خسرت القوات الأوكرانية نحو نصف الأراضي التي سيطرت عليها في منطقة كورسك الروسية، بعد هجوم مفاجئ في وقت سابق من العام الجاري، وربما تخسر بقية الأراضي في غضون أشهر، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون لـ”بلومبرغ”، وهذا من المحتمل أن يحرم كييف من “ورقة ضغط” مهمة في مفاوضات وقف إطلاق النار مع روسيا.
وذكرت “بلومبرغ”، الجمعة، أن الجيش الأوكراني يعاني بالفعل من نقص في القوى البشرية، إلى جانب الشكوك بشأن تدفق الإمدادات في المستقبل من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، حتى في الوقت الذي يواجه صعوبات لصد تقدم القوات الروسية في شرق البلاد.
وفي كورسك، المنطقة الواقعة في غرب روسيا، حيث سيطرت القوات الأوكرانية على مساحة من الأراضي، تواجه القوات الأوكرانية أيضاً نحو 12 ألف جندي من كوريا الشمالية يدعمون قوات روسيا.
ونقلت “بلومبرغ” عن مسؤولين أميركيين، طلبوا عدم كشف هوياتهم لمناقشة تقييماتهم السرية، قولهم، إنه مع بذل موسكو المزيد من الجهد، لإبعاد القوات الأوكرانية خارج كورسك، ربما في الشهر المقبل، فإن قوات كييف ربما لا تتمكن من الاحتفاظ بالأرض إلا حتى الربيع قبل أن تُرغم على التراجع، أو تخاطر بالحصار.
وأشارت “بلومبرغ” إلى أن التوقيت بالغ الأهمية، لأن المسؤولين الأوكرانيين قالوا إنهم يأملون في استخدام الأراضي التي سيطروا عليها في كورسك كورقة مساومة في أي مفاوضات.
مقترح ترمب
ورغم أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير المقبل، قال إنه يريد إنهاء الحرب بسرعة، ربما يستغرق الأمر شهوراً حتى يتفق الجانبان على وقف إطلاق النار، نظراً لتعقيد المطالب الأوكرانية والروسية. وفي وقت سابق، قال ترمب إنه يتوجب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يستعد لإبرام صفقة لإنهاء الحرب.
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنه ليس على دراية بما يتردد بشأن طرح اقتراح من قبل إدارة ترمب الجديدة لتجميد الحرب، إذا حصلت روسيا على ضمانات بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” العسكري، في العقد أو العقدين المقبلين. وقال بوتين إن مثل هذه الصفقة لن تنجح بالتأكيد بالنسبة لروسيا.
مع تمتع روسيا حالياً باليد العليا في ساحة المعركة، ربما يكون لديها حافز لتأخير المحادثات بينما تحاول استعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي من أوكرانيا قبل المفاوضات، وهدنة محتملة لتجميد الخطوط الأمامية.
في الوقت نفسه، تمكنت القوات الأوكرانية بالفعل من الاحتفاظ بالسيطرة على أراض في كورسك لفترة أطول من بعض التوقعات الأولية، بمساعدة جزئية من قرار الولايات المتحدة بالسماح لكييف بإطلاق صواريخها بعيدة المدى على روسيا، وفقاً لأحد المسؤولين.
فيما أشار مسؤول آخر إلى أن خطط أوكرانيا بشأن كورسك، لم تكن الاحتفاظ بها أبداً بل من أجل “التأثير الصادم”، الذي سيحدثه غزوها المضاد وتقليص قوات روسيا بشكل أكبر، مضيفاً: “لذلك لا يزال من الممكن تصوير التراجع على أنه نجاح تكتيكي
وأعرب اثنان من المسؤولين عن أملهما في أن يأمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالانسحاب من كورسك قبل فترة كافية، لتجنب تكبد خسائر فادحة.
هجمات قوات كوريا الشمالية
ولفتت “بلومبرغ” إلى أنه على الرغم من الانسحاب الأوكراني المحتمل، تسبب التوغل في كورسك بالفعل في خسائر كبيرة في صفوف القوات الروسية والكورية الشمالية.
وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، للصحافيين، الجمعة، إن جنود كوريا الشمالية الذين يدعمون روسيا ينفذون “هجمات جماعية ضد مواقع أوكرانية في كورسك”، ما أسفر عن سقوط أو إصابة أكثر من 1000 شخص الأسبوع الماضي فقط.
وقال جورج باروس، الذي يقود أبحاث الاستخبارات الروسية والجغرافية في معهد دراسة الحرب ISW، إنه كان من الواضح دائماً أن روسيا يمكنها استعادة كورسك إذا اختارت ذلك.
وأضاف: “لكن التوغل في كورسك، أظهر أن الحدود الدولية لروسيا ليست محمية بالكامل، ويمكن اختراقها مجدداً في نقاط أخرى”، مشيراً إلى أن “استخدام المعدات المصنوعة في الولايات المتحدة داخل روسيا لم يسفر عن تصعيد كارثي”.
واعتبر باروس أنه “من خلال السعي وراء كورسك، أظهر الأوكرانيون أن الحرب لم تصل إلى طريق مسدود بشكل ميؤوس منه، ولكنها في الواقع ديناميكية للغاية”، وهو ما برهن للحلفاء أن “الأمر لا يزال يستحق الدعم، لتحقيق مزيد من تآكل الموارد العسكرية والاقتصادية لموسكو”.
“معضلة” أمام القوات الأوكرانية
بدوره، قال أحد المسؤولين، إنه “إذا شرعت القوات الروسية في هجوم مضاد فعال في كورسك، فمن المحتمل أن تستهدف الطرق والبلدات الرئيسية لإجبار الأوكرانيين على التراجع وربما ترسل قوات كورية شمالية إضافية”.
ورجح المسؤول أن كوريا الشمالية “يمكن أن توفر نحو 8000 جندي إضافي لدعم جهود روسيا بحلول الربيع”، لكنه حذر من أن التقييم كان “بثقة منخفضة”، وهو مصطلح استخباراتي يشير إلى أنه لا يمكن التوصل إلى استنتاج حاسم بناءً على المعلومات التي جمعت.
حتى بدون القوات الكورية الشمالية، لا تزال روسيا قادرة، في الوقت الراهن، على تعويض خسائرها الكبيرة بمعدل نحو 1200 جندي يومياً، وفق تقييمات أميركية.
مع ذلك، قال أحد المسؤولين، إن “هذا ليس مستوى يمكن الحفاظ عليه إلى أجل غير مسمى دون إعلان تعبئة جديدة”، إذ يريد بوتين تجنب تكرار استدعاء 300 ألف جندي احتياطي لا يحظى بتأييد شعبي، كما حدث في سبتمبر 2022.
وفي الوقت الذي ربما تتمكن القوات الأوكرانية من تعزيز دفاعاتها والاحتفاظ لبعض الوقت ببلدة بوكروفسك، وهي مركز لوجستي مهم تنقل منه كييف قواتها، توقع أحد المسؤولين الأميركيين أن “الأمر مسألة وقت قبل أن تتمكن القوات الروسية من حصارها، الأمر الذي يشكل معضلة للقوات الأوكرانية؛ سواء بالانسحاب أو الاستسلام”.