أكدت قيادات درزية في محافظة السويداء جنوب سوريا أنها تنتظر “تشكيل جيش سوري موحد يضم جميع طوائف الشعب ويضمن أمن مختلف المحافظات والمواطنين”، قبل أن تسلم أسلحتها.
ومنذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي، برز ملف جمع السلاح كأحد أكبر التحديات أمام الإدارة السورية الجديدة، حيث تنتشر عشرات الفصائل في مختلف المناطق، ورغم إعلان بدء تأسيس جيش جديد للبلاد، لكن لا تزال الخطوات في بدايتها.
وتبدو قضية جمع السلاح في السويداء وانضمام فصائلها للجيش الجديد غير محسومة بعد، إذ تنظر المحافظة ذات الغالبية الدرزية بحساسية تجاه بعض إجراءات الإدارة الجديدة في دمشق، وكانت فصائل درزية منعت رتلاً عسكرياً تابعاً لـ”هيئة تحرير الشام” من دخول السويداء يوم 31 ديسمبر، وقالت إن هذا التحرك لم يكن منسقاً من قبل، كما اعتبرت مرجعيات روحية في المحافظة أن تسليم السلاح “يشترط تأسيس جيش وطني يُمثل كافة السوريين”.
وأوضح متحدث باسم “حركة رجال الكرامة” أكبر فصائل السويداء لـ”الشرق”، أن الحركة لديها تحفظات حيال إجراءات الإدارة السورية الجديدة بخصوص بناء جيش جديد، وقال إن “الاعتماد على جيش من لون واحد وتعيين قيادات غير سورية غير مقبول بالنسبة للسوريين”.
شيخ العقل: “لسنا في وضع آمن”
وفي تصريحات لـ”الشرق”، قال يوسف جربوع، شيخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا إن “بعض الفصائل اختارت التريث في موضوع تسليم السلاح إلى حين وجود جيش ووجود دولة تقوم بحماية الوطن والمواطن. جيش جاهز للدفاع عن الوطن والمواطنين. عند ذلك لن يكون هناك مانع من تسليم السلاح”.
وأضاف: “في الوقت الحالي توجد صعوبة، لأن العديد من الفصائل ترى أن المحافظة ليست في وضع آمن كي نسلم سلاحنا من دون أن يكون هناك بديل لحمايتنا. وفي المستقبل عندما يوجد جيش تابع للحكومة القادمة وتقع على عاتقه مسؤولية حماية أمن المواطنين يمكن إيجاد حل لمسألة السلاح”.
ونفى جربوع وجود انقسام في الرأي بين المرجعية الدينية بالمحافظة على التعاون مع الحكومة المؤقتة، قائلاً “نحن متوافقون في الرؤية العامة للتعاون مع الحكومة المؤقتة أو الحكومة الانتقالية الحالية إلى حين تشكيل حكومة منتخبة من الشعب السوري”.
وتضم السويداء 3 شيوخ عقل، يُمثلون الزعامة الدينية لدروز سوريا، أبرزهم الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة.
وفي لقاء سابق مع “الشرق”، أوضح الهجري أن معظم الأسلحة في السويداء اشتراها الناس بأموالهم بهدف حماية أنفسهم من الأخطار المحدقة، مشيراً إلى أن “تسليم السلاح ممكن، لكن بعد تأسيس الدولة وتثبيت أركانها ضمن رؤية سورية جامعة”.
وفي ما يتعلق بدخول قوات تابعة للإدارة السورية الجديدة إلى السويداء، أشار المتحدث باسم “حركة رجال الكرامة” قتيبة عزام إلى أنه من حيث المبدأ لا مشكلة، لكنه لفت إلى أن الفصائل والمرجعيات الروحية الدرزية تعتبر أنه عندما يشعر الناس أن الحكومة والجيش يمثلان كافة أطياف الشعب السوري لن يكون هناك ما يُثير القلق من دخول قوات بمهمة ضبط الأمن في كل المناطق.
