها في الأراضي المحتلة، مما يعيد تشكيل مستقبل الضفة الغربية بطرق غير مسبوقة.
تصاعد السيطرة الإسرائيلية
وتشير إجراءات إسرائيل في الضفة الغربية، بما في ذلك القيود على الحركة، وتوسيع المستوطنات، والعقوبات الاقتصادية، إلى تركيز استراتيجي على ترسيخ السيطرة على الأرض. فقد أدى الارتفاع الحاد في عدد الحواجز، كما وثّقت الأمم المتحدة، إلى تعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين، مما يشير إلى تصاعد المساعي لتفتيت الضفة الغربية بما فيها القدس، بما يخدم استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تكريس السيطرة بدرجة مختلفة عن السابق.
وترى الدراسة أن هذه السياسة تعكس هدف إسرائيل طويل الأمد بـ”التقسيم والسيطرة”، مما يجعل أي تسوية سياسية مستقبلية أكثر صعوبة.
ويعكس تصاعد النشاط الاستيطاني هذا المسار بوضوح أكبر. فقد احتفت القيادات الإسرائيلية، المدعومة بحكومة يمينية متطرفة، بوتيرة التوسع الاستيطاني السريعة. ووصفته الوزيرة أوريت ستروك بأنه “معجزة”، في إشارة إلى استغلال الصراع الإقليمي كغطاء لتعزيز المطالب الإسرائيلية بالأراضي.
وتقول الدراسة إن هذه الاستراتيجية جزء من خطة أوسع لخلق حقائق غير قابلة للتغيير على الأرض، مما يكرس السيطرة الإسرائيلية على الأرض ويجهض إمكانية تحقيق حل الدولتين.
تآكل القدرة الفلسطينية
ويلقي د. غسان الخطيب الضوء بشكل خاص على إعادة تشكيل الديناميات داخل الأراضي الفلسطينية من خلال السياسات الإسرائيلية. فـ”الخنق” الاقتصادي للضفة الغربية، بما في ذلك الحجز على إيرادات الضرائب وفرض قيود على العمالة، أضعف السلطة الفلسطينية وأثر على قدرتها في الاستمرار بتقديم الخدمات الحيوية مثل التعليم والصحة وغيره، وبالتالي قدرتها على البقاء وحكم الضفة الغربية بشكل ملائم.
ومع تزايد خيبة الأمل لدى الجمهور الفلسطيني، من أداء الحكم الفلسطيني الراهن، ينشأ تساؤل حول دور السلطة الفلسطينية المستقبلي كممثل لتطلعات الشعب الفلسطيني.
وتشير الدراسة إلى أن الجيل الجديد من الفلسطينيين يواجه تحديات شاقة، فرغم استمرار هذا الجيل برفض الاحتلال ومقاومته، فإن النهج الإسرائيلي المنسق نحو ضم الضفة الغربية يترك خيارات محدودة.
وتؤكد الدراسة أن الإجماع السياسي داخل إسرائيل، والذي تحول بشكل حاسم نحو السيطرة الدائمة على الأرض، يشير إلى مستقبل قاتم لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
دور الفاعلين الإقليميين والدوليين
وتضيف الدراسة أن السياق الإقليمي والدولي يزيد من تعقيد الوضع الفلسطيني. فقد صرفت الحرب في غزة والصراع الأوسع بين إسرائيل والقوى المدعومة من إيران الانتباه الدولي عن الضفة الغربية، مما أتاح لإسرائيل تنفيذ سياساتها دون محاسبة.
وتؤكد الدراسة أن فشل المجتمع الدولي في التدخل بشكل فعال شجع إسرائيل على المضي قدماً في رؤيتها طويلة الأمد للسيادة الكاملة على فلسطين التاريخية.
ماذا ينتظر الضفة الغربية؟
وتقول الدراسة إن مستقبل الضفة الغربية يعتمد على قدرة إسرائيل على الحفاظ على سيطرتها وتوسيعها دون معارضة، وتشير تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى أن الضم الرسمي قد يكون قريباً.
وتشير إلى أن مثل هذه الخطوة ستمثل ذروة عقود من السياسات الهادفة إلى محو الحقوق الفلسطينية في الأرض.
ورغم هذه التحديات، يبرز الخطيب صمود الشعب الفلسطيني واستمرار تمسكه بأرضه. فهو يرى أملاً في تصميم الجيل الجديد على مقاومة الاحتلال، مما يشير إلى استمرار النضال من أجل الضفة الغربية لسنوات قادمة. لكنه يحذر من أن الفلسطينيين يواجهون معركة شاقة للحفاظ على وجودهم وحقوقهم في الضفة الغربية، ما لم تحدث تغييرات كبيرة في الديناميات الإقليمية والعالمية.
وترسم الدراسة صورة قاتمة لمستقبل الضفة الغربية. فمجموعة السياسات الإسرائيلية، وضعف المؤسسات الفلسطينية، وتشتت الانتباه الدولي تخلق سيناريو خطير.
ومع ذلك، يؤكد الخطيب أن روح المقاومة الفلسطينية تبقى قوية، مما يمنح بصيص أمل في ظل الظلام الذي يلوح في الأفق.