وكانت حركة “رجال الكرامة” أعلنت في بيان مشترك مع “لواء الجبل” استعدادهما للانضمام إلى الجيش السوري الجديد، وذكر الفصيلان في بيان مصور أنهما على استعداد “للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد ورفض أي جيش فئوي أو طائفي”.
“دعوة للاندماج”
من جانبه قال فريد حمايل، قائد “قوة مكافحة الإرهاب” التابعة لحزب اللواء السوري في السويداء “نحن مستعدون للاندماج مع الجيش السوري الجديد بعد أن تتضح التشكيلات والفعاليات بمشاركة جميع السوريين في بناء الجيش السوري الجديد، وضمان أن يكون جيشاً يشمل جميع السوريين ومتكامل الألوان، ويضمن حق جميع السوريين في المشاركة في بناء هذا الجيش”.
ودعا حمايل في الوقت نفسه بقية فصائل السويداء للاندماج معاً، استعداداً للانضمام إلى الجيش السوري، وأضاف أن اندماج فصائل السويداء ضرورة لتحقيق الأمن في المحافظة، ومنع أي انفلات أو خلافات محلية، بحيث تكون هناك قيادة غرفة عمليات واحدة منسقة، إلى حين اتضاح مستقبل الجيش السوري الجديد والاندماج معه.
كما أشار إلى وجود تنسيق مع أغلب القوى السياسية في السويداء وفي كل سوريا، وقال “نحن مستعدون وجاهزون للتنسيق مع الجميع لبناء سوريا الجديدة، سوريا الحرة الكاملة، بدون تقسيم وبمشاركة جميع الألوان والأطياف والمكونات السورية”.
وفي 8 ديسمبر الماضي، دخلت فصائل سورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” العاصمة دمشق، معلنة سقوط حكم بشار الأسد، لتشكل بعد ذلك حكومة مؤقتة، متعهدة بالعمل على تشكيل جيش جديد يمثل جميع طوائف الشعب السوري.
كيف تشكلت فصائل السويداء؟
وُلدت فصائل السويداء خلال العقد الماضي، في ضوء انتشار الفوضى الأمنية، وأعمال الخطف والسلب، وغياب سلطة الدولة.
وقد شكّل معظم الفصائل رجال دين أو زعماء محليون قالوا إنهم اضطروا إلى هذه الخطوة لحماية المنطقة وضمان سلامة سكانها.
وأبرز تلك الفصائل حركة “رجال الكرامة” التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس عام 2014، واستطاع خلال وقت قصير كسب تأييد واسع بين الأهالي، وانضم إليها الكثيرون.
ودخلت الحركة في صدامات عديدة مع أجهزة الأمن التابعة لنظام الأسد، وفي 4 سبتمبر 2015، لقي البلعوس مصرعه بتفجيرين كبيرين ذهب ضحيتهما العشرات، واتهمت الحركة دمشق باغتياله آنذاك، ويتزعم “رجال الكرامة” حالياً الشيخ يحيى الحجار.
وشكّل 25 يوليو 2018، منعطفاً بالنسبة لاتجاه التسليح في السويداء، حيث تعرضت ذلك اليوم لهجوم شنه تنظيم “داعش”، كان الأكثر دموية في المحافظة منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، وأودى بحياة أكثر من 260 شخصاً، من بينهم أطفال ونساء، كما خطف التنظيم 30 شخصاً، أعدم بعضهم وأفرج عن آخرين في صفقة تبادل لاحقاً.
بعد هذا التاريخ، أصبح تشكيل الفصائل المسلحة في السويداء ضرورة وجودية بالنسبة للطائفة الدرزية التي لا يتعدى سكانها 3% من إجمالي السوريين.
كما شكّل نجلا البلعوس (ليث وفهد) قبل سنوات فصيلاً مستقلاً باسم “قوات شيخ الكرامة”، وهناك فصيل “لواء الجبل” بقيادة شكيب عزام”، و”تجمع أحرار الجبل” بقيادة الشيخ سليمان عبد الباقي.
وأعلنت بعض الفصائل العمل على الاندماج في كيان واحد بهدف تخفيف فوضى السلاح في السويداء